لم ولن يتوقف الصراع بين الإنسان والأمراض المختلفة ولو للحظة واحدة، لكن الصراع مع السرطان يعد الأصعب في مواجهته، إذ تسبب هذا المرض في وفاة 9.6 ملايين شخص في عام 2018، وهو ما يمثِّل سدس أسباب الوفيات في العالم، بينما أدَّى إلى وفاة عشرة ملايين شخص في عام 2020، طبقًا لما ذكرته منظمة الصحة العالمية.
موضوعات مقترحة
الشيء المذهل هو توصل العلماء إلى خلايا تائية يمكنها التعرف إلى أغلب أنواع الخلايا السرطانية وقتلها، دون إحداث ضرر بالخلايا السليمة.
وعلى مدار يومين شهدت القاهرة المؤتمر الدولي الأول للأورام عبر تقنية الفيديو كونڨرانس، والذي عقد بالتعاون مع المدرسة الدولية لعلم الأورام الإكلينيكي وبالتعاون مع نخبة من الخبراء الدوليين والمحليين وكبار أساتذة الأورام المصريين بمشاركة 600 طبيب من مختلف التخصصات المتصلة بعلاج وجراحة الأورام حول العالم.
الدكتور تامر النحاس أستاذ علاج الأورام بجامعة القاهرة قال: إن علاج الأورام خصوصًا أورام الثدي والكبد والبنكرياس والقولون والرئة والمثانة وغيرها من الأورام شهدت تطورًا مذهلًا رغم التحديات الموجودة في النظام الطبي العالمي لمواجهة ڨيروس كورونا.
وقال:إنه عُرِضَ في المؤتمر أهم الأبحاث العالمية والتي تضمنت أهم 21 بحثًا عالميًّا فى علاج مختلف أنواع الأورام خلال عشر جلسات علمية للحديث حول الجديد في طب الأورام.
وفي أورام الثدي بين التطور الذي شمله مجال التشخيص والكشف المبكر الذي أسهم في نسب الشفاء بنسب عالية، بالإضافة إلى وجود علاجات مهمة مثل العلاج الموجه والعلاج الهرموني.
وقال: إن اكتشاف المرض مبكرًا يكون علاجه بسيطًا ونسبة شفائه أكبر بعكس الانتشاري، فعلاجه معقد ومكلف، مشيرًا إلى أنه فى حالة الاكتشاف المبكر يسهل السيطرة عليه، لأنه من النادر أن تكون الإصابة بالسرطان الانتشارى من البداية، ومع التقدم فى الأبحاث أصبحت هناك فرص للتعايش مع المرض فترة أطول، كما أنه يختلف من شخص إلى آخر بما فى ذلك طرق العلاج والنتائج المصاحبة للمرض.
وتابع قائلًا: إن الأمل كبير فى ظل تطور البحث العلمى والأدوية المناعية وأجهزة الفحص التي تطورت بصورة كبيرة في العالم، وهناك بدائل كثيرة للعلاج مثل استخدام العلاجات الموجهة أو الهرمونية لتفادى الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي، كذلك الرعاية الاجتماعية والدعم النفسى مهمان، كالتحدث مع المقربين حول المرض وعدم إخفائه، فذلك مصدر راحة كبير واطمئنان للمريض.
وأشار إلى مناقشة التطورات العلمية في سرطان البنكرياس خصوصًا في المراحل الأولى والمتأخرة وأورام النساء، فقد أضيف العلاج المناعي في أورام الرحم والعلاج الچيني في أورام المبيض، وأصبحنا نتكلم عن نسب علاج مرتفعة في أورام المبيض المتقدم، وبالنسبة لأورام البروستاتا فقد أضيف العلاج الموجه بعد العلاج الهرموني بجانب اعتماد العلاج المناعي خطة في علاج أورام الكلى المتقدمة بجانب العلاجات المناعية والموجهة الأخرى.
واستطرد قائلًا: في جلسة أورام القولون ناقشنا توظيف العلاجات الحديثة وفقا لجائحة كورونا، وفي جلسة أورام المعدة ناقش المشاركون أهمية العلاج المناعي كخط أول في العلاج ودوره الكبير في تغيير خريطة العلاج وتحقيق نسب شفاء عالية.
وعن الجديد، قال: إن العلماء اكتشفوا نوعًا من الخلايا المناعية التائية القاتلة التي تملك نوعًا جديدًا من المستقبلات، يمكنه التعرف إلى أغلب أنواع الخلايا السرطانية وقتلها، دون إحداث ضرر بالخلايا السليمة، ما يفتح آفاقًا جديدة لعلاج العديد من أنواع السرطان.
وتُعد علاجات الخلايا التائية المضادة للسرطان، والتي تشمل إزالة الخلايا المناعية وتعديلها وإعادتها إلى دم المريض للبحث عن الخلايا السرطانية وتدميرها، أحدث نموذج في علاجات السرطانات المطورة.
ويُعرف النوع الأكثر استخدامًا على نطاق واسع وهو مخصص لكل مريض، ولكنه يستهدف عددًا محدودًا من أنواع السرطان، ولم ينجح في علاج الأورام الصلبة التي تشكل غالبية أنواع السرطان؛ إذ تقوم الخلايا التائية التقليدية بمسح سطح الخلايا الأخرى، للعثور على ما يبدو شاذا للقضاء على الخلايا السرطانية، مع تجاهُل الخلايا التي تحتوي فقط على البروتينات (الطبيعية)، ويتعرف المسح إلى أجزاء صغيرة من البروتينات الخلوية المرتبطة بجزيئات سطح الخلية، الكريات البيضاء البشرية (ما يسمح للخلايا التائية القاتلة برؤية ما يحدث داخل الخلايا عن طريق مسح سطحها).
