Close ad

مهدي مصطفى يكتب: سينجو من يرى في الظلام

9-8-2021 | 18:11
الأهرام العربي نقلاً عن

أفغانستان مستنقع القوى العظمى في كل عصر من عصور القوى العظمى: بريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتي السابق، وأخيرًا الولايات المتحدة الأمريكية. 

بعد عشرين عامًا تخرج أمريكا من أفغانستان دون تحقيق نصر إستراتيجى فى الظاهر على الأقل،  وبعد خسارة ثروة مادية، ومالية، تقدر بعدة تريليونات من الدولارات، وثروة بشرية تقدر بآلاف القتلى من الغزاة وشعب أفغانستان نفسه، هذا غير الأرواح المفقودة من التحالف الدولى بقيادة أمريكا وحلف الناتو، أما المحاربون العائدون من ساحات القتال فمصابون بأمراض نفسية لا شفاء منها، ولا أحد يعرف لماذا هاجمت الولايات المتحدة كلا من أفغانستان والعراق، إذا كانت طالبان التى واجهتها قبل عشرين عاما، عادت واستعادت قوتها العسكرية والدبلوماسية والسياسية؟

الرئيس الأفغانى أشرف غنى، يتهم الولايات المتحدة بأنها تسببت فى إشعال حرب أهلية، وتمكين طالبان، أما الدول المتحالفة مع واشنطن فى مكافحة الإرهاب، التى فقدت رجالها ونساءها وأموالها فتتساءل عن مغزى الانسحاب بعد هزيمة، تشبه هزيمة فيتنام فى الستينيات والسبعينيات، وهل يمكن لقوة عظمى غير مسبوقة أن تهزم فى كل الحروب التى تخوضها تحت ذرائع نشر الديمقراطية والحرية والليبرالية؟

صناعة الجماعات والتنظيمات الإرهابية فشلت فشلا ذريعا، ورواية الديمقراطية وحقوق الإنسان وصلت إلى طريق مسدود،  والعولمة الاقتصادية ذبحتها فيروسات كورونا، ولم يبق منها إلا  عولمة المناخ واللقاحات، وتجلى هذا الأمر فى رفض الشعوب «الوطنية» فكرة زراعة ميليشيات وتنظيمات دينية فى السلطة.

لكن هل يمكن أن يطرأ سؤال  ماكر عن انسحاب أمريكا من أفغانستان والعراق ثم سوريا فيما بعد, مفاده أن هناك مظلة أمريكية جديدة غير تقليدية للسيطرة على شعوب الشرق الأوسط, وما يجاورها من شعوب  تحت عنوان جديد غير تمكين التيارات الدينية، وحكاية الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان؟

أما السؤال الأكثر مكرا فهو هل يمكن أن ترتد قوة عظمى أرادت أن تستعيد مجد الإمبراطورية الرومانية  بصورة حديثة  أن تتخلى عن هذا المجد، وتصبح دولة عادية لا تخرج خارج المحيطين الهادى والأطلنطى، أم أن هناك تفكيرا لا نراه, يقوم به مفكرون جدد للسيطرة على الشعوب والمجتمعات والدول والأمم سيطرة تامة، لا عيوب فيها كما جرى فى مخطط القرنين التاسع عشر والعشرين، ويتلافى أى خطأ؟

أعتقد أن السؤال الثانى أولى بطرحه، والإجابة عليه، فالقوة التسليحية العملاقة التى ظهرت منذ بداية القرن العشرين، تتحول ببطء إلى قوة تسليحية صغيرة، لكنها تتفوق عن الأولى فى القوة التدميرية، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا التفكير يلازمه تفكير آخر، وهو إنتاج أفكار يعجز الشيطان عن الإتيان بمثلها تقريبا، ومن ثم فإن  الموجة الجديدة من تغيير السياسة والخرائط  تضرب بعنف تحت السطح  الظاهر، وهو سطح تبدو فيه الأحداث هادئة  بين شركاء المحيط الأطلنطي، دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية،  لكنه هدوء الاستعداد للمرحلة التالية من  الطوفان الناعم المجهز للمسرح الدولى.

فى هذه  اللحظات الفارقة سينجو من يرى فى  الظلام، ويقرأ ما بين السطور، ويتخيل جوهر الموجة التالية،  ويستعد ألا يكون محطة أو خطوة على رقعة الشطرنج المجهزة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: