Close ad

وقائع مأساة "سفر برلك" بين الرواية العربية والتركية في الحرب العظمى | صور

25-7-2021 | 16:01
وقائع مأساة  سفر برلك  بين الرواية العربية والتركية في الحرب العظمى | صورإحدى كتائب الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى
محمود الدسوقي

حين يتوارد إلى الأسماع كلمة "سفر برلك" فإن أول ما يخطر على ذهن البعض، هو الفيلم العنائى الشهير الذى قامت ببطولته جارة القمر فيروز بصحبة الرحابنة وموسيقاهم الصادرة من عمق جبل لبنان وإخراج شيخ المخرجين هنرى بركات، لكن "سفر برلك" بالتركية تعنى النفير إلى الحرب قسرا وقهرا خلال الحرب العالمية الأولى، وهذا ما كشفت عنه رسالة جامعية تعتبر الأولى على مستوى الوطن العربي في الرواية الأدبية، كشفت الباحثة الدكتوره هيام يوسف أحمد مدرس اللغة التركية بجامعة جنوب الوادي بقنا، عن صورة الحرب العالمية الأولى في الرواية العربية والتركية.

موضوعات مقترحة

اكتوت مصر، وسوريا، ولبنان، والعراق، ودول الشمال الإفريقي بويلات الحرب العالمية الأولى، تلك الحرب التى خلفت 10 ملايين من القتلى، وأدت لتفشي المجاعات والأوبئة والفقر الشديد، وتركت تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة. 

لقد نشبت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليو عام 1914م، عقب اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند وزوجته في زيارة لعاصمة البوسنة والهرسك سراييفو، وانقسم العالم إلى قسمين قوات الحلفاء والمحور التى انضمت لها الدولة العثمانية، وقد كان من نتائج الحرب العظمى التى انتهت عام 1918م، سقوط الدولة العثمانية، وتقسيم البلاد العربية وإخضاعها للدول الاستعمارية بما يُعرف باتفاقية "سايكس بيكو"، ووضعت سوريا ولبنان والموصل تحت الاستعمار الفرنسي وضعت الأردن وفلسطين والعراق تحت الاستعمار البريطاني، أما مصر فقد قامت بريطانيا بوضع الحماية عليها، وتم جلب مئات الفلاحين قسرا وقهرا للمشاركة على جبهات القتال على الجبهات الأوربية.

أكدت هيام يوسف في دراستها، أن الحرب العظمى خلفت خسائر بشرية واقتصادية ،تمثلت في كثرة القتلى، ووقعت الدول الأوربية في أزمة مالية حادة، أدت إلى اقتراضها من أمريكا، وقامت تركيا والدول الأوربية باستنزاف الدول العربية، وأعلنت تركيا النفير أو ما يعرف بـ"سفر برلك"  وأخذ الشباب العربي قسرا وقهرا لجبهات القتال، وكانت الجبهات الرئيسية للحرب العالمية الأولى التى خاضتها تركيا هي جبهة القوقاز، وجبهة الموصل، وجبهة الدردنيل، وجبهة سيناء، وقد كان دخول تركيا في الحرب يرمى لقطع طرق المواصلات بين روسيا وحلفائها، وتعذر تقديم مساعدات للروس من سلاح ومؤن، وقد تعرضت للخطر عدة مرافق مهمة في الوطن العربي والشرق الأوسط، منها قناة السويس، وحقول نفط إيران؛ ما أدى لقيام بريطانيا بإنزال قواتها فى البصرة واحتلالها المدينة، وتم الإعلان لوقوع مصر تحت الحماية البريطانية في بداية الحرب.

رفع السلطان العثماني كعادة العثمانيين الأتراك في كل عصر، شعار الجهاد لجذب العرب للدخول في الحرب العالمية الأولى، وبالفعل استجاب بعض العرب، وتوضح الرسالة الجامعية أن بعض العرب رفضوا الانصياع للأوامر التركية، رفضا لسياسة التتريك التى اتخذتها الدولة العثمانية للدول العربية فى سوريا ولبنان والعراق، وفى ذات الوقت نشبت ثورة الشريف حسين حيث أعلن الثورة في 5 يونيو 1916م، ووقف القوميين العرب بجانب الحلفاء لتحقيق هدفهم القومي من التحرر من الاستعمار التركي، وفى ذات الوقت بقيت غالبية من العرب على ولائها للأتراك.

 أما من ناحية الاجتماعية فقد تزايد عدد العاطلين عن العمل وانتشرت الدعارة ،وخرجت المرأة مجبورة للعمل وانتشرت العصابات والجريمة، ومن النتائج السياسية هزيمة ألمانيا، وتحمل تركيا عواقب الهزيمة واحتلال اسطنبول، وأصبح السلطان العثماني دمية في أيدي قوات الحلفاء، وقد نتج عنها تغير خريطة أوربا كاملة، وكذلك تغير خريطة الوطن العربي.

وتؤكد الباحثة هيام يوسف، أن الحرب العالمية الأولى تزامنت مع بواكير نشأة الرواية العربية، وكانت الرواية المصرية حديثة النشأة رغم تعثرها، وكانت تنتمي إلى الاتجاه القومي، أما الرواية التركية فكانت متأثرة آنذاك بمثيلاتها الأوروبية، وقد فاقت الرواية التركية في تقنيتها الرواية العربية، مؤكدة أنه ليست ثمة رواية تناولت أحداثها الحرب العالمية الأولى متزامنة مع أحداثها ووقائعها وعصرها فأغلبها تم نشره منتصف القرن العشرين، وبعضها مع بدايات القرن الواحد والعشرين، و لم يكن للحرب العظمى حضور واضح على الرواية المصرية، ربما لأن الرواية العربية لم تكن نضجت بعد، أما الرواية التركية فقد استحوذت الحرب العظمى على نصيب الأسد.

وقد انشغل الأتراك بالفخر في انتصاراتهم التى حققوها في موقعة "جناق قلعة"، فأغلب الروايات التركة ركزت على هذه الموقعة حتى الروايات التى كتبت عام 1970م.

اعتمدت الدراسة التى تمت مناقشتها في جامعة سوهاج ،علي خمس روايات عربية من مصر والعراق وسوريا ولبنان، وأربع روايات تركية من أجل توضيح صورة تلك الحرب بين الأدبين العربي والتركي، والمقارنة والوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بينهما؛ كما عرجت الباحثة لعدد من الروايات العالمية والعربية التى تناولت الحرب سواء التى ظهرت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أو في وقتنا الحالي، حيث تعدت الروايات التى تحدثت عن الحرب العظمى في جميع دول العالم، فالروائي الأمريكي دالتون ترامبو يؤلف رواية "جونى يحمل السلاح" عام 1938م، وتدور أحداث الرواية عن جندي تعرض لقذيفة أفقدته أطرافه وعينيه وفمه، لكن رأسه مازالت تعمل، وأصبح سجينا داخل جسده، ومن الروايات العالمية أيضا "كل شىء هادئ على الميدان الغربي" للألماني أريك ماريا ريماك، ورواية "وداعا للسلاح " للروائي الكبير أرنست همنجواى، والتي أصدرها عام 1929م.

وتقول هيام يوسف، إنه الحرب رافقتها ويلات ومآسي في بلاد الشام وبالأخص لبنان ،ومنها المجاعة المعروفة "سفر برلك"، وهى تعنى التعبئة العسكرية للحرب أو النفير، وهو فرمان أصدره السلطان العثمانى فى الحرب العالمية الأولى ينص على التجنيد كل من فوق السادسة عشر لمن يعيش على أراضي الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، حيث ألزم الأفراد على تقديم أنفسهم للخدمة العسكرية، وهنا حدثت كوارث لا ينساها التاريخ، ويذكر أحد شهود العيان أنه حين أعلنت الحرب العالمية الأولى جردت الدولة العثمانية جيشًا عراقيًا مكونًا من 20 ألف جندي من لواء بغداد، وقضاء الكاظمية، وقضاء سامراء، وبعض الأقضية التابعة لبغداد، وقضاء لواء ديالى، وسفرتهم إلى تركيا وعلى سفوح جبل القفاس المتاخمة للحدود التركية الروسية اشتد البرد وانهالت القطع الكبيرة على الثلوج وعلى مخيمات الجنود العراقيين فدفنتهم تحت الركام فماتوا إلا قليلا، والقليل الذي نجا فر من هول الكارثة، ووقع أسيرا في قبضة القوات الروسية، وعلى أثر ذلك تجمدت بحيرة وان، وصدرت أوامر أحد القادة الأتراك، وتحت أمرته الكثير من الشباب العربى فأمرهم بالسير على البحيرة المتجمدة " وان" ظنا منهم أنها تحملهم مع عتادهم وخيولهم لأنها متجلدة صلبة، فلما اجتازوا وأوغلوا في منتصفها انفرجت وغاص الجيش تحتها بما فيه من رجال وسلاح وعتاد وخيول وقد ماتوا غرقا، والذين كانوا يسيرون خلفهم حين رأوهم أخذهم هول الصدمة والفزع، فهاموا على وجوهم تيها فماتوا من شد البرد والجوع والتعب، وتفشت بعدها الأوبئة، ولم ينج من الحملة التى قوامها 20 ألف عراقي إلا حوالي المائة أو المائتين، بدورهم اعتبر العرب الحرب العالمية الأولى مثل الطاعون عقابا لهم على ذنوبهم.

 تحدثت الرسالة عن روايات بين القصرين لنجيب محفوظ، ورواية الرغيف لتوفيق يوسف عواد المولود عام 1911م في لبنان وهو روائي وصحفي ودبلوماسي، حيث صدرت عام 1939م، وهى أولى الروايات التى تحدثت عن الحرب، فقد عاصرها الروائي وكان عمره 4 سنوات، حيث تحدثت الرواية عن معاناة أهل سوريا، وأهل لبنان من أهوال الحرب والجوع، وكيف تمرد الشباب السوري واللبناني على الحكم التركي، فقام جمال باشا الحاكم العثماني للأراضي الشامية بنصب المشانق للأهالي ، وقد ترك توفيق يوسف عواد الذي توفى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية الكثير من الأعمال الأدبية منها "طواحين بيروت" التى اختارتها اليونيسكو ضمن الأكثر شهرة وتأثيرا للكتاب في عصرهم.

 كما تناولت الدراسة رواية "المصابيح الزرق"،  وهى رواية صغيرة الحجم لمحمود تيمور التى تناولت الحياة في الإسكندرية أثناء الحرب العظمى، بالإضافة لرواية" مدارات الرق والأشرعة" للروائي السوري نبيل سليمان، حيث تتحدث الرواية عن العائدين من "السفر برلك" في دمشق.

كما تناولت الدراسة الجامعية شخصيات مواطنة تأثروا بالحرب العالمية الأولى اجتماعيًا واقتصاديًا بين الرواية العربية والرواية التركية كشخصيات الطبقة الأرستقراطية، وشخصيات الطبقة البرجوازية، وأغنياء الحرب العالمية الأولى، وشخصيات الطبقة الفقيرة، وكذلك شخصيات المحاربين في الحرب العالمية الأولى والمستعمر ثم الشخصيات التي قادت الحرب العالمية الأولى.

تمت مناقشة الرسالة التى حازت عليها الباحثة على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف فئ جامعة سوهاج، تحت أشراف الدكتور أحمد جمال السيد موسى أستاذ اللغة التركية وآدابها كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر بالقاهرة، والدكتور أحمد يوسف خليفة أستاذ الأدب العربي المتفرغ كلية الآداب بسوهاج، والدكتور صبري توفيق همام أستاذ اللغة والتركية وآدابها كلية الألسن بسوهاج.


جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه  جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه

جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه  جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه

جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه  جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه

جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه  جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه

جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه  جانب من مناقشة رسالة الدكتوراه
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: