المثقفون ليسوا طبقة تدافع عن مصالحها الضيقة بل هم القائد لكل الطبقات
المثقف لا يستحق هذا الوصف بغير التزام
يوليو الثورة، ليست مجرد ذكرى نحصى فيها أسباب الفخر، وهى كثيرة، ولا مناسبة للجلوس فى المنزل والتأسى على الماضى المجيد، لكنها الترسيخ الأكمل والأمثل لتلاحم الشعب مع جيشه، ذلك التلاحم الذى كانت ذروته لحظة ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التى دعمها الجيش انتصارا للشعب، وبين اللحظتين لم يكن ما جرى ردا للجميل المتبادل، بل الكيان يتحد دفاعا عن وطن عزيز، كانت لحظات الإخفاق فيه استراحة محارب بين حربين، وفى الذكرى التاسعة والستين لثورة يوليو، نعيد هذا الحديث لزعيمها الخالد جمال عبد الناصر، مع الطلبة وأساتذة الجامعة والمثقفين، لأنه يلقى نظرة عامة على الثورة وما أصابها وقضايا الوطن الثابتة فى الكفاح الوطني، القضايا التى لا تتغير بتغير الأزمان والأشخاص، قضايا الثبات والصمود فى وجه الأطماع الخارجية، وتجرؤ الضعفاء على التاريخ، ودور المثقفين والكتاب والطلبة فى كل هذه القضايا، وهذا من المرات النادرة التى تحتل الثقافة الجانب الأبرز فى كلام الرئيس عبدالناصر؛ لأن المثقفين هم قادة الرأي، والأقدر على تفهم الأوضاع الداخلية والخارجية وتوصيلها إلى الجماهير، هذا الحوار وثيقة تاريخية تظل صالحة، والحقائق القديمة لا تزال قادرة على إثارة الدهشة، نترككم مع الحوار الذى نشرته الأهرام فى 26/4/1968.
فى حديث من القلب والعقل معا لمدة ساعتين فى جامعة القاهرة مع المثقفين، لمس جمال عبد الناصر عددا من القضايا السياسية والفكرية ومشاكل العمل الوطنى والقومى والدولى فى المرحلة الراهنة.
وفى الجانب السياسى كان حديث جمال عبد الناصر عن المعركة المستمرة مع العدو حافلا بالأخبار المهمة:
- أعلن أن الاتحاد السوفيتى قدم لنا كميات كبيرة من الأسلحة بغير مقابل تعويضا عن بعض ما خسرناه.
- وأعلن أننا لا نكتفى بمجرد تعويض ما فقدناه من القوة العسكرية، لكننا ننشئ وحدات جديدة بحيث لا يكون لإسرائيل تفوق علينا فى البر أو الجو أو البحر.
وفى هذا الجزء من الحديث - وكان جمال عبد الناصر قد تطرق إليه، وهو يشرح الأسباب التى دعته إلى طرح المعركة ضمن موضوعات الاستفتاء - قال جمال عبد الناصر: «إن المعركة لن تكون سهلة، وإنما ستكون معركة طويلة مريرة، وهى أول معركة نواجهها منذ 16 سنة بدون نصر سريع».
والمعركة ليست مجرد تحقيق جلاء عن سيناء، ولو كان ذلك، ففى استطاعتنا تحقيقه غدا ببعض التنازلات، لكن المعركة فى صميمها هى نكون أو لا نكون، والمعركة فى صميمها هى الأمة العربية، وهى الحق العربى، وهى الشرف العربى.
ولا بد لهذا أن يسمع صوت الشعب عاليا وإجماعيا، فلقد يسهل على البعض تصوير هبة يومى 9 و10 يونيو، وكأنها انفعال عاطفى أو رد فعل سريع، لكن الصوت الذى سوف يرتفع نتيجة للاستفتاء، يجىء بعد عشرة شهور من الهزيمة، وبعد دراسة لأسبابها، وبعد ترو وتعقل وتدبر واستعداد للتضحيات والتكاليف، وهو صوت يجب أن تسمعه الأمة العربية، ويجب أن يسمعه المجتمع الدولى لكى يعرف ألا مساومة، وأن يسمعه العدو لكى يعرف أن هناك تصميما، وأن هناك إرادة مستعدة للشوط حتى مداه.
وفى الجانب الفكرى، فإن حديث جمال عبد الناصر قدم تحليلا وافيا لطبيعة المثقفين، وأنهم ليسوا طبقة تجمعهم مصلحة واحدة، وإنما هم قوة يجمعهم وصف المثقف.
وقدم جمال عبد الناصر تعريفا للمثقف قال فيه:
« إن المثقف هو كل من يكدح ذهنيا ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، وهو الذى يفكر فى أحوال المجتمع ككل، وهو الذى تتجاوز اهتماماته حدود مصلحته الخاصة، وتقدر على الإحاطة بمصلحة المجتمع، ويملك الاستعداد الفكرى والذهنى لهذه المسئولية».
وأضاف جمال عبد الناصر:
- إن المثقف لا يستحق هذا الوصف بغير التزام، لكن يجب أن نحدد معنى الالتزام ودرجات الالتزام.
وحدد جمال عبد الناصر الالتزام بأنه «الالتزام بالارتقاء بالمجتمع وبالارتقاء بالحياة عن طريق المشاركة فى العمل والتوجه السياسى والفكرى».
وهناك التزام حيال الطبقة، وهذا دور النقابى.
وقد يتسع الالتزام فيكون التزاما أعلى وأشمل إلى الحدود الوطنية والقومية، وهذا هو العمل السياسى كما يجب أن يكون.
وقد يتسع التزام المثقف أكثر وأكثر، فيكون التزاما بقضايا الإنسانية كلها، وقدم عبد الناصر مثالا لذلك من التزام برتراند راسل، إزاء قضايا السلام.
وأعطى جمال عبد الناصر تعريفا محددا للثقافة والالتزام قال فيه:
- إن الثقافة فى صميمها هى التفتيش عن الحقيقة، والالتزام فى صميمه هو السعى الدائب والدائم لإيجاد تناسق بين الحقيقة والواقع، وملاءمة حركة المجتمع الوطنى مع اتجاهات التطور الإنسانى.
وتوقف جمال عبد الناصر تفصيلا أمام أهمية الحديث إلى المثقفين، بوصفهم الطلائع القائدة لكل الطبقات، وأمام سهولة الحديث إلى المثقفين، بوصفهم الأقدر على النظرة الكلية والنظرة التفصيلية إلى الأمور - وتلك سمات النظرة العلمية - ثم صعوبة الحديث إلى المثقفين فى نفس الوقت لاحتمالات التباين فى المواقف.
وفى هذا الصدد لخص جمال عبد الناصر قضية مسئولية الفنيين المثقفين أمام المجتمعات التى أعطتهم الفرصة، وحقها عليهم فى أن يقدموا لها العطاء.
- وكان موضوع الطلبة أبرز الموضوعات التى لمسها جمال عبد الناصر فى حديثه عن العمل الوطنى.
وفى موضوع الطلبة كانت هناك أخبار مهمة:
- قال جمال عبد الناصر إنه لا يقبل وجود أى نوع من الوصاية على الشباب، وإن الممارسة وحدها كفيلة بأن تعطيهم ما يحتاجونه من التجربة، وأعلن موافقته على تشكيل اتحاد عام لطلبة كل الجامعات المصرية.
- قبل جمال عبد الناصر دعوة ممثل طلبة الجامعات، الذى تحدث فى بداية اجتماع الأمس، إلى لقاء مع طلبة الجامعات، على أن يكون ذلك بعد الاستفتاء.
- دعا جمال عبد الناصر رؤساء اتحادات الطلبة فى الجامعات الخمس، ورئيس اتحاد طلبة المعاهد العليا، إلى لقاء معه فى بيته فى الساعة الثامنة من مساء اليوم، لكى يتحدثوا معه فى تكوين الاتحاد العام وفى العقبات التى تعترض الحركة الطلابية.
- وأعلن جمال عبد الناصر مجموعة من الاتجاهات فى حديثه عن الطلبة وعن دورهم:
- قال: إننى أعتبر أن اشتراك الطلبة فى العمل السياسى أمر مطلوب ومرغوب فيه، باعتبارهم أصحاب الحق فى المستقبل، وأن حركة الشباب تمثل تيارا ثوريا أصيلا لا يمكن للثورة أن تتناقض معه، وإلا فإنها تكون قد فقدت قدرتها على الاندفاع.
- وقال: إن شبابنا فى مظاهراته الأخيرة أثبت وعيه، فقد تظاهر وتكلم وعبر عن نفسه، وعندما أحس بمحاولات لاستغلاله، فقد كان هو الذى حصر حركته داخل جامعاته، ورفض الاستغلال ورفض أن يكون أداة.
- وقال: إن حق القلق وعدم الرضا ظاهرة صحية وتعبير عن الحيوية، ويجب أن نفرق بين عدم الرضا وبين العداء، وأنه يستطيع أن يسمى ذلك «عدم رضا شرعى»، لأنه قوة لصالح التطور.
- وقال: إن شبابنا يعرفون فى سنهم أكثر مما كان يعرف جيلنا، لأنهم معرضون لوسائل من المعرفة وفرتها التكنولوجيا ولم تكن متاحة لجيلنا.
- وقال: إن حركة الشباب فى مناخ صحى تزود الحاضر بروح المستقبل، وترفع مستوى التفكير والتنفيذ سياسيا وإنتاجيا وفكريا.
- وقال: إن أمامنا الخيار بالنسبة لشبابنا، أى بالنسبة لمستقبلنا أن نتركه يعبر عن قلقه المشروع، وبالتالى يشارك إيجابيا ويتحول إلى قوة خلاقة، أو أن نصده وندفعه إلى اليأس، فإما أن يصل إلى السلبية، وإما أن تستبد به انحرافات الحضارة الحديثة.
- وأعطى جمال عبد الناصر أهمية كبرى لحركة الشباب فى العالم كظاهرة عالمية، وعلق أهمية كبرى على احتمال أن تدرك حركة الشباب العالمية بنقائها وبصدق وجدانها الحقيقة الإنسانية لقضية شعب فلسطين، كما فعلت ذلك بالنسبة لقضية شعب فيتنام.
- وختم جمال عبد الناصر خطابه برد واضح على كل التساؤلات التى ترتفع عن الضمان.
«ليس هناك من ضمان للحرية إلا استعداد قوى الشعب للتمسك بها ولحمايتها، أنتم الضمان.. قوى الشعب هى الضمان.. يقظة الجماهير هى الضمان.. حركة الجماهير هى الضمان.. إصرار الجماهير على بناء سلطة قوى الشعب العاملة هو الضمان».
وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد قصد أن يلقى حديثه إلى المثقفين جالسا، لكى يتخذ اللقاء شكل الحديث.
أيها الإخوة.. لقد كنت أنتظر هذا اللقاء منذ عدة شهور وعلى وجه التحديد منذ بدأ الحوار الطويل الذى أثارته جماهير شعبنا، والمثقفون فى الطليعة، فى محاولة جادة وشريفة لإعطاء النضال الوطنى دفعة قوية يتجاوز بها النكسة الخطيرة التى اعترضت طريقه، وفاجأته بما لم يكن يتوقع، وإن كانت فى نفس الوقت قد كشفت عن الكثير مما كان تصحيحه لازما لهذه الدفعة.
وإذا كان هذا الحوار الطويل الذى أدارته جماهير شعبنا قد صب نفسه أخيرا فى بيان وبرنامج 30 مارس، فإن اللقاء مع الطلائع التى قامت بدور كبير فى هذا الحوار والنقاش، يكتسب أهمية كبيرة. ففى الحقيقة فإن هذا اللقاء الذى يتم بيننا اليوم كان يمكن أن يكون عدة لقاءات. ذلك أننا عندما قلنا باجتماع للمثقفين جمعنا فى الواقع عناصر كثيرة. قد تكون بين هذه العناصر الكثيرة رابطة واحدة فى وصف المثقف، بمعنى أن المثقف هو كل من يفتح ذهنيا ويعطى للمجتمع نتاج عقله وفكره، سواء كان مهندسا فى الصحراء، أو عالما فى الذرة، أم عاملا نقابيا أم كاتبا أم طبيبا أم باحثا أم فنانا أم أستاذا أم طالبا.
