تكتسب قضايا البيئة، كل يوم، اهتمامًا تتسع دائرة متجاوزة الأنهار والبحار، بل والقارات والمحيطات، ويتزايد هذا الاهتمام مع ارتفاع مستوى المخاطر الناتجة عن فعل الطبيعة للبيئة، أو بفعل وتدخل الإنسان، وساهمت شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" في نمو هذا الاهتمام بكشف المخاطر البيئية وأنواعها وأحجامها، فقدمت المعلومات الكثيفة حول الكوارث الطبيعية والصحية، بكل أشكال العرض والتحقق، وهي متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى..
والمخاطر الناتجة عن تدخل البشر في الطبيعة من الصعب حصرها، وهي تغيرات سلبيىة في الغالب، ولكن أقربها لنا خطرًا، وأيضًا للقرب الجغرافي، هو القنبلة المائية المعروفة باسم "سد النهضة الإثيوبي"، يضاف إليها حاملة النفط المتهالكة والراسية غربي اليمن عند باب المندب والمعروفة باسم "صافر"..
مخاطر هذا السد تتجسد في الكارثة المباشرة على الإنسان والبيئة في كل من مصر والسودان، وهي مخاطر مذهلة، يقدرها خبراء السدود والموارد المائية بأن نحو 120 مليون شخص في الدولتين معرضين للهلاك في حال انهيار السد، الذي صمم على تخزين 17 مليار متر مكعب من المياه، ثم ارتفع هذا الرقم ليصل حجم المياه التي يختزنها السد إلى 75 مليار متر مكعب، ليتحول إلى قنبلة مائية موقوتة..
يصاحب هذا الدمار المتوقع للبشر، تدهور للزراعة والتراجع المحقق للتنوع البيولوجي في كلا البلدين، وقبل هذا الهلاك تأتي البيئة باعتبارها الخاسر الأكبر بسبب السد، ومن أهم خسائرها، فقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية تُقدَّر بنحو مليوني فدان، وانخفاض الأراضي الزراعية في صعيد مصر بنسبة 29.47%، وفي الدلتا بنسبة 23.03%، تعرض محطات تنقية مياه الشرب للتوقف، وتدهور نوعية المياه في الترع والمصارف بسبب تراجع غسيل مجرى النهر، وتداخل مياه البحر في أراضي شماليّ الدلتا، وارتفاع تكلفة التحلية، وزيادة الفجوة الغذائية إلى نحو 10 مليارات دولار في الوقت الراهن..
أما ما يتعلق بالتغييرات المناخية، في ظل ارتفاع درجة الحرارة، هناك تغيير في توزيع الأمطار، وارتفاع منسوب سطح البحر، وهذا يستدعي إعادة توطين المواطنين وبالتالي تغيير أنشطتهم، وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع عمليات وخطط التنوع البيولوجي.
حتى إذا لم يتعرض السد للانهيار، فإن تأثيره السلبي في إحداث حالة من القحط المائي لمصر وهو ما ينتج عنه هبوط متوسط نصيب الفرد من المياه دون خط الفقر المائي 1000 م3، إلى 350 م3، بحلول عام 2050، فضلا عن الزيادة السكانية المستمرة..
وفي السودان فإن المخاطر المباشرة تتمثل في التغيرات المناخية وتعرض مئات القرى والمدن إلى الاجتياح بسبب مياه السد، وهلاك حوالي 20 ليوم مواطن، خاصة أن السودان ليس لديه بحيرات لتصريف المياه الزائدة إذا تعرض السد للانهيار..
أما القنبلة البيئية الثانية فهي ليست بعيدة جغرافيًا عن القنبلة المائية، وهي قنبلة نفطية، تتمثل في السفينة حاملة النفط اليابانية "صافر" المتهالكة بلا صيانة والمتوقفة غرب ميناءٍ الحديدة اليمني وفي جوفها أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط، وتوقفها منذ حوالي 5 سنوات بسبب الحرب في اليمن والصراع الإقليمي العالمي هناك..
فالسياسة ومحاولات الضغط والابتزاز تحول دون إيجاد حلول للسفينة التي تتعرض للصدأ، وتتعرض حمولتها من النفط إلى تغير في مكوناتها وتفاعلاتها الكيميائية..
فقد أكدت الأمم المتحدة، أن ميليشيا الحوثي ترفض السماح بوصول خبرائها لتقييم وضع خزان النفط بالسفينة، والحوثيون يتهمون الأمم المتحدة بالتراجع عن تنفيذ الاتفاق بشأن تقييم وصيانة السفينة، أما مجلس الأمن، فقد دعا الحوثيين إلى السماح بتفقد الناقلة..
وكان الحوثيون يطالبون بملايين الدولارات مقابل النفط المخزن في الناقلة، إلا أن الأمم المتحدة تحاول التوصل إلى ترتيب لاستخدام تلك الأموال لدفع أجور العمال والموظفين في موانئ البحر الأحمر اليمنية..
مصادر إعلامية، أظهرت أن مياه البحر دخلت إلى حجرة محرك الناقلة، التي لم تتم صيانتها، ما تسبب في تلف الأنابيب، وكشفت أن الصدأ غطى أجزاء من الناقلة، وأدى إلى تسرب الغاز الخامل الذي يمنع الخزانات من تجميع الغازات القابلة للاشتعال، وتزايد احتمالات خطر الغرق، ويرى خبراء إن صيانة السفينة لم تعد ممكنة لأن التلف لا يمكن إصلاحه.. وفي النهاية فإن السفينة المنكوبة أصبحت وسيلة للتفاوض وعنصرًا للصراع، والخاسر الأكبر هو البيئة والأحياء المائية..
مخاطر التلوث بسبب نفط الناقلة ليست بعيدة عن قناة السويس، لأن تأثيرات النفط من الصعب محاصرتها، كما أن البيئة في البحر الأحمر ستتغير تمامًا لتفقد مصادرها الطبيعية في المياه والأحياء المائية، والحياة النباتية والحيوانية، وكذلك خسائر الشعاب المرجانية وتدهورها بسبب سحابة النفط على سطح مياه البحر والتي تمنع عنها الضوء وهو مصدر نموها، وبالتالي تعرضها للفناء.. والمعروف أن نمو الشعاب المرجانية سنتيمترًا واحدًا يستغرق أكثر من 10 سنوات..
وكما أن السياسة عنصر حاضر للنشاط الإنساني، أصبحت البيئة هي حالة التماس مع كل عمل يقوم به الإنسان أو تحدثه الطبيعة، وهي دائمًا الضحية بسبب الأخطاء البشرية، وننبه إلى مخاطر هذه القنابل البيئية، وهي ألغام وقنابل موقوتة، لا نعلم متى تنفجر، يتطلب الأمر سرعة التصرف، ودرء المخاطر قبل أن يأتي طرف ثالث "مستفيد"، بعيدًا عن طرفي الصراع، ليفجر هذه القنابل الموقوتة لحدوث الفوضى وتسود الكوارث من حولنا، وهذا ليس بعيدًا عن أهل الشر وهم كثر..
[email protected]