لحية خفيفة تعطي صاحبها بعض الوقار وتمنحه لقب "شيخ" كوصف مثالي للدعوة إلى الله، وملابس عصرية على أحدث صيحات الموضة كعنصر جذاب، ومقاطع فيديو تؤثر في المشاهدين بنفس طريقة الحقنة تحت الجلد، وتعبيرات معسولة تربط الدين بالدنيا وتبحث عن منابع التشويق والقصص والحكايات فى التراث الإسلامى لتقديمها فى صورة شبابية مسلية، هذا بالطبع مع بعض الخلط الواضح مع مأثورات التنمية البشرية.. أهلا بكم إذن مع الجيل الثالث من الدعاة الجدد، أو "شيوخ الفيسبوك" الذين تجاوزوا الطرق القديمة التي ابتكرها الداعية عمرو خالد والذي تألق نجمه مع بدايات الألفية ثم عاود الإنطفاء في ظل منافسة شرسة مع هذا الجيل الذي لا يتقيد بأي تقاليد وإنما يبحث عن تعظيم فوائد "الشير" واللايكات وعدد المتابعين وأرباح اليوتيوب.. فمن هم أبرز هؤلاء الدعاة؟ وهل درسوا العلوم الشرعية؟ وما مرجعياتهم الدينية؟ ولماذا ينجذب إليهم الشباب؟ .. التفاصيل في التحقيق التالي:
موضوعات مقترحة
الجيل الثالث
في البداية.. لا يرتبط مشاهير الجيل الثالث من الدعاة الجدد بأي أفكار تتعلق بتجديد الخطاب الدينى، وإنما يبدو كل داعية وكأنه مشروع شخصي يبحث عن التأثير بجذب المزيد من المشاهدين والمتابعين، وذلك على عكس الأجيال السابقة من الدعاة الذين قرروا أن يظهروا بثوب عصري في الدعوة إلى الله.
ويمتليء الفضاء الأزرق وخاصة الفيسبوك بصفحات هؤلاء الدعاة، فضلا عن إنشائهم لقنوات خاصة على اليوتيوب، الشيخ أمير منير، هو أحد ألمع شيوخ السوشيال ميديا والذى ذاع صيته مؤخرا، ومن المعروف إنه لم يدرس العلوم الفقهية أو الشرعية، فهو ليس أزهريا، وإنما خريج كلية الصيدلة جامعة القاهرة، ولذلك يصفه البعض بالصيدلاني السابق، ومن المعروف عنه أيضا أنه صاحب توجه سلفي، لكنه كسر تابوهات السلفية الكلاسيكية، فنراه يتحدث بلغة شبابية فجة، وتارة يسجل فيديوهاته وهو مرتديا العباءة العادية في الشارع، وتارة يسجلها بطريقة احترافية
ويصف فيديوهاته بأنها "فيديوهات دينية شبهنا.. بلغتنا.. بطريقتنا.. إحنا الشباب"، وقد بلغ عدد متابعي صفحته نحو 6.7 مليون شخص، وأحد فيديوهاته حقق نحو 11 مليون مشاهدة، ويختتم فيديوهاته أحيانا بعبارة "اعملوا منشن لكل أصحابكم .. شير يالله من دلوقتي"، أما عن الموضوعات التي يتناولها فمن أمثلتها: " 7 خطوات إن طبقتها لن تترك الصلاة بعدها.. ابدأ بإذن الله، و" ٧ حاجات لو عملتها الملائكة تدعيلك ودعاهم مستجاب"، و " ٣ لحظات ضعف الشيطان بيستغلهم ضدك"، الطريف أن الشيخ منير قدم إحدى حلقاته الدعويّة بعنوان مقتبس من مُسمى مطرب شعبي يدعى “سعيد الهوى” صاحب الأغنيّة الأشهر "الواحد أمبليه"، ومن تداعيات ذلك أنّ الداعية أصبح يطلق عليه من بعض جمهوره بالشيخ أمبليه.
ويرى منير أن الدعوة ليست حكرا على أحد ويرفض الالتزام بحتمية الجمع بين العلم الشرعي والدعوة إلى الله- بل يرى أن من يتشدقون بذلك يجهلون طبيعة العمل الدعوي؛ إذ أنّه ليس شرطًا ممن يتقدم للعمل الدعوي، أنّ يكون "العالم الفظيع"، أو "العالم اللي محصلش”، على حدّ وصفه.
دروس دينية بالدولار
النموذج الثاني هو الداعية الشاب مؤمن ندا، والذي يصف نفسه على صفحته على الفيسبوك بأنه "مجرد ناقل.. بسمع الحديث أو الآية وأطلع أقولهم في الفيديو". وهو لم يدرس العلوم الشرعية وإنما تخرج في كلية الهندسة، وعمل فترة في مجال التسويق، ويبلغ عدد متابعي صفحته نحو 1.2 مليون متابع. وموقعه على الإنترنت باللغة الإنجليزية ويعلن عن بيع فيديوهاته ودروسه الدينية مقابل اشتراك يبدأ من 2 دولار ويصل إلى 500 دولار في الشهر وذلك للعملاء الـ VIP مقابل رؤية فيديوهات حصرية حول الدين. ويعبر عن ذلك صراحة بقوله "أنا بقدم محتوي ديني .. ببساطة ناقل علم .. بحضر مع شيوخ في الأزهر وبقدمه في قالب شبابي مفيد بحيث يتناسب مع المستمع.. المعلومات بتكون متراجعة كويس جدا الحمد لله عشان ميكونش فيها أي أخطاء ..
المفروض إني أعمل Rewards بس لسه مش عارف إيه اللي ممكن أعمله الصراحة .. بس الفلوس دي مش هستخدمها ليا باذن الله.. لا أنا هستخدمها في تطوير المحتوي بحيث يظهر بشكل أحسن وأسوق له بشكل أوسع بحيث إن دائرة الخير تزيد وجودة المحتوي تقدر تنافس المحتويات التانية اللي بيصرف عليها فلوس للأسف لوحدي مش هقدر عليها وبس ربنا يجازيكم كل خير علي الدعم ده معنويا قبل ماديا"!.. ومن الموضوعات التي يتناولها في دروسه " 5 أخطاء في الوضوء"، و "معلومات مهمة جداً عن القرآن هتغير حياتك"، و"بصلي أيام الإمتحانات بس أو وقت ما أكون في مشكلة.. فهل تُقبل صلاتي؟ وهل أنا كدا وحش؟"، و "مش تغمض عينيك وصف الجنة كأنك تراها".
نموذج آخر يتمثل في الداعية محمود قمصان، الشاب العشرينى الذى درس التجارة بجامعة عين شمس، إلا أنه قرر أيضا السير فى طريق الدعوة من خلال الفيسبوك، وربما لا يحظى بنسبة متابعين كثيرة على الفيسبوك، إلا أنه يطور نفسه ويسعى لأن يكون أكثر تأثيرا، حيث يصف نفسه بأنه منشيء محتوى فيديو، وتحمل صفحته شعار "بلغوا عني ولو آية".
أما النموذج الرابع فيمثله الداعية ياسر ممدوح، والذي يتابعه نحو 3.7 مليون شخص على الفيسبوك، وقد أعلن على صفحته أنه تلقى دعوة من المركز الإسلامي بمدينة وستر، ماساتشوستس، بأمريكا لحضور شهر رمضان وإقامة صلاة التراويح بها. ويسجل الشيخ ياسر فيديوهات احترافية وبعضها تأخذ الطابع التمثيلي ويحظى بحضور وتأثير كبير بين الشباب، ويبدو أنه صاحب مرجعية سلفية واضحة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تمتليء السوشيال ميديا بمثل هذه النماذج المؤثرة للغاية في قطاعات هائلة من الشباب حيث يتصدون للفتوى في بعض الأمور الخلافية، كما أنهم يمارسون الدعوة إلى الله بأساليب تحتاج لمراجعة وتدقيق، وذلك في ظل غياب كامل من مؤسسات الدعوة الرسمية. وفي وقت سابق كشفت دراسة علمية لنيل درجة الماجستير، أعدتها الباحثة أسماء السيد حسين، بقسم الإعلام بجامعة أسيوط، أن أحد أهم أسباب انجذاب الشباب لمثل هؤلاء الدعاة الجدد هو اعتمادهم على أساليب القصص الدينى والسير وضرب الأمثال والتشويق والإثارة والتفاؤل والترغيب بالرحمة والمغفرة والميل إلى المزاح والنكات وربط الدين بالحياة وتبسيط المعانى واستخدام الصور واللغة السهلة ولغة الجسد، لكن كل ذلك لا يتضمن تجديدا للخطاب الدينى بالمعنى العلمى المطلوب.
بزنسة الدين
وتحت شعار "بزنسة الدين" أصدر وائل لطفى، الكاتب الصحفى بروزاليوسف كتابه "دولة الدعاة الجدد" منذ سنوات ورأى من خلاله أن ظاهرتهم غير إيجابية في مجملها، وأنهم إفراز قوي ووثيق الصلة بسياسات العولمة التي بدأت تغزو عالمنا العربي والإسلامي، ويقول لطفى إنه من المعروف أن خلطة الدعاة الجدد تقوم على نوع من أنواع التسويق الذكى للأفكار وهى ظاهرة عالمية تعتمد على خلط مفاهيم التنمية البشرية وبعض المفاهيم الرأسمالية بالدين والحياة بهدف جذب الجمهور وبخاصة الأكثر قدرة من الناحية المادية والالتفاف حول مناهج تساعد على الترقى فى العمل والحياة فى قالب أكثر جاذبية، لكن ما يذكره بعض الدعاة حول تجديد الخطاب الدينى يحتاج لوقفة، خاصة أن هذا الخطاب يحتاج لشجاعة كبيرة ويجب أن يقوده الأزهر لأنه مؤهل كجامعة إسلامية، ذلك أن تجديد الخطاب مرتبط بالاجتهاد فى الفكر الإسلامي وهذا الاجتهاد له شروط، ولا يعنى ذلك المصادرة على الفكر.
ومن ناحيتها، ترى الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر أن هناك من الدعاة الجدد من استطاع أن يمتلك أدوات الدعوة مع مزجها بالواقع اليومى ومراعاة الاتجاهات الشبابية الجديدة فى اللغة والتناول والآليات وحتى المظهر وهذا أمر غير مرفوض طالما كانت الدعوة ملتزمة بالنص الدينى واللغة السليمة القوية، أما مؤسسة الأزهر فللأسف لم تستطع استيعاب ثقافة الشباب ومستجدات العصر ولم تعرف أقصر الطرق للوصول لضمائر الشباب الثائرة أو الإلكترونيات المعاصرة.. ومن ثم كانت الساحة خالية لظهور الدعاة بشكل جديد ومتواكب مع روح العصر.. خاصة أن ما عرفناه فى دراسات الأزهر هو الخطاب الأصولى الذى بنى على دراسات أصولية من منابع الإسلام كعقيدة وشريعة أو لغة.. وكان هذا سائدا فى فترة ما قبل ثورة يوليو ثم تم إخضاع الأزهر لرقابة الدولة فيما بعد وباتت حركته بطيئة فى التجديد.
وبصرف النظر عن الدور الدعوي الذي يقوم به هؤلاء الدعاة، إلا أن الكارثة هي تصدي بعضهم للفتوى.. وهذا على الرغم من التحذيرات الشديدة التي أعلنتها دار الإفتاء في بيانات سابقة بضرورة أخذ الفتوى من المختصين فقط، إلا أن البعض يجد في هؤلاء الدعاة البديل السهل للإفتاء في الدين، وفي هذا الإطار يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش، وكيل لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف: إن الفتوى أمانة ومسئولية ويجب أن يتصدى لها أهل العلم والاختصاص، ولا يجب أن نترك الساحة لكل من هب ودب للإفتاء في الدين، وقد تختلف الفتوى حسب الزمان والمكان بشرط ألا تتعارض مع صريح النص وهذا يؤكد أن الإفتاء ليس مشاعا، ومن الأمثلة على ذلك أن ابن عباس جاءه رجل وقال له "هل للقاتل توبة؟" فقال له ابن عباس "لا ليس للقاتل توبة"، وبعد ذلك بأيام جاءه رجل آخر وسأل نفس السؤال وكان رد ابن عباس "نعم للقاتل توبة" فتعجب البعض من هذا التناقض، فذكر ابن عباس أن الرجل الأول كان يضمر في داخله الشر وكان يريد أن يذهب ليقتل مرة أخرى فأغلقت الباب في وجه، أما الرجل الثاني فكان يريد أن يتوب بصدق إلى الله تعالى.