لكن هذه العناصر الكثيرة، برغم الرابطة الوحيدة التى يمثلها وصف المثقف لا تمثل مصلحة واحدة، لأن المثقفين ضمن تحالف قوى الشعب العاملة ليسوا طبقة، وإنما هم على وجه الدقة قوة.
نقدر نقول: إن العمال طبقة تجمعهم وحدة مصلحة، ويمكن أن نقول إن الفلاحين طبقة تجمعهم وحدة مصلحة، ويمكن أن نقول إن الرأسمالية الوطنية طبقة تجمعها وحدة مصلحة، لكن المثقفين قوة، وهى قوة موزعة على جميع الطبقات، بل هى طليعة كل الطبقات. فيه الفلاح المثقف، والعامل المثقف، والفنى المثقف، والعالم المثقف، يعنى إيه المثقف؟ المثقف هو الذى يفكر فى أحوال المجتمع ككل.
يفكر بأى صورة من الصور فى المجتمع، بصرف النظر عن تفكيره. «قد يكون تفكيره يمينى، قد يكون تفكيره يسارى، قد يكون تفكيره رجعى، قد يكون تفكيره تقدمى»، لكن هو يفكر بالنسبة للمجتمع. على هذا الأساس نفهم المثقف ونقول إنه هو الشخص الذى تتجاوز اهتماماته حدود مصلحته الخاصة.
وتقدر على الإحاطة بمصلحة المجتمع ككل بالنسبة لكل الطبقات، فيه طلائع ليها هذه الطلائع من المثقفين، المثقف هو كل من يهتم بالأمور العامة، وتفسير حركة المجتمع، ويملك الاستعداد الفكرى والذهنى لهذ ا الدور.
المثقف والمتعلم
طبعا فى تصور بيقول إن موقف المثقف هو موقف العزلة عن الحياة، والابتعاد عن المجتمع، ويمكن أنا اتكلمت فى هذا الموضوع قبل كده وقلت إن ده مش ممكن يكون مثقف، ممكن نقول عليه متعلم، ممكن نقول إن واحد اتعلم وأخذ شهادات كبيرة ووصل إلى أرقى الشهادات، لكن انعزل عن مجتمعه مبيحسش بإحساس مجتمعه. طبعا العامل النقابى اللى هو ابتدى يعمل، ثم تثقف، اتعلم بيكون ملتزم لطبقته للعمال، حايفضل طول عمره ملتزم للطبقة العمالية ، طبعا بالنسبة للمثقف اللى اتاخذت أرضه تأثر بالقوانين الاشتراكية فيه أدامه سبيلين، يا إما يفضل باستمرار متأثر بهذا، وإما يحس بإحساس المجتمع ويشعر إن عليه مسئولية تجاه وطنه، وتجاه المجموع، وبهذا ينقلب إلى مثقف يعمل من أجل المجتمع ومن أجل المجموع، لكن إحنا بنعرف إن اللى بيتاخد منه شىء والاشتراكية هى تذويب الفوارق بين الطبقات، يمكن ما بينساش الشىء اللى اتاخد منه. إحنا فى مرحلة تحول من الاستغلال إلى تذويب الفوارق بين الطبقات. إحنا فى مرحلة تحول إلى الحرية الاجتماعية، والحرية الاجتماعية هى المدخل الوحيد إلى الحرية السياسية. إحنا مابقيناش مجتمع اشتراكى، لكن نحن نمر بفترة التحويل من المجتمع الإقطاعى الرأسمالى، إلى المجتمع الاشتراكى الذى تذوب فيه الفوارق بين الطبقات. أصعب مرحلة وأصعب مسئولية. المثقفين فى هذه المرحلة لا يمثلوا طبقة، لكنهم متفرقين على الطبقات، فيه اللى يؤيد، وفيه اللى يعارض، فيه اللى يسير فى الاتجاه الاشتراكى، وفيه اللى يمشى فى الاتجاه المحافظ. بالطبيعة الشعوب يمكن محافظة التغيير أصعب عملية لما نقول إن إحنا بنغير من مجتمع إقطاعى رأسمالى إلى مجتمع اشتراكى تذوب فيه الفوارق بين الطبقات، ولما نقول إن الحرية الاجتماعية هى المدخل الوحيد إلى الحرية السياسية، ولما نقول إن إحنا مانقردش نذيب الفوارق بين الطبقات مرة واحدة، ومانقدرش إن إحنا نفتح الباب فى يوم وليلة للحرية الاجتماعية والديمقراطية السليمة، لما نقول إننا فى مرحلة التحول لازم كل واحد فينا يقدر ما هى مرحلة التحول.
كل مثقف ملتزم ثورى يشعر بمشاكل ومصاعب مرحلة التحول. وقلت إن المثقفين فى هذا بيمثلوا كل الطبقات، وقلت إن المثقف ممكن يلتزم بالنسبة لمصلحة طبقته، كالعامل النقابى، وقد يتسع التزام المثقف فيكون التزام أشمل وأعم إلى الحدود الوطنية والقومية، وهذا هو العمل السياسى، كما يجب أن يكون، طبعا قد يتسع التزام المثقف بعد هذا أكثر وأكثر، فيكون التزام بقضايا الإنسانية كلها.
وعندنا مثال على ذلك، وهو موقف رجل مثل «برتراند راسل»، لم يكفه تفوقه فى الرياضيات، وإنما اتسع اهتمامه لقضايا الحرب والسلام، قصدت أن أقول إن المثقفين قوة تجمع عناصر متعددة، لكنهم ليسوا طبقة تجمعها مصلحة واحدة، ومن هنا أهمية الحديث إليهم وسهولة الحديث إليهم وصعوبة الحديث إليهم فى نفس الوقت.
سهولة الحديث للمثقفين
أهمية الحديث لأنهم - كما قلت - طلائع كل الطبقات، والعنصر القائد والدافع لحركة كل الطبقات، واللى عاوز أقوله ما ينبغى أن يتوفر فى المثقف الملتزم، هو القدرة على تصور التصور والسعى عن طريق الدعوة والمشاركة الإيجابية فى العمل على تحقيق هذا التصور، إن الثقافة فى صميمها هى التفتيش عن الحقيقة والالتزام فى صميمه هوى السعى الدائب والدائم لإيجاد تناسق بين الحقيقة والواقع، وملاءمة حركة المجتمع مع اتجاهات التطور الإنسانى، دى أهمية الحديث إلى المثقفين.
أما سهولة الحديث إلى المثقفين ليه الحديث إلى المثقفين سهل؟ لأن المثقف بالطبيعة علمى فى تفكيره، يعتمد على التحليل أكثر مما يعتمد على الانفعال، وإحنا محتاجين إلى التحليل أكثر من الانفعال، لأن المجتمع اللى بنعيش فيه أصبح معقدًا بالكثير من التفاصيل.
المجتمع الوطنى فى بلدنا، إما بنبص فى المجتمع فى بلدنا ونحاول أن نحل مشاكل هذا المجتمع، نجد أن قدامنا الكثير من التفاصيل التى لا يمكن بدون تحليلها أن نخرج بصورة صحيحة للعمل الذى ينبغى أن نقوم بيه فى مرحلة معينة، لما بنتكلم عن التنمية الاقتصادية.
وزيادة الدخل القومى والاستثمارات والإنفاق. كل ده بيدخل إلى تفاصيل أكثر التضخم والعمالة والعاطلين. توجيه التعليم تفاصيل كثيرة جدا لازم نلم بها. المجتمع ودراسته أصبحت عملية بالغة الصعوبة. وأما نيجى نقول عايزين نشغل كل الناس. عايزين نشغل العمال. عندنا زيادة فى السكان 800 ألف كل سنة. معنى ده إيه. معناه إن إحنا لازم نستثمر مبالغ كبيرة كل سنة إيه؟ معنى نستثمر مبالغ كبيرة كل سنة إيه، معناه إن إحنا لازم ندخر مبالغ معينة من دخلنا، ندخر 20% من دخلنا القومى، أو 25% من دخلنا القومى، وإلا يحصل تضخم. طب وإذا ما اقدرناش لم نستثمر حيحصل إيه؟ إذا لم نستثمر حتحصل بطالة. حيطلعوا الناس ما يلاقوش عمل. كل دى مشاكل باقولها دلوقت قدامكو فى ثوانى، لكن مشاكل معقدة.
أمل الوحدة وتعقيداتها
طبعا لما نتكلم عن المجتمع القومى، نجد أيضا المجتمع القومى بالنسبة لقوميتنا العربية، ملىء بالتفاصيل المعقدة التى لا يمكن بدون تحليلها أن نخرج بصورة صحيحة للعمل، الذى ينبغى أن نقوم به إلى مرحلة معينة. أمل الوحدة العربية يشعر به كل واحد، لكنه يرتبط بالأوضاع الطبقية فى العالم العربى. يرتبط بالرواسب التى تركتها التجزئة.
يرتبط بالدور الذى تقوم به إسرائيل. يرتبط بالتركة التى ورثناها نتيجة قرون طويلة من الحكم الاستعمارى. رفع الوحدة العربية كشعار عملية سهلة، لكن أمل الوحدة العربية للجماهير العربية فيه الكثير من التفصيلات والكثير من التعقيدات.
نموذج للعمل الدولى
إذا نظرنا إلى المجتمع الدولى اللى بنعيش فيه، نجد أن المجتمع ملىء هو الآخر بالتفاصيل المعقدة، وبدون تحليل ودراسة هذه التفاصيل المعقدة لا يمكن أن نخرج بصورة صحيحة للعمل الذى يجب أن نقوم به فى مرحلة معينة.
موقف عدم الانحياز - مثلا - يرتبط بعدة مشاكل. أهم مشكلة هى مشكلة السلام والحرب. العالم ينقسم إلى كتل واتجاه إلى التوتر، عدم الانحياز فكرة تمنع من انقسام العالم إلى قسمين، وعلى هذا الأساس، على أساس موضوع السلام والحرب بتبان أهمية عدم الانحياز. ترتبط أيضا بمشكلة التنمية. التنمية إن إحنا ننتقل من بلد متخلف إلى بلد نامى. الدول الكبيرة، الدول الغنية بيزيد دخلها القومى كل سنة أكثر من زيادة الدول النامية. معنى هذا إن الثغرة ستتسع. عدم الانحياز معناه إن إحنا نستطيع فى التنمية إن إحنا نستعين بكل دول العالم لمساعدتنا فى التنيمية.
عدم الانحياز يرتبط أيضا بمشكلة الاستعمار الجديد والسيطرة السياسية والسيطرة الاقتصادية. ويرتبط أيضا بمشكلة سياسات القوة التى تتبعها الدول الكبرى.
أنا فى الحقيقة ما باشرحش عدم الانحياز ولا هذه المواضيع. أنا باقول إن العمل أصبح معقدًا جدا فى كل ناحية من النواحى سواء كانت الناحية الوطنية أم الناحية القومية أم الناحية الدولية. كل ناحية من النواحى فيها تفاصيل كثيرة.
التفكير العلمى يسهل إيضاح واستيعاب هذه الأمور، والاهتمام بالتفاصيل هو الذى يفرق النظرة العلمية للأمور عن النظرة السطحية لها.
لما بنقول إن إحنا ننظر إلى الأمور نظرة علمية. معنى ذلك إننا نخطط على أساس حقائق ودقائق للمسائل. الحقائق الكلية والتفاصيل الدقيقة فى نفس الوقت.
وعندما أقول إن الحديث مع المثقفين سهل، فهذا هو السبب من نظرتهم الكلية والتفصيلية إلى الأمور.
لسنا أول من يهزم
لما قلت إن عملية التغيير التى جاء بها بيان 30 مارس، ماكانتش ممكنة قبل وقتها، فأنا أعتقد إن المثقفين أول من يستطيع تقدير ما وراء هذا القول من اعتبارات.
ما كانش ممكن قبل 30 مارس إن إحنا نعلن بيان 30 مارس، لما أقول إن إحنا ما كانش نقدر البدء فى عملية التغيير والتصحيح يوم 11 يونيو، أى فى أعقاب هبة الجماهير يوم 9 يونيو ويوم 10 يونيو، أعتقد إن المثقفين بدون انفعال بيفهموا الأسباب والدوافع اللى أنا قلت عليها هذا الكلام.
لما قلت إنه كان ضرورى، كان من الضرورى جدا قبل ما نتحرك على الأرض إن إحنا نخلى الأرض اللى بنتحرك عليها صلبة تتحمل حركتنا ورحبة تتسع لها، أعتقد أن كل واحد بيعمل تقدير موقف بيفهم ليه أنا باقول أو قلت هذا الكلام.
إحنا كان عندنا ثقة كبيرة فى نفسنا ثم صدمنا صدمة كبيرة بالهزيمة العسكرية، والحقيقة إن إحنا مش أول الناس ولا آخر الناس اللى قابلوا أو حيقابلوا هزيمة عسكرية، نقرا التاريخ حصلت هزائم عسكرية كثيرة، لكن إحنا عايزين ناخد الدروس والعبر علشان نمشى فى الطريق السليم والطريق الصحيح، ما كانش ممكن فى الفراغ اللى مر بينا إن إحنا نعمل التغيير. الحقيقية أنا يمكن كنت أصور نفسى فى هذا الوقت بواحد ماشى فى صحرا وحواليه رمال متحركة، ومش عارف إذا كان حايمشى حايغرق وإلا حيلاقى الطريق الصحيح. بعد 11 يونيو.
ضمانات قبل البيان
كان لازم نعمل ضمانات ونحقق هذه الضمانات قبل ما نتكلم على بيان 30 مارس. كان لازم إعادة بناء القوات المسلحة، وكان لازم تحقيق إمكانية الصمود الاقتصادى، وكان لازم تصفية مراكز القوة، وكان لازم إجراء المحاكمات العلنية تعبيرا عن إصرار الثورة على تطهير نفسها، كان لازم نستكشف إمكانيات العمل السياسى فى المجالات المتعددة العربية والدولية. ولما باقول هذا الكلام باعتقد إن المثقفين أول من يستطيع أن يفهم ما وراء هذا القول من اعتبارات.
بعد الزلزال لا يستطيع أى مهندس أن يبدأ فى وضع مشروع بناء على الأرض التى تعرضت للزلزال.. لازم يعرف الأرض اللى هايبنى فوقها ولازم يعرف صلابة الأرض إيه اللى عاوزه للبناء، وإيه الإمكانيات المتوفرة لإقامة هذا البناء. عندما أقول إننا انتظرنا فترة يستمر فيها الحوار لكى تتركز وتتبلور محصلة أصيلة له، فمعنى هذا إن كان لازم يمر وقت بعد الصدمة نفوق من الصدمة، ونحسب وضعنا ثم نتحرك بدون انفعال. العمل السياسى خصوصا فى أوقات المصير ليس استجابة لأول صوت يرتفع، وليس انسياقا مع أول انفعال يفجر نفسه. العمل السياسى عمل صعب، خصوصا بالنسبة للظروف اللى مرينا بيها، ابتداء من 5 يونيو. طبعا كل واحد بيتكلم، كل الناس بتتكلم وكل الناس بتتناقش، فيه اللى مش راضى وفيه اللى معارض، وفيه اللى أخد الفرصة ليهاجم الثورة والاشتراكية، وفيه اللى وقف يدافع عن الثورة، ويدافع عن الاشتراكية، كان لازم كقيادة مسئولة نشوف كل الكلام ده. جزء من أرضنا محتل. قواتنا العسكرية عايزين نعيد بناءها، علينا ضغط اقتصادى. أمريكا بتأيد إسرائيل 100%، وتساندها، وبتديها السلاح وبتساندها فى الأمم المتحدة، كان لازم إن إحنا نحسب، وزى ما قلب قبل كده فى المنصورة، أنا كنت باسمع إلى كل الكلام اللى بيتقال. فيه ناس متصورين يمكن إن أنا منعزل، إخواننا الطلب، جرايد الحائط التى أنتم بتحطوها أنا باقراها.
برقية اتحاد الطلبة
الكلام اللى بيتقال فى كل حتة بشوفه، دى مسئوليتى لازم أعرف كل نبضة وماحستش أبدا برضه أقول لإخواننا الطلبة إن أنا هخاف منهم.. هخاف منهم ليه!! مافيش سبب أبدا يخلينى أخاف. يو ما أخاف أبقى فقدت شىء يا إما أكون فقدت ثوريتى، بحيث إن أنا أصدم أو يبقوا الطلبة أعتبرهم فئة معادية، وبهذا يبقى الواحد خلص دوره. والواحد كان طالب أيضا، وكنت طالب هنا فى الجامعة سنة 36، وكنت باتظاهر زيكم سنة 36، ويمكن اتحبست، يمكن كلكم ما اتحبستوش، اتحبس عدد قليل منكم.
فكل واحد ليه الحق إنه ينفعل، طبيعتنا إن إحنا ننفعل، أنا لم شفت البرقية النهاردة بتاعة اتحاد الطلبة وعاوزين يتكلموا وقلت يتكلموا.. كان فى الحقيقة رأى بيقول إن هذا الاجتماع مش اجتماع للطلبة.. اجتماع للمثقفين وفيه نقابات للطلبة.. يبقى كل واحد هيتكلم، لكن أنا حسيت كده من البرقية إن فيه إلحاح على الكلام فقلت يتكلموا، اللى أنا بدى أقوله إن فيه تلاقى.. فيه ثورية تجمع بين القيادية وبين الجماهير فى أوقات المصير اللى إحنا فيها فى أوقات المحنة، فى أوقات الأزمة اللى إحنا فيها، لازم نسمع لكل الكلام، أنا ياقول لكم أنا كنت باسمع الحقيقة، أنتوا والناس كلها كل واحد بيتكلم سهل قوى الكلام.. سهل قوى فى أى كلية من الكليات نجمع 500 طالب أو 700 طالب، وده يقول كلمتين حماسيتين، والآخر يقول إلى آخره.. وبعدين صعب على اللى هياخد القرار إنه ياخد القرار سهل.. سهل إن الواحد يكتب مقالة. صعب قوى إن الواحد يقود، خصوصا إذا أراد لبلده إنها تكون بلد مستقلة، فى الوقت اللى فيه سياسات القوى والاستعمار الجديد والضغط السياسى والضغط الاقتصادى ومحاولات الإخضاع. سهل إن الواحد ينفعل.. صعب إن الواحد ياخد قرار نتيجة أى انفعال.
ليس بالانفعال
العمل السياسى عملية حسابية، وأيضا عملية معقدة، بعد إعلان بيان 30 مارس وإعلانه للاستفتاء الشعبى العام، ناس كتير قالوا ليه الاستفتاء؟ يمكن مش كتير، وناس قالوا طب ليه الاستفتاء على الجزء الأول من البيان.. الجزء الخاص باستمرار المعركة.. والجزء الخاص بتحرير الأرض، هذا موضوع عليه خلاف حتى يحصل استفتاء عليه، أعتقد المثقفين يستطيعون فهم ما كتب، كذلك فهم الحكمة فى النص فى البيان على الاستفتاء. المثقفين يعرفون أن المعركة معركة التحرير ليست مسألة سهلة. كل واحد بيفكر تفكير علمى يعرف أن المعركة طويلة، المعركة مريرة. محنش هنقدر نطلع اليهود فى يوم وليلة. مش حنقدر نحرر الأرض اللى احتلت بسرعة.. انفعالا يمكن فيه واحد فينا بيفكر، كل واحد فينا بينام بالليل بيحلم إزاى.. إزاى اليهود موجودين على بعد 100 كيلو من القاهرة.. طبعا دخلنا معركة يوم 5 يونية وخلال سنين بنينا القوات المسلحة وحصلنا على أسلحة، وفى أربع أيام كل شىء ضاع وخسرنا المعركة العسكرية، وفقدنا جزءا كبيرا أكثر من 80% من معداتنا. وابتدينا بعد كده إن إحنا نبنى قواتنا المسلحة ونعرف إيه العيوب اللى كانت موجودة وناخد الدروس ونتسلح وندرب ونبنى وحدات جديدة ونستعد لتحرير الأرض. مش هنقدر نبنى وحدات جديدة، ونستعد لتحرير الأرض. مش هنقدر نبنى وحدات جديدة فى يوم وليلة. مش هنقدر نتدرب على الأسلحة اللى حصلنا عليه فى يوم وليلة. مش هنقدر نبنى وحدات جديدة ونطلع ضباط جداد ونجهز طيارين جداد فى يوم وليلة.