سيظل الفضاء بما يحويه من غموض وأسرار وموارد بكر مجال بحث العلماء؛ لذا تتسابق الدول العظمى لتحصل على الريادة فى البحث فى علومه، ومصر تعد أول دولة فى أفريقيا والشرق الأوسط تنشئ برنامجا للفضاء الخارجي عام 1961 بمشروع القاهر والظافر، وبرزت مؤخراً برامج عديدة كان المحرك الفعلى فيها هو وكالة الفضاء المصرية التى أنشئت بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومن هنا تأتي أهمية حوارنا مع د.محمد القوصى الرئيس التنفيذى لوكالة الفضاء المصرية.
موضوعات مقترحة
بداية نود ان نعرف ماهى وكالة الفضاء المصرية وما تاريخها؟
حلم غزو الفضاء فى مصر مر بمراحل عدة ولكننى أعتبر أن إحدى الخطوات الاساسية والهامة حين أطلقنا فى عام 1998 القمر الاول النيل سات الذى مازلنا نستخدمه فى البث التلفزيونى، وفى سنة 2000 تمت الموافقة على انشاء برنامج الفضاء المصرى، وكان ملحقا بالهيئة القومية للاستشعار وعلوم الفضاء، ووكل للبرنامج فى 2001 عمل اول قمر صناعى مصرى للاستشعار وهو ايجيبت سات1، بعدها تم بعث مجموعة متميزة من خيرة العلماء المصريين الى أكورانيا للتدريب والمتابعة فى علوم الفضاء مكونة من 35 مهندسا مصريا وكنت ضمنهم ثم ضمت لهم مجموعة اخرى حتى اصبحنا 54 خبيرا، وهى المجموعة التى عملت بالشراكة مع الجانب الاوكرانى لعمل وإطلاق القمر الصناعي للاستشعار عام 2007 وقد استغرق عمل هذا القمر مدة ثلاث سنوات وعشرة اشهر وحتى عام 2010، ومن هذا العام حتى 2015 اعتبرها فترة موت فضائى اذ لم يكن لمصر اى نشاط فضائى، وفى 2015 كانت هناك نقلة حقيقية واهتمام بالفضاء أدى الى تصنيع اول قمر بامكانات مصرية كان اسمه next sat، أو قمر وطنى تجريبى قام على العمل عليه نفس البعثة المكون من 54 مهندسا حتى وصلنا لاكثر من 180 عالما والذين يعتبرون نواة برنامج الفضاء المصرى، و حتى عام 2018 لم تكن هناك خطة معتمدة من الدولة وانما كانت كلها اجتهادات شخصية من علماء يحبون مجال الفضاء ويسعون لان يكون لمصر برنامج فضائى خاص بها دون الاعتماد على مساعدات خارجية، اما فى يناير 2018 قد كانت النقلة الحقيقية لعلم الفضاء فى مصر حيث تم صدور قانون انشاء وكالة الفضاء المصرية.
ما المقصود بقانون الفضاء المصرى؟
هو قانون فضاء وطنى يحدد خارطة الطريق الفضائية لمصر وقد استهدف 6 محاور رئيسية، الأول لبناء البنية التحتية، والثانى محور بناء القدرات البشرية، والثالث محور الأنظمة الفضائية، والرابع محور استكشاف الفضاء، والخامس محور تقوية علاقات دولية قوية فى مجال الفضاء، وكان السادس محور العلاقات الخارجية حيث كل مايخص أنشطة الفضاء بين الوكالة والمجتمع المحلى والدولى، وضع هذا القانون ليحدد النظم والقواعد حتى عام 2030، وهدفه يتماشي بالتوازى مع خطة التنمية المستدامة لمصر 2030، وقد صدق على قانون الفضاء المصرى فى 5مارس 2020، وهو قانون ملزم للوكالة والأفراد المعنين بالعمل من خلاله، حتى نحقق اهداف الوكالة.
ما الاهداف التى تسعى الوكالة لتحقيقها؟
من حيث محور البنية التحتية او الانشاءات، نسعى الى بناء المدينة الفضائية على مساحة 125 فدانا يتضمنها مبنى الوكالة الحالى فقط ونبنى الان مركزاً لتجميع واختبار الاقمار الصناعية، مما سيسمح لمصر لتجميع واختبار الاقمار الصناعية على ارضنا وسيكون فقط الإطلاق من جهة أجنبية، هذا المركز بنى بالفعل وكان محددا له الافتتاح فى أغسطس الماضى لولا ظروف جائحة كورونا، وسوف يتم افتتاحه بنهاية هذا العام ان شاء الله، وتم انشاؤه بمبادرة تعاون مع وكالة الفضاء الصينية، حيث قدمت كل اجهزة المعمل كمنحة لمصر، وستلجأ لنا الدول الافريقية لتجميع الاقمار الخاصة بها وبهذا ستكون مصر بوابة افريقيا الى الفضاء، هذا الى جانب استضافة مصر لمقر وكالة الفضاء الافريقية، بعد ان فازت على العديد من الدول التى قدمت عروضها لاستضافة هذا المقر، وذلك بسبب الطرق الحديثة التى سهلت التنقل من مكان لمكان وهى احدى اهم شروط الاستضافة بالإضافة الى وجود بنية قوية فى الاتصالات لدينا، والجو المعتدل والامان ونشاطنا الفضائى الجيد، وسيتم افتتاح المبنى فى يوليو 2022
اما فى مجال القدرات البشرية والكوادر الفنية التى توثق التكنولوجيا فى الاذهان، فنحن نريد ان نبنى ثقافة الفضاء ونثير فضول صغار السن نحو تكنولوجيا الفضاء حتى يتكون لدينا قاعده بشرية تسعى للمعرفة وتبحث نحو كل مايخص هذا العلم فيصبح لدينا جيل قادر على العطاء والبحث والابتكار ولا يخشى المجهول فالإنسان عدو ما يجهل ، ولذا صنعنا قمرا تعليميا فى الوكالة وبالشراكة مع أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا صنعنا منه نحو ٣٥ نسخة قمر صناعى تعليمى مكعب cubesat حجمة ١٠سم، وهو قمر حقيقى يعمل، وقد أطلقنا قمرين نسخة منه عام 2019، هذه الاقمار وزعت على العديد من الكليات مع طرق شرح الفك والتركيب وبهذا جعلنا فى تلك الكليات معامل فضاء مصغرة نواتها هو هذا القمر التعليمى، ويكلف هذا القمر فى نسخته الأصلية نحو ٢مليون جنيه اما cubesat او القمر المكعب التعليمي فتصل التكلفة نحو ربع المليون.
هل تصنع الاقمار الصناعية فى مصر وما فوائد إطلاقها؟
المكون الوطنى او المصرى فى الاقمار يكون بنسبة 45% هدفنا زيادته تدريجيا، القمر يتكون من الانظمة الفرعية المختلفة مثل نظام الاتصالات ونظام التحكم، والقدرة الكهربائية، يشغل كل هذه الانظمة برامج الحاسب المتقدمة ويعمل الخبراء المصريون بأنفسهم على برامج لتطوير التحكم فى القمر والمحطة ويعملون على الانظمة التى تختبر الانظمة الفرعية، وسيكون التجميع الكامل للاقمار فى مصر من خلال الوكالة، وكذلك الاختبار، فقط الاطلاق الذى يتم من خلال جهة اجنبية تم التعاقد معها، الاقمار الصناعية من نوعية الكيوب سات cubesat يتم تصميمها بالكامل وكذلك الانظمة المتحكمة بها فى الوكالة حتى الهيكل صنع فى المصانع المصرية، بمعنى انه صنع كاملا بأياد مصرية دون اى تدخل اجنبى فقط الاطلاق كان من محطة الفضاء الدولية.
الاقمار المطلقة تحتوي على كاميرات ترسل صور تستخدم فى مجالات عدة، ففى مجال الزراعة تعرفنا هل هناك تعد على الاراضى الزراعية فى لحظة واحد نعرف التعدى بسرعة فائقة، وكذلك تفيدنا فى مجال البحث على المياة الجوفية ، البحث عن المعادن ، التخطيط العمراني، كل الصور التى أخذت للسفينة «إيفر غيفن» التى اعاقت مجرى قناة السويس الشهر الماضى اخذت من الاقمار الصناعية، حتى فى مجال الثروة السمكية والبحث عن الاسماك النادرة الاقمار دقيقة فى ارسال اماكن تجمع الاسماك ونوعها وبؤر تواجدها، حتى قبل وقت تجمعها عن طريق "artificial intelligence" مما يوفر جهدا وأموالا طائلة، وهذا مشروع جديد تعاونت فيه الوكالة مع هيئة الثروة السمكية وهيئة علوم البحار والاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، وفوائدها عظمى فى مجال التلوث المائى والسفن المسؤل عنه تكوينه. الاقمار قادرة على تحديد وإعطاء تلك المعلومات وارسالها بسرعة فائقة.
كم عدد الاقمار الصناعية التى اطلقتها مصر؟
لدينا حاليا 5 اقمار مطلقة وتعمل، وهى طيبة واحد ومصر سات2a وقد أطلقا فى نوفمر عام 2019، القمر نيل سات ، بالإضافة الى قمرين من نوع الـ cubesat وهى اقمار عاملة، وسيطلق قمر جديد فى مارس 2022 بالتعاون مع وكالة الفضاء الألمانية تشارك مصر في صناعته بنسبة 45% ويطلق من منصة إطلاق صينية، هناك قمر آخر يتم تصنيعه وهو مصر سات2 ويتم بناؤه كمشروع مشترك بين الخبراء المصريين والصينيين وسيتم إطلاقه فى سبتمبر 2022 وقريبا سيكون هناك إطلاق لقمر آخر من نوعية الكيوب سات.
هل تملك مصر قاعدة لاطلاق الاقمار الصناعية؟
لا تملك مصر فى الوقت الحالى قاعدة للاطلاق، نطلق من عدة نقاط أجنبية، مثل نقطة "بايكونور" والتى تتبع وكالة الفضاء الروسية ومقرها كازاخستان، وقاعدة "جويانا" وتتبع وكالة الفضاء الفرنسية وقد اطلقنا منها القمر طيبة واحد وموجوده فى جنوب البرازيل، هناك قواعد اخرى موجودة بالهند والصين، قاعدة الاطلاق لابد ان تكون اقرب مايكون من خط الاستواء لان سرعة دوران الارض حول نفسها اكبر وعندما نطلق القمر من تلك النقطة يكتسب تلك السرعة مما يوفر الوقود والوقت اللازم لاطلاقه، و ايضا لابد ان يكون المكان حوله مساحة فضاء تحسبا لأى اخطاء قد تحدث.
بمناسبة زيارة رائد فضاء روسى لمصر.. متى يكون لدينا رائد فضاء مصرى؟
هدفنا ضمن برنامج الفضاء المصرى ان يكون لدينا رجل فضاء فى القريب العاجل، فإرسال مصرى إلى الفضاء هو جزء من برنامج الفضاء الوطنى الذى كلفنا به فى خطتنا للعشرة سنوات القادمة، حيث إن لدينا من الكفاءات والخبرات والطاقة البشرية ما نستطيع من خلاله اختيار من يقدر على القيام بهذه المهمة الصعبة، ولكن تأهيل رجل فضاء ليس بالأمر السهل.
ما المدينة الفضائية المصرية؟
المدينة موجودة على مساحة 125 فدنا مبنى الوكالة جزء منها هدفها أن تجمع جميع الأنشطة الفضائية فى مصر مركز تجميع الأقمار الصناعية وأكاديمية فضاء ومركز لبحوث الانظمة الفضائية والمبنى الدائم لوكالة الفضاء، والمدينة تستضيف وكالة الفضاء الأفريقية مما سيمكن مصر من أن تكون البوابة التى تنطلق منها الانشطة الفضائية لافريقيا.
أخيراً، كيف بدأت مشوارك العملي حتي وصلت لمكانتك الحالية؟
درست فى الكلية الفنية العسكرية ثم عملت بها بهيئة التدريس ثم حصلت على الدكتوراه فى مجال استخدام الخلايا الشمسية فى تغذية الاقمار الصناعية، وكان هذا المجال وقتها غير مدرج فى مصر، ثم عملت فى هيئة تسليح القوات المسلحة، ثم أنهيت خدمتى العسكرية فى رتبة اللواء، وقد وضعت مع زملائى أسس الأقمار الصناعية فى القوات المسلحة، ثم اتجهت للعمل فى الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، وكان كل عملى فى برنامج الفضاء المصرى وعملت مع زملائى على اطلاق القمر الصناعي المصرى الاول عام 2007 وكنت ضمن الفريق الاول الذى سافر الى أوكرانيا لاطلاق قمر صناعى مصرى، واخيرا عينت رئيسا لوكالة الفضاء المصرية.