جاءت شهادة الشيخ محمد حسان في المحكمة، أمام القاضي المستشار محمد السعيد الشربيني، رئيس المحكمة التي تنظر القضية المعروفة إعلاميًا بـ"داعش إمبابة"، مختلفة تمامًا عن تلك التي أدلى بها رفيقه الشيخ محمد حسين يعقوب أمام المحكمة ذاتها منذ أكثر من شهر تقريبًا، وكما توقعت لم يكن "حسان" مترددًا، بل كان منطلقًا مفوهًا كعادته، صال وجال، ولو ترك له المجال لاستطرد أكثر من ذلك، ولكن يضيق وقت المحكمة، فالمجال مجال شهادة لا مجال دعوة.
لم يقل الشيخ حسان "لا أدري" بل أجاب عن كل الأسئلة بلا استثناء، على عكس ما فعله الشيخ يعقوب، الذي تعمد الإجابة بـ"لا أدري" على كثير من أسئلة المحكمة، لدرجة أنه قال عن نفسه أنه جاهل، لم يدع حسان الجهل بما يعلم، فقال رأيه في الإخوان وحازمون والقاعدة وداعش والسلفيين، والسلفية الجهادية، وأنصار بيت المقدس والجماعة الإسلامية، والسرورية، وشرح مصطلح "الطائفة الممتنعة"، الذي ادعى يعقوب الجهل به، مثلما ادعى الجهل بتنظيمات إرهابية يعرفها القاصي والداني.
أعجبني الشيخ حسان في شهادته حينما اعترف بتأييده لجماعة الإخوان الإرهابية كمرشحة لقيادة مصر بعد 25 يناير 2011، بل زاد على ذلك أنه كان يراهم الأنسب والأصلح نظرًا لخبرتهم السياسية، وهذا اعتراف يشكر عليه، لأنه يحمل في طياته ميلًا كان دفينًا لجماعة الإخوان، التي يرى أن أصل نشأتها دعوي ثم تحولت للسياسة، على خلاف حقيقة الجماعة التي ربما لا يعلمها الشيخ حسان، أو يتغافل عنها، وهي أن النشأة من الأصل سياسية وليست دعوية، وإنما اتخذت الدعوة مطية للوصول إلى السلطة.
ربما يكون الشيخ حسان مع ميله الدفين للجماعة في السابق، انخدع بخبرتهم السياسية المزعومة، لكن حقيقة الأمر أن جماعة الإخوان لم تصل إلى مرحلة النضج السياسي على الإطلاق؛ لعدة عوامل أهمها انغلاقها الأيديولوجي، والإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة قبل 25 يناير، والتي لم تكن ترغب في وجود الإخوان سياسيًا إلا بالقدر الذي يسمح به النظام السياسي، ولكي يصل فصيل ما لمرحلة النضج السياسي، لا بد أن يتمرس في كل الأدوار، من المعارضة إلى المشاركة في الحكم، إلى المعارضة مرة أخرى ثم إلى الحكم وهكذا حتى ينضج هذا الفصيل، وهو ما لم يحدث مع جماعة الإخوان ولا غيرها من الأحزاب السياسية في عهد الرئيس مبارك، بل يسعني القول أن الحزب الوطني نفسه لم يصل لمرحلة النضج السياسي، رغم قوته المستمدة من كونه الحزب الحاكم، وحزب الرئيس.
وكان حسان قويًا حينما وصَّف ما حدث في 30 يونية و3 يوليو، على أنه صدام حقيقي بين الجماعة وبين الدولة بكل مؤسساتها، رفعت بعده الجماعة شعار الشرعية أو الدماء، وهذا اعتراف منه بلجوء الجماعة وتهديدها بممارسة العنف، على الرغم من أن حسان كان يرافق يعقوب في ميدان مصطفى محمود، مدافعًا ومساندًا للإخوان يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة!.
تناقض الشيخ حسان في شهادته وربما تراجع عن ما كان يدين به في السابق تجاه القطب الإخواني الأشهر سيد قطب، الذي كان يصفه ويلقبه في أشرطته الدعوية بـ"الشهيد"، فها هو أمام المحكمة يعترف صراحة أن المنهج القطبي هو أساس الجماعات الجهادية كلها.
واستخدامه لمصطلحي "فقه الجماعة"، و"فقه الدولة" ما هو إلا استشهاد بكلام سيد قطب، الذي روج له على مدى ثلاثين عامًا، فليس في الإسلام ما يسمى بفقه الجماعة وفقه الدولة، فالفقه الإسلامي هو فقه للجميع حكامًا ومحكومين، وليس في الإسلام جماعات حتى يكون لكل واحدة منهم فقه خاص بها.
شهادة الشيخ حسان جعلته شاهد إثبات تدين أفراد خلية «داعش إمبابة» وتجعل المحكمة مطمئنة القلب تمامًا وهي تحكم عليهم بما يستحقون من عقاب، كما أن الشهادة في حد ذاتها تؤيد ما ذهبت إليه الدولة المصرية من مواجهة الإرهابيين مواجهة أمنية، فلا سبيل لمن يحمل السلاح إلا السلاح.
هذه الشهادة لا تجعل الشيخ حسان بريئًا من تأييده للإخوان، فكان عليه أن يعتذر للمصريين الذين اغتروا بتأييده لهذه الجماعة فأيدوها، واستمروا في تأييدها، على حق وعلى باطل، ووقفوا في وجه الدولة المصرية، بسبب تغرير الشيخ حسان وأمثاله.. نعم هذه الشهادة بمثابة تراجع عن هذا التأييد، لكن هذا التراجع دون اعتذار هو تراجع منقوص.
*باحث في الإرهاب الدولي
[email protected]