Close ad

نجلاء محفوظ تكتب: أنت ونابليون والمستحيل

14-8-2021 | 14:54

عندما يصف إنسان عدم تحقيقه لهدف ما بالمستحيل "يقفز" اسم نابليون وجملته الشهيرة: لا يوجد مستحيل بقاموسي..

نرى أن نابليون لم يحقق المستحيل وأن طموحه وربما غروره أيضا جعلاه يلقي بنفسه في النهاية المؤلمة وهو يركض ليحقق المستحيل وكأنه مراهق أراد أن يحقق رقما قياسيا لم يسبقه إليه أحد في تسلق الجبال فحطم عنقه بيديه!!

نرفض رؤية النجاح مستحيلا أو السعي للفوز بحياة سعيدة "ومتوازنة" من المستحيلات؛ ونشجب "تزيين" التراجع عن صنع ما يليق بنا بحجة الواقعية؛ فهؤلاء يصنعون "هزائمهم" ويبررونها ويضيعون أعمارهم في البكاء على أحلام أجهضوها بأنفسهم ولم تكن مستحيلة بل كانت تتطلب مزيجا من العزيمة والمثابرة وتفتيت الصعاب ورؤية الواقع ليس "للانكسار" أمامه ولكن لفعل أفضل ما يمكن "لانتزاع" النجاح ولو بعد حين..

ونقدم بعض "ومضات" من حياة نابليون بونابرت لتوضيح الفروق "الشاسعة" بين تحقيق "أفضل" الانتصارات وبين إلحاق الهزائم بالنفس وكتابة النهاية الحزينة بيد صاحبها..

ولد نابليون في 15 أغسطس 1769 ومات في 5 مايو 1821 بعد حياة حافلة بالتناقضات بين بعض أقواله وأفعاله؛ وانتصاراته وهزائمه..

كان  نابليون الابن الثاني ولديه سبعة أشقاء وتلقى تعليما عسكريا ونبغ منذ صغره وكان يسعى للتميز وللسلطة دوما ودرس التاريخ ويشيد المفتونون به لذلك ولبراعته بالتأثير على الفرنسيين واجادته توجيه الرأي العام، وبالغ البعض بمدحه فقالوا إنه كان يدلي برأيه في أكثر من موضوع بنفس الوقت بلا تفكير؛ وتجاهلوا أن ذلك ليس ميزة بل تسرعًا وهو لا يتناسب مع صفات القائد التي يجب أن يكون منها الحكمة والتأني وطرد "شوائب" الغرور أولا بأول وعدم السماح لها بقيادته نحو الهاوية وهو ما حدث لنابليون..

"إنني ألقي بنفسي وسط المأزق ثم أفكر بعد ذلك بإيجاد الحلول"؛ هذا من أقوال نابليون التي يراها البعض دليلًا على قوته وبراعته؛ والحقيقة أنها دليل تهور ومن الأذكى حساب الخطوات وربما ذلك ما تسبب بهزيمة نابليون ونفيه في نهاية رحلته؛ وربما أمكنه تجنب ذلك لو تحلى ببعض من الحكمة "وكثير" من التواضع وإدراك أن الجهد الذي سيبذله للخروج من المأزق كان يمكنه توفيره بحسن الإعداد، وأن "الركض" وراء المستحيل لإثبات التفرد "فخ" نصبه لنفسه وغرق فيه.

نتفق معه في قوله: الإرادة القوية تقصر المسافات وأن أهم ما يميز القائد برودة الأعصاب وأن قلب القائد يجب أن يكون في رأسه.. وأن جبان واحد في جيشي أشد خطرا علي من عشرة بواسل في جيش الأعداء؛ وهذا صحيح في الحروب وفي حياتنا أيضا؛ فطن نابليون لأهمية الإعلام مبكرا وتأثيره في المعارك فقال: أخاف من ثلاثة صحف أكثر من خوفي من مائة ألف مقاتل.

ولا شك أن نابليون تمتع بقدرات عسكرية مميزة ومن الفهم لنفسية الجنود والوعي باختلاف الشعوب؛ مكنته من الانتصار في معظم معاركه ولكنه تعرض لهزائم "ثقيلة" أزاحت بانتصاراته السابقة ودفعته للمنفى مرتين؛ فقد نجح في الفرار من منفاه الأول وعاد لفرنسا وتمكن من العودة للحكم؛ ولم يكتف بذلك وسعى لاستعادة مجده السابق؛ وكأي مغرور لم يقرأ الواقع جيدا فكانت الهزيمة المرة والأخيرة والنفي الثاني، وحاول ولا ندري كيف كان يفكر عندئذ؛ حاول إقناع من انتصروا عليه بتنصيب ابنه إمبراطورا على فرنسا بدلا منه!! ورفضوا "بالطبع"..

وربما كان لا يزال يفكر بأنه لا يوجد مستحيل في قاموسه؛ والمؤكد أن عدم قراءة الواقع-كما هو وليس كما نرغب برؤيته تخاصم الذكاء وليس العبقرية فقط..

والمقصود بالقراءة الواقعية السعي لأخذ أفضل الخطوات  بجدية ومثابرة "للفوز" أفضل المكاسب الممكنة وليس الانبطاح أمام الصعوبات..

كما أن القائد "الذكي" لا يتهاون بذكاء الأخرين ويثق أن الخداع سينكشف "حتما" ولو بعد حين؛ وهو ما فات نابليون عندما سعى لخداع المصريين أثناء حملته العسكرية القمعية على مصر حيث أمر جنده بالكتابة على الجدران لطمأنة المصريين أنه لا يعادي دينهم كما "يشاع" وتمادى وأشاع إسلامه وأنه جاء بالعلماء لجلب التقدم لمصر!!
 
والحقيقة أنهم كانوا واجهة لتبرير "سرقة" مصر؛ وطرده المصريون بعد ثلاثة أعوام..

ونابليون كأي قائد يبالغ مؤيدوه بمدحه وتصويره عبقريًا بلا أخطاء، ويصوره كارهوه كتلة من البشاعة، ويقاس النجاح "الحقيقي" بالفواتير التي دفعت لتحقيقه؛ ومن المؤكد أن نابليون تسبب بمقتل عشرات الألوف في أوروبا وبفرنسا وبمصر وبالشام وبمذابح كثيرة بالعالم؛ وكان دمويًا متعطشًا للسلطة وإن تستر وراء مقولات "خادعة" مثل قوله: المرأة الصالحة أمنع الحصون، بينما أساء للمرأة بفرنسا وحرمها من حقوقها وأعاد قانون العبودية التي ألغته الثورة الفرنسية..

ينسى "المنبهرون" بمستحيل نابليون أن العبرة بالخواتيم والقائد العبقري لا يموت وحيدا بالمنفى كما حدث لنابليون وأنه لم يكن يحارب من أجل قضية ولكن "لتعطش" وجوع للتحكم في العالم؛ فلم يكتف بحكمه لفرنسا وتدخل في شئون معظم دول أوروبا وجلب الدمار لبلده وللآخرين ولنفسه..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة