تنص المادة 21 من الدستور على أن (تكفل الدولة استقلال الجامعات)، هذا نص صريح واضح وضوح الشمس في رائعة النهار، لا يحتاج إلى شرح أو تفسير أو تأويل أو تخمين لمعاني كلماته وحروفه؛ فالدستور هو أسمى التشريعات الوضعية وأعلاها شأنًا، وهو المرجع الأساسي لكافة التشريعات الأخرى: القانون والقرار واللائحة.
هذه مقدمة كان لابد منها، ونحن نتناول قرارًا غريبًا أصدره المجلس الأعلى للجامعات، وفرضه على الجامعات الحكومية فرضًا، دون مناقشة، ودون معرفة رأي القاعدة العريضة من أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
هذا القرار يتعلق بالكتاب الجامعي؛ فقد رأى المجلس الأعلى، أن الكتاب المطبوع لم يعد له قيمة في عصرنا الحديث! وأن مؤلفات الأساتذة التي سهروا الليالي في تأليفها، أصبحت من الآثار القديمة، ويجب وضعها في المتاحف.. إن وجد لها مكان!!
ليست هذه الكلمات من قبيل الدعابة، بل هي حقيقة مؤلمة أصابت معظم أساتذة الجامعات بحالة من الذهول، إذ كيف يمكن إهمال مؤلفاتهم المطبوعة وتحويلها، كما يطالب المجلس الأعلى، بأن تصبح إلكترونية؟!
وقد لا يعلم بعض أعضاء المجلس الأعلى للجامعات - الذين وافقوا على هذا القرار المتسرع وغير المدروس - أن هناك آلاف الطلاب ينتمون لأسر فقيرة ولا يملكون رفاهية الواي فاي والتابلت، الذي فشلت تجربته في امتحانات الثانوية العامة هذا العام، مما دعا وزير التعليم د. طارق شوقي للتأكيد أن الامتحانات ورقية، وأنه لن يستخدم التابلت في الامتحانات.
وهكذا أصبح أبناؤنا الطلاب في جميع مراحل التعليم حقل تجارب، ولا يعترف المسئولون عن التعليم بشقيه: العام والجامعي، بأن مصر لا تزال دولة نامية، وأن المدارس والجامعات لا تملك البنية الأساسية للتعليم الإلكتروني.
ثم إنه من المنطقي أن يتم التدرج في تطبيق القرارات، فكان من الضروري استطلاع آراء أساتذة الجامعات والطلاب فيما إذا كان تحويل الكتب المطبوعة - وعددها يقدر بالمئات - إلى كتب إلكترونية، هذا أمر كان لابد أن يحدث، بل إن المجلس الأعلى، لم يحترم المادة 21 من الدستور التي تنص على استقلال الجامعات، وكان من الأفضل لحسن سير العملية التعليمية، أن يتم إرسال القرار إلى الجامعات وتخييرها بين استخدام الكتب المطبوعة أو الإلكترونية، بل يجب على إدارة كل جامعة أن تترك لكل كلية اختيار الأنسب لها، وأن يتاح لكل مجلس قسم استطلاع آراء أعضاء هيئة التدريس داخل القسم، بل والطلاب أيضًا، فما يصلح لقسم داخل كلية الطب قد لا يصلح لقسم في كلية الآداب أو الزراعة أو التجارة أو الحقوق.
في الدول المتحضرة المتقدمة يتم احترام مبدأ استقلال الجامعات، ونحن والحمد لله نعيش في بلد ديمقراطي ينص دستوره على هذا الاستقلال، ومن واجبنا جميعًا احترام الدستور، وإلا فإن مواده تصبح حبرًا على ورق!