عندما امتلكت الدولٌ الكبرى القوة الاقتصادية والعسكرية سعت للهيمنة على العالم بنشر قيمها وثقافتها على أنها القيم الإنسانية المثلى.
البداية كانت بنشر اللغة لنتحدث لغات لا نفكر بها ثم بنشر ثقافتها لنصبح مستهلكين لما يدفعون به إلى عقولنا وأسواقنا. هكذا تمضي الأمور لتصل إلينا موجات متلاحقة من سلوكيات وأخلاقيات بعيدة تمامًا عن مكونات الشخصية المصرية مثل الدعوات المنتشرة للمطالبة بإصدار تشريعات لمواجهة الاغتصاب الزوجي.. أو حصول المطلقة على نصف ثروة زوجها.. ولا نعلم أى شيء آخر قادم سوف يطل علينا برأسه من بين ستائر السوشيال ميديا.
محاولات التقليد الأعمى والبحث عن الشهرة وركوب الموجة التي تغزو مجتمعنا بإصرار غريب لا يجب التعاطي معها بهذا القدر من التهوين، الموضوع جد خطير.. سرطان يحاول أن يلتهم الشخصية المصرية بخبث شديد وبلا هوادة، يروج لنماذج فردية، وكأنها ظاهرة تستحق أن ينتصر لها المجتمع، لا يهم دين أو قيم وأخلاق.. لا مجال للعقل أو التعقل طالما ساحة العالم الافتراضي مباحة دون حسيب أو حساب.
لن أتحدث عن مشروعية هذه الدعوات الشاذة أو عدم مشروعيتها، فأهل الاختصاص أدرى وأعلم، ولكن ما يجب الانتباه له والتحذير منه هو عدم التصدي بجدية وفكر مستنير لما تتناوله مواقع التواصل الاجتماعي من موضوعات تمزق نسيج المجتمع، خاصة وأن من يحاولون طمس هويتنا وقيمنا، تحت دعاوى الحرية وحقوق الإنسان لا نسمع لهم صوتًا أو نلمح لهم تواجدًا عندما يتعرض الوطن لمحنة أو اختبار وجود، لم ألحظ أو أسمع من أو عن أحد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي دعوة لنقل نظم العمل الجاد أو احترام القانون والحفاظ على منظومة القيم والأخلاق أو دعوة للاحتفاء بإنجاز عالم أو تميز طالب.
لنتذكر كيف سخرت وسائل التواصل الاجتماعي عندنا من صورة اللودر صغير الحجم، بجانب الناقلة العملاقة التى كانت جانحة بمجرى قناة السويس، وقت محاولات تعويمها، بينما فى أوروبا قدموا الصورة نفسها كدليل على التحدي والإصرار حتى النجاح.
لست من أنصار التعامل مع مثل هذه الأمور على أنها مؤامرة، ولكنني أيضًا لست من أنصار التعامل معها على أنها من قبيل المصادفة.
المرور السريع على ما يشهده مجتمعنا من جرائم وسلوكيات غريبة خلال العقدين الماضيين يوضح أننا نفقد كل ما هو جميل ونبيل دون أن ننتبه، تركنا أنصاف الموهوبين والباحثين عن المال والشهرة ليكتبوا قصصًا وسيناريوهات أفلام ومسلسلات تقدم نماذج هدامة وسيئة للبلطجة وتجار المخدرات والخارجين عن القانون، تم تقديم هذه النماذج القبيحة لتصبح قدوة للأطفال والشباب.
أصبح مستقبل الوطن حبيسًا بين فكي مساوئ الشبكة العنكبوتية وأفلام ومسلسلات المقاولات، وسائل التواصل الاجتماعي عندما يساء استخدامها كما يحدث عندنا حاليًا تصبح وسائل تمزيق وهدم اجتماعي، ليس المطلوب تقييدها، ولكن يجب مواجهة ما تبثه من سلبيات بتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية بالشخصية المصرية.
البرلمان ووزارات التربية والتعليم والشباب والثقافة والأوقاف وغيرها من الهيئات والمؤسسات الإعلامية يجب أن تنتبه وتنتفض لتحصين وحماية الأجيال الناشئة من هذا الطوفان المدمر عن طريق برامج تستهدف إعلاء القيم والأخلاق وتقديم نماذج إيجابية لعلماء ومعلمين وصناع ومنتجين ورياضيين ومثقفين وفنانين وأصحاب القدرات الخاصة كقدوة يمكن السير على دروبهم.
المناهج التى تضعها وزارة التربية والتعليم يجب أن تعكس مهمة الوزارة الأولى وهي التربية السليمة عقليًا وبدنيًا التي بناء عليها تجرى العملية التعليمية.
نحتاج إلى إعادة إحياء القيم النبيلة التي كانت تميز الشخصية المصرية وإزالة ما لحق بها من شوائب ليعود لها بريقها الذى كان.
وكيل الهيئة الوطنية للصحافة