ويتعرف النوع الجديد إلى جزيء يسمى MR1 موجود على سطح مجموعة واسعة من الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية، وهو قادر على التمييز بين الخلايا السليمة والسرطانية، إذ يقتل الأخيرة فقط، ما يؤهله إلى أن يكون هدفًا للمزيد من العلاجات المناعية.
أما د. وليد عرفات أستاذ طب الأورام بجامعة عين شمس فأكد أن الباحثين اكتشفوا أن هذا النوع من الخلايا التائية الموجودة في الدم يمكنه التعرف إلى أنواع كثيرة من الخلايا السرطانية وتدميرها ومهاجمة أنواع كثيرة من السرطان، وتقوم فكرة البحث الجديدة على أخذ عينة من دم المريض بالسرطان، ثم تستخرج الخلايا التائية من العينة وتُعدَّل وراثيًّا وتُعاد برمجتها من أجل أن تكتسب المُستقبِل القادر على اكتشاف السرطان، ثم تزرع الخلايا المعدلة بأعداد وافرة في المختبر قبل إعادة حقنها في المريض. وهو علاج مناعي للسرطان يشمل التعديل الچيني لخلايا تي، لتنشيط الجهاز المناعي من أجل التعرف إلى سرطانات معينة وتدميرها، مشيرًا إلى أن المرض الخبيث يصيب أي جزء من أجزاء الجسم بأنواع مختلفة من السرطانات، مثل سرطانات الرئة، والثدي، والقولون والمستقيم، والمعدة، والكبد.
وأوضح أنه توفي ما يقرب من 10 ملايين شخص في 2020، مشيرًا إلى أن الكشف المبكر للأورام هو طوق النجاة أمام المرضى بسبب العلاجات الجديدة المتقدمة وطرق التشخيص الحديثة.
ويشير د. وليد عرفات إلى أن العلاج المناعي يمثل أحد خيارات العلاج الحديثة في علاج السرطان، ولدينا اليوم قائمة طويلة بأنواع السرطان التي يمكن استخدام العلاج المناعي فيها، وبخاصة لدى هؤلاء الذين كانت لديهم خيارات علاجية محدودة أو أصبحت خلايا السرطان لديهم مقاوِمة للخيارات المتاحة حاليًّا. وقد أثبتت الدراسات الإكلينيكية نجاح هذا النوع من العلاج في زيادة مدة بقاء المرضى على قيد الحياة.
تمييز الخلايا السرطانية
بينما أكد د. محمد سعد العشري أستاذ علاج الأورام بكلية طب جامعة المنصورة أن آلية عمل الخلايا التائية التقليدية تقوم على تمييز خلايا الجسم الطبيعية من خلال شفرة متفق عليها، ووفق الأبحاث الجديدة فقد تعرف الباحثون إلى مستقبِل مختلف للخلايا التائية، يمكنه اكتشاف العديد من الخلايا السرطانية من خلال ارتباط البروتينات مع جزيء يشبه مستضدات الخلايا البيضاء البشرية يسمى اختصارًا (MR1)وهو جزيء لا يختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي يمكن أن يكون هدفًا للعديد من العلاجات المناعية.
وكخطوة أولى، جرب الباحثون هذه الخلايا في المعمل. وأثبتت الخلايا التي تحتوي على هذا النوع من المستقبِلات فاعليتها في القضاء على العديد من أنواع السرطان دون المساس بالخلايا الطبيعية، وتمثلت الخطوة التالية في تجربة هذه الخلايا على الفئران، لتثبت فاعليتها مرةً أخرى في حيوانات التجارب.
وفي المرحلة الثالثة، عدَّل الباحثون خلايا تائية من أحد المرضى كي يوجد على سطحها هذا المستقبِل الجديد، وكانت النتائج مثيرةً للاهتمام؛ إذ وجدوا أن هذه الخلايا لم تقتل فقط الخلايا السرطانية لهذا المريض، بل تمكنت أيضًا من التخلص من خلايا مريض آخر في المعمل.
نتائج واعدة
ويقول د. محمد ياسين أستاذ مساعد طب الأورام جامعة الإسكندرية: إنه من غير المعتاد أن نجد مستقبِلًا للخلايا التائية لديه القدرة على التعرف إلى العديد من أنواع خلايا السرطان، فيما مضى لم يكن أحد يعتقد أن هذا ممكن، ولم يكن هناك مَن يعرف بوجود هذا النوع من الخلايا.
وتُعَد تلك الدراسة استمرارًا للدراسات التي تتعامل مع الجزيء الذي حاز قدرًا كبيرًا من الاهتمام خلال الأعوام الأخيرة.
هذه النتائج تبدو واعدةً بشكل مبدئي للمرضي الذين لم يعد لديهم العديد من الخيارات. لكن علينا أن ننتظر نتائج التجارب السريرية والأبحاث التي ستنتج عنها؛ حتى نتأكد بالفعل من فاعليتها وأمان تطبيقها في المرضى.
وأكد أن تثقيف المرضى والأطباء ضرورى للوصول إلى نتائج أفضل لتجنب المرض وتحديد نوع العلاج باختيار المريض، وهو معمول به فى إنجلترا بما يعرف بمفهوم جودة الحياة.