عندما سقط كريستيان إريكسن لاعب الدنمارك، منذ أيام قليلة أثناء إحدى مباريات كرة القدم الأوروبية انخلعت قلوب المشاهدين والمتابعين، خاصة أن اللاعب سقط بدون أى احتكاك مع زملائه، التصرفات التى تلت سقوط اللاعب من حسن تصرف زميله سيمون كيير بالتأكد من عدم ابتلاع زميله لسانه، ثم تحريكه على جانبه؛ حتى وصل طاقم الإسعاف الطبى، وتولى مباشرة حالة اللاعب، دليل أكيد على أن قليلًا من الثقافة الطبية يمكن أن تسهم فى إنقاذ حياة إنسان، حيث اتضح إصابة اللاعب بأزمة قلبية.
لست هنا فى وضع مقارنة بين ثقافة أعضاء المنظومة الرياضية عندنا، مع ما هو سائد فى الدول الأوروبية، ولكن هذه الحادثة حركت داخل النفس أهمية الانتباه لنشر جزء يسير من الثقافة الطبية بين طلاب المدارس والجامعات، تمثل الحد الأدنى من التعامل مع الحوادث المختلفة المفاجئة، حيث الدقيقة يمكن أن تنقذ حياة إنسان أو تحول بينه وبين مضاعفات كثيرة ستلازمه سنوات كثيرة من عمره.
فى حوادث الطرق يتبارى المارة فى مساعدة المصابين، يحاولون بإخلاص ورغبة أكيدة فى المساعدة، فى أحيان كثيرة ونتيجة لعدم الوعى بالطريقة الصحيحة طبيًا فى التعامل مع المصابين تكون الآثار السلبية الناتجة عّن ذلك كبيرة وفى بعض الأحيان تكون من عوامل تصعيب العلاج الطبى اللاحق لذلك، أيضًا كم من الضحايا لحوادث الغرق أمام الشواطئ كان من الممكن إنقاذهم؛ لو كان ضمن المتواجدين وقت انتشالهم من الماء، من يعرف كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات قبل توقف أجهزة الجسم عن العمل.
لا أدعو إلى أن تمتهن الأغلبية علوم الطب أو تتعلمها لتحل محل الطبيب، ولكن ما أتمناه أن ينتبه المجتمع لأهمية الثقافة الطبية والإلمام ببعض الإجراءات البسيطة والسريعة فى التعامل مع الحوادث أو الأزمات المرضية المفاجئة، هناك بعض القطاعات على سبيل المثال يجب أن يكون ذلك أحد المكونات الأساسية لمنظومة عملهم، خاصة أن تطبيقه لن يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا عليهم.
يمكن القائمين على العملية التعليمية فى المدارس تخصيص حصة شهرية يدرسها أحد الأطباء أو متخصص فى الإسعافات الأولية، سواء تم ذلك ضمن حصص الأنشطة المدرسية أو خلال طابور الصباح.
مراكز الشباب المنتشرة فى الأحياء والقرى يمكن أن يكون نشر الثقافة الطبية، بما فى ذلك التعريف بمخاطر الإدمان والمخدرات من العوامل التى ترتبط بقيمة الدعم الذى تتلقاه من وزارة الشباب والرياضة.
كذلك يجب عدم اقتصار شروط منح شهادات السلامة والصحة المهنية للمنشآت الصناعية على سلامةً المبانى والإنشاءات واشتراطات الدفاع المدنى فقط، بل يجب أن تتضمن الشروط حصول عدد معين من العاملين على دورة تدريبية فى الإسعافات الأولية.
فى أغلبية الأحيان عند زيارة منشآت صناعية كبرى، خاصة التى تساهم فيها شركات عالمية يكون ضمن جدول الزيارة عرض لاشتراطات السلامة الزائرين والعاملين والتوجيهات الخاصة بالتصرف عند وقوع حوادث طارئة.
أجهزة الإعلام بوسائلها المختلفة من صحافة ورقية وإلكترونية وإذاعة وتليفزيون يجب أن رسائلهم الإعلامية التعريف بالتصرفات الصحيحة فى مواجهة هذه الحوادث.
الاستثمارات الكبيرة التى تقوم بها الدولة لتطوير طرق ووسائل النقل المختلفة تستهدف بالأساس تقليل معدلات الحوادث والارتقاء بمعايير الأمان حفاظًا على حياة الإنسان.
أعتقد أن قيام وزارة الصحة بالتعاون مع الأجهزة المسئولة عن المنظومة الإعلامية ومنظمات المجتمع المدنى والوزارات المعنية بتبنى نشر الثقافة الطبية أمر يستحق أن يكون ضمن الأولويات، فلا يوجد ما هو أثمن من حياة الإنسان.