فوز الفيلم المصري "ريش" للمخرج عمر الزهيري بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في الدورة الـ74 لمهرجان "كان" السينمائي، يعد الإنجاز الأكثر أهمية للسينما المصرية خلال هذا العام، بل وفي سنوات سابقة، هو ليس فيلما للنجوم، أو يقوم بطولته ممثل محترف، لكنه تجربة سينمائية لها خصوصيتها، نتاج تعاون بين فرنسا، مصر، هولندا واليونان، ودعم من جهات دولية عديدة خلال مراحل إنتاجه.
لم أشاهد الفيلم، فهو لم يعرض تجاريا بعد في مصر، لكن لاقى حفاوة كبيرة في أثناء عرضه بمهرجان كان وبحضور مخرجه، ومنتجه محمد حفظي، وعرض برومو تشويقي له، يكشف فيه صناعه عن بعض من محتواه، قصة أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة روتينية داخل جدران بيتها المتواضع، ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، فتضطر الأم للقيام بكل مهام الأسرة.
الحفاوة التي قوبل بها الفيلم، وترديد اسم مصر في أكبر مهرجان سينمائي في العالم، في حد ذاته حدث خاص، تحتاجه السينما المصرية، برغم إن الفيلم لم يكتب عنه قبل عرضه كثيرا، ولم يقم صناعه بالدعاية لأنفسهم على السوشيال ميديا، أو إنشاء صفحات يمجدون فيها بما قاموا به، كغيرهم من ممثلين يظهرون فقط كضيوف شرف وتجرى معهم اللقاءات، وتنشر لهم الصور من المشهد الواحد، كأنهم نجوم الشباك.
عمر الزهيري خريج معهد السينما، عمل مساعد مخرج مع أهم المخرجين المصريين مثل يوسف شاهين ويسري نصر الله، أخرج فيلمه القصير الأول زفير (2011) وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
في 2014، قدم فيلمه القصير الثاني ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375، وهو أول فيلم مصري يتم اختياره من قبل مؤسسة سيني فونداسيون في مهرجان كان السينمائي، ويعد فيلم "ريش" هو أول أفلامه الروائية الطويلة.
المفارقات التي ينجح في صنعها بعض المخرجين المصريين الواعدين بما يحققونه من نجاحات على مستوى المهرجانات، وما يحدث في سوق الفيلم المصري تجاريا يؤكد أن هناك خطأ في منظومة هذه السينما، فرغم نجاحات عدد كبير من المخرجين الجدد في كبريات المهرجانات العالمية يظل كل منهم واقفا عند النقطة التي تحرك منها وحقق فيها نجاحات كبيرة، وقد لا يحقق فيلمًا ثانيًا، ولأنه يظل متمسك بأفكار درسها وتربي عليها، قد لا يجد طريقا إلى الشهرة التجارية، مكتفيا بتواجده في المهرجانات، وهو ما حدث لكثيرين، ونتمنى أن تفكر شركات الإنتاج المصرية كثيرا وأن تضع مثل عمر الزهيري على قائمة اهتماماتها، فبدلا من أن يعاني المخرج بحثا عن الدعم والمنتج الأجنبي الذي يؤمن بمشروعه تؤمن به شركات إنتاج بلده، فهو وقد أسهم في رفع اسمها بين نجوم وصناع سينما العالم، من حقه على منتجي بلده أن يمنحوه فرصة في أن يقدم السينما التي يحبها، ومن المؤكد أن فيلم مثل " ريش"، وهو كما علمت من بعض ما نشر عن الفيلم، إنه عمل يمزج فيه مخرجه بين الواقعية والفانتازيا، إذ يقدم الواقع البسيط لحياة أسرة عادية، وعالم السحر والشعوذة حيث يتحول الأب إلى دجاجة، عندما يخطئ الساحر، وهو رمز لما يحدث للأب المطحون عندما يفشل في تحقيق أحلام الأسرة، يتحول إلى طير فاقد الجناحين ضعيف.
فيلم "ريش" عمل فني ينقلنا إلى مرحلة أخرى من التفكير في سينما من نوع خاص، ليست سينما يسعى صناعها فقط للربح، وحتى الربح لم يعد مضمونا، أحد الأفلام المصرية تم رفعه من دور العرض، لم يحقق حتى ألف جنيه مصري، برعم أن أجر بطلته تجاوز الثلاثة ملايين جنيه، هذه هي المفارقات التي نتمنى أن نلتفت إليها، وتلتفت إليها شركات الإنتاج في مصر.