بتلقائية وعفوية اشتهر بها وتشكلت بها ملامح وجهه المصرية الأصيلة، انتقلت المشاعر الطيبة التي كان يحملها قلبه إلى البسطاء من البشر، وسبقت هذه المشاعر سمعته الطيبة بنظافة اليد، فأحبهم وأحبوه، ليطلقوا عليه صفات يستحقها، بعيدًا عن الرسميات والتشريفات وأعلام المناسبات، مثل ألقاب "وزير الغلابة"،"عم البسطاء"، "أبو المدن الجديدة"، "الرجل نظيف اليد"..
حكايات لا تنتهي من المواقف الوطنية وشرف القصد ونظافة الأداء باتت عنوانًا للمغفور له المهندس حسب الله الكفراوي الذي رحل إلى رحاب ربه مؤخرًا، ومواقف لاحصر لها كانت عنوانًا لهذا الرجل النادر منذ بداية مشاركته في بناء السد العالي عام 1957، إلى أن قبلت ثالث استقالة تقدم بها من منصبه كوزير للإسكان والتعمير عام 1993، وهو أول وزير يتقدم 3 مرات باستقالته، والمدهش أن يمنحه رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك "وشاح النيل"، بعد عام من مغادرة منصبه في عام 1994..
ولعل ملف تعمير سيناء يعبر تمامًا عن تاريخ هذا الرجل وما فعله وما كان يحلم به لهذا الوطن وأبنائه، كما تعكس مشروعاتها وتنميتها الكثير من الأحداث، وماذا كان يتم، وإلى أين وصلت الأمور في ذلك الوقت، ولعل النتائج التي نعيشها وتواجهها مصر في سيناء اليوم والأمس، تشرح وتفسر ما وصلت إليه الأحوال هناك..
في عام 1974 بدأت عمليات تعمير سيناء، عندما انطلق أول مشروع قومي كان لتعمير سيناء وقيمته كانت 74 مليار جنيه، قبلها كانت مشروعات وأفكارًا، لكن هذا هو مشروع الدولة الإستراتيجي القومي الشامل، الذي ما إن بدأ حتى توقف لأسباب أقل ما يقال عنها أنها لم ولن تخدم الوطن، وتساءل الكفراوي وقتها غاضبًا بعد الإهمال المتعمد لمشروع تعمير سيناء: "كيف أترك مشاريع تعمير سيناء، وأروح توشكي"..
هناك موقفان أكثر توضيحًا حول سيناء سردها الوزير الكفراوي لي قائلًا:
الأول: "في يوم سألني الرئيس مبارك، ماذا تفعل الآن يا كفراوي، أجبته: أقوم حاليًا بإنشاء محطة لتحلية المياه في شمال سيناء، لأفاجأ بمبارك يقول لي: سيبك سيبك، بلاش المشروع ده"..!!
الموقف الثاني، عندما علمت أنه سيتم إنشاء كوبري أعلى قناة السويس بالقرب من الإسماعيلية، وكان يهتم بهذا المشروع وزارة الخارجية عبر السفير المصري في اليابان من خلال منحة يابانية، وطلبت من المشرفين على المشروع تعديل هذا المشروع من كوبري الى نفق، وقلت للمهتمين بالمشروع، إن إقامة كوبري أعلى قناة السويس في هذا المكان خطر، ولو أحد معه "نبلة"، وليس سلاحًا، بإمكانه تهديد الكوبري، فما زال الصراع مع العدو قائمًا، وبعد فترة بدأوا في إنشاء كوبري ولم يهتموا بما قلت، ثم أعدت عليها هذا التحذير، إلا أنهم أيضًا استهانوا أيضًا بما قلت وبدأ إنشاء الكوبري، الذي تم افتتاحه واستخدامه لوقت قصير، وأغلق الكوبري ومنع العبور فوقه بسبب المحاذير الخطيرة التي توقعتها..
هناك الكثير من المواقف في مجالات أخرى من بينها "ممر التنمية"..
- عن هذا المشروع قال الكفراوي: هذا الممر ليس فكرة فاروق الباز الذي روج لذلك، وبعد أن تحدث معه حول أمانة الكلمة والمصداقية، قال الباز بعد ذلك: "دى فكرة الرئيس السادات، واجتهادات الوزير الكفراوي، وأنا فقط وضعت المسار ..
- "استقلت 3 مرات، المرة الأولى، قال لى الرئيس مبارك: ده بُعدك، دخلنا سوا هنخرج سوا، رجلي على رجلك، المرة الثانية، قال لي: أنا مش موافق بس اعمل اللى إنت عايزه وأنا مش هقبل الاستقالة يا كفراوي، المرة الثالثة كتبت استقالة مسببة، ورحلت بأوراقي من الوزارة، لقيت أسامة الباز، وهو أخي، قادمًا لبيتي، وقال لى: "إنت بتضرب كرسي في الكلوب.. ما تقلبهاش ضلمة يا كفراوي، دخلت بالمعروف أخرج بالمعروف، الريس وافق على استقالتك بعد تلبية طلبين، الأول: أن تأتي الاستقالة في سطرين فقط، الاستقالة إللى إنت كاتبها أمامك، والثاني: أن هناك تعديلًا وزاريًا فى أكتوبر ابقى أخرج فيه، بما يعني انتظار شهرين، قلت له: يا أسامة، مفيش خصومة شخصية بيننا، أنا شوفت 6 حرامية وقلت للريس عليهم، ووقائع محددة، وكان ذلك في 93..
- أسست وخططت لإنشاء 17 مدينة جديدة أهمها: "العاشر من رمضان، السادات، 15 مايو، 6 أكتوبر، دمياط الجديدة، مراقيا، بالإضافة إلى ست مناطق تعميرية بمناطق القناة والساحل الشمالي وسيناء.
- قدمت للرئيس السادات مشروعًا يبدأ من الزعفرانة جنوبًا حتى بورسعيد شمالاً، ويهدف إلى تحويل قناة السويس من منطقة ممر إلى منطقة مقر للاستثمار والأعمال اللوجستية، وإنشاء المناطق الصناعية والتجارية والخدمية الحرة، وأهمله السادات، وأعدت العرض على مبارك، ولم يهتم..
مصر لم تفتقد وزيرًا فذًا مثل "المهندس حسب الله الكفراوي" المغفور له بإذن الله، بقدر ما ضيعت على مدى 4 عقود أساسًا حقيقيا صادقًا للعدل الاجتماعي وللنهوض وتحقيق الكرامة للبسطاء..
كثيرًا هي توقعات الكفراوي ومطالبه التي كانت للوطن ولأبنائه.. يكفيه أنه قال كلمته بأمانة وتجرد ومضى..
[email protected]