Close ad

حسابات مفتوحة مع التاريخ

15-6-2021 | 15:25
الأهرام العربي نقلاً عن

حسابات المصرى مع التاريخ مفتوحة، بعض المغامرين أغمضوا أعينهم عن هذه الحقيقة، تخيلوا أنه يمكن إغلاق هذه الحسابات.

لكن جوهر المصرى غلاب، فهو الذى أغلق عليهم الحسابات مع التاريخ والجغرافيا.

الرئيس عبدالفتاح السيسى، فعل ذلك بشجاعة القائد الذى يعرف، حق المعرفة، مكانة أقدم دولة مركزية فى التاريخ، كواحد من أبناء مدرسة الوطنية المصرية، عندما يتقدم إلى الميدان، ويخوض معركة وجود مع أشرس تنظيم دولى، كلف صانعيه قرنين من الزمن، ثم ينتصر بشعبه الذى فوضه تفويضا مفتوحا، ولا يكتفى بوسام النصر هذا، بل يمضى لبناء جمهورية جديدة حقيقية.

وجوهر المصرى هو تحويل المحنة إلى منحة، وحدث أن واجه واحدة من أخطر المحن فى تاريخه الطويل، وظن محدثو التاريخ أنه يمكن تصفية أقدم أمة مستمرة على ظهر البسيطة، ثم صناعة ولاية وظيفية طائعة على شاطئى النيل، فإذا  بمحدثى التاريخ هؤلاء  يصطدمون بشعب لا يجيد إلا صناعة الحضارة، ويلد الأبناء وقتما يشاء، ينهض منهم  من يقاتل دون وجل، ويبنى دون توقف.  

كان محدثو التاريخ قد احتفلوا  بالنصر وارتاحوا،  ظنوا أنهم ظفروا بالمحروسة، فإذا بهم يسقطون من برج شاهق، فهم لا يفهمون هوية المصرى العميقة.

هوية مصر القومية تعود إلى خمسة آلاف عام. منحوتة على جدران المعابد، ومكتوبة على أوراق البردى، كانت أم العالم القديم،  تشبهت بها الأمم القديمة، أرسلت مبعوثيها لتلقى العلوم والمعارف، تداعت عليها أمم حاسدة أو حاقدة، مستعمرة  أو ناهبة، وبقى جوهرها راسخا ثابتا لا يتزعزع، لا تتعايش مع احتلال، ولا ترضخ لاختطاف، فتحولت إلى «أم العالم الجديد».

هوية ممزوجة من النيل، الآتى من أعماق إفريقيا الأم،  ومن البحر المتوسط، جوهر الحضارة القديمة، وكاتب الملاحم والمعارك، وصائغ الأفكار الكبرى، وقد انتشرت فى العالم الجديد على يد مكتشفيه المتوسطيين من إيطاليا وأسبانيا، والتاريخ ليس مصادفة دائمة.

فى العالم القديم كانت مصر، وفى العالم الحديث أيضا.

هى الدولة الإقليم، والأمة  ثرية الثقافات، متعددة الحضارات، أقسمت بأن تعيش أمة حرة فى كل عصر، مهما تتكالب عليها  قوى الظلام، سواء أكانت من بنات الإقليم المحيط أم المجاور أم الآتية من وراء المحيطات، دائما تحتفظ بخميرة من رجال ونساء، تظهر ساعات الشدائد، وهى متعددة، ومختلفة، لا تنقطع ما بقيت مصر، ولهذا  مصر لا تنام ولم تنم، كما قال شاعرها فتحى سعيد ذات مرة.

من أراد أن يعرف مصر الحديثة عليه أن يقرأ جمال حمدان، ومن أراد أن يفهم لماذا هى قلب العرب عليه أن يقرأ المفكر السورى ساطع الحصرى، على سبيل المثال لا الحصر.

فى كل عصر تعرف كيف تلد من يحمل الأمانة، يتقدم الصفوف، مهما تكن المخاطر، ومصر وجدت نفسها مخطوفة  من تنظيم تمت تربيته ببطء على مدى قرنين، استطاع أن يشكل خلايا مميتة فى بدن الدولة الإقليم، اقترب من سورها العالي، واجتازه بمساعدة  ماكرة، من جماعات لا تقتات ولا تعيش إلا على السلب والغزو، مهما تحصنت بعبارات براقة من نظامها العالمى الجديد المتجدد على مقياسها وحدها، لكنها لا تعرف  أن جوهر مصر سيدوم مادامت الدنيا، فالنيل لا ينسى، ولن ينسى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: