ارتبطت كلمة حتى في أذهان الكثيرين بالرائع صلاح ذو الفقار وهو يتحدث إلى البرنس أحمد مظهر في فيلم الأيدي الناعمة ويقول: أكلت السمكة حتى ذيلها.. بالك انت حتى هنا ليها كام معنى؟
ونعود إلى عنوان المقال ونفكر معًا فى حل فزورة "حتى"! ودعوني أردد تساؤل صلاح ذو الفقار مرة أخرى: بالك انت "حتى" ليها كام معنى في عنوان المقال ده؟ هي قد تكون "حرف تعليل" المقصود به أن حب الشخص لما يعمله في الوقت الحاضر هو السبب "كي" يحقق ما يريد في المستقبل، مثل "ذاكر حتى تنجح".
هنا يجب أن تحب المذاكرة؛ لأنها سوف تكون طريقك إلى النجاح الذي تريده، كما أنها قد تكون "حرف جر" يقصد به الانتهاء والوصول إلى الغاية، بمعنى أن تحب ما تعمل الآن "إلى" أن تتمكن من عمل ما تحب في المستقبل؟ ليكون المعنى "أحببت ما أعمل إلى أن حصلت على العمل الذي أحبه وأريده".
وهنا لا يكون الحب حبًا للشيء بقدر ما هو صبر على هذا الأمر، إلى أن يصل الإنسان إلى ما يحب، وهو ما قد يطلق عليه البعض "دبلوماسية المرحلة".
أنا شخصيًا لا أود الدخول في متاهة "حتى"، ولذلك أقر صحة كلا الفرضين فكلاهما يتعلق بحب الإنسان لعمله وهذا هو المهم، لأن هذا الحب هو السبيل إلى الإتقان، والإتقان في العمل يعتبر فريضة "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".
وهنا يجب أن يفرق الإنسان بين عمل يقوم به لضرورات الحياة ولا يتمنى الاستمرار فيه على المدى الطويل، وعمل يهواه ويتمنى أن يقضي فيه عمره، لا شك أن الفرض الثاني يعتبر هو الفرض الأفضل لأي إنسان، لكنه قد لا يكون متاحًا بسهولة، فيجد الشخص نفسه مضطرًا إلى قبول عمل لا يأتي على هواه للحصول على المال اللازم لمعيشته هو وأسرته، وأزعم أن أغلبنا قد خاض تلك التجربة، فى تلك اللحظة هل يؤدي الشخص هذا العمل وهو متضرر ومتأفف منه طوال الوقت؟
لماذا لا نسأل أنفسنا: ما قيمة العمل الذي أقوم به؟ وأقول إن أي عمل مهما كان، هو عمل مهم وضروري؛ عمال النظافة في الشوارع والمؤسسات هل يمكن أن نتخيل الحياة بدون وجودهم؟ وبالمثل السباك والكهربائي والنجار وغيرهم، لا يوجد عمل قليل القيمة وآخر عظيم الشأن، طالما أن المجتمع بحاجة إلى هذا العمل، ولا تستقيم حياة الناس بدونه، المهم هو إتقان العمل الذي لا يتأتى إلا بحب الإنسان لعمله.
حب العمل هو ثقافة وعادة ياسادة تنبع من احترام المجتمع لكل فرد يؤدي خدمة تنفع الآخرين.
لماذا ننظر إلى الغرب مبهورين ومعجبين بالشباب وهم يعملون أثناء دراستهم في محطات البنزين والكافيهات "جرسونات"، بل ونتمنى ذلك لأنفسنا، في حين نتكبر عليه إذا أتيح لنا في بلدنا؟ هم لا يتمنون الاستمرار في تلك الأعمال، ويعتبرونها خطوة نحو تحقيق ما يريدون، لكنهم يؤدون عملهم بحب واجتهاد وإتقان، يقينًا بأن هذا العمل يحقق لهم ما يريدون في تلك اللحظة، وأنه السبيل والطريق إلى تحقيق ما يريدون، كيف إذن لا نحبه وهو سبيلنا حتى نحقق أحلامنا؟!