Close ad

فضيلة الإمام .. ليحتفل الأزهر بمرور ستين عامًا على تطويره

13-6-2021 | 14:32

يعود الجدل مجددًا إلى قضية تطوير الأزهر، والذي بدأ مع قرار التطوير قبل ستين عامًا (القانون رقم 103 لسنة 1961م) ويريد البعض الآن عودة الأزهر إلى الدراسات الدينية فقط، أوعلى الأقل تفكيك الأزهر إلى جامعتين واحدة دينية والأخرى مدنية.

أما دوافع تطوير الأزهر في الستينيات، فكان رغبة من الرئيس جمال عبدالناصر في تجديد المؤسسة العريقة بعد ألف عام من تأسيسها، وتعليم الوافدين للأزهر العلوم الحديثة ليعودوا إلى بلادهم خصوصًا في إفريقيا وآسيا، كأطباء ومهندسين ومحاسبين متفقهين في أمور الدين، وكذلك تسليح الأزهريين المبعوثين للخارج بسائر العلوم في المجالات كافة وباللغات المتعددة، إذ يسافرون إلى أصقاع الأرض، ليعلموا الدين ويعرفوا غير العرب بالحضارة الإسلامية العريقة، ولا يكونون في الوقت نفسه منفصلين عن علوم العصر الحديث..

وللحقيقة، فإن أمر تطوير الأزهر وإصلاحه لم يبدأ في الستينيات، بل بدأ قبل ذلك بكثير، حين لم يجد محمد عليّ باشا من يمكن إرسالهم في بعثات إلى أوروبا سوى طلاب وخريجي الأزهر.. وفي الذاكرة المصرية من هذه البعثات يبرز الشيخ رفاعة الطهطاوي كما نعلم جميعًا.

هؤلاء الشيوخ المبتعثون إلى باريس أرسلوا فيما بعد تقريرًا في أوائل حكم الخديو إسماعيل تضمن عرضًا لإدخال مناهج المنطق والرياضيات والجبر إلى مناهج تعليم الأزهر، وذلك على ما ذكر المستشرق الأمريكي بيارد دودج في كتابه "الأزهر في ألف عام" الذي ترجمه د. حسين فوزي النجار وراجعه مجمع البحوث الإسلامية.

ونعرف أن إسماعيل أنشأ مدرسة دار العلوم لإعانة الأزهر على دراسة مواد لا تحظى باهتمام كبير من الأزهر، مثل الرياضيات والتاريخ والجغرافيا والطبيعة والكيمياء وتحسين الخط، وشجع إسماعيل الشيوخ على تدريس الهندسة والتاريخ والموسيقى اختياريًَا، وأصدر أول قانون لإصلاح الأزهر خاص بإصلاح نظام الامتحانات واختيار الشيوخ وتعيينهم.

ووافق شيخ الأزهر شمس الدين الإمبابي على تدريس الرياضيات كالحساب والهندسة والجغرافيا "ما دامت تنشد الحقيقة والواقع، وأجيزت العلوم الطبيعية ما دامت لا تتعارض مع ما جاءت به الشريعة، فإذا تناولنا ما وراء الطبيعة كالسحر والشعوذة لا تُجاز".

أما الشيخ الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية والذي لم يتولَ مشيخة الأزهر، لكنه دعم شيخه حسونة النوواي في إصلاحات مهمة في إدارة الأزهر (إنشاء مجلس إدارة وتنظيم الرواتب والهبات والعطلات الدراسية وشروط قبول الطلاب ووضع مستويات الدراسة ولجان الامتحانات وتحديد صورة عباءة الشيوخ وفق الدرجات العلمية والقواعد العامة والجزاءات).. وأسهب محمد عبده في أفكار الإصلاح للجامع القديم، وأسس لتطويره عبر وضع المنهج العلمي في محاضراته بالأزهر.

وبعد الشيخين عبده والنوواي ظل التطوير مستمرًا وأكثره أحاط بالمجال الإداري ونظم التدريس والمناهج والامتحانات، لأن أكثر من ذلك كان يلقي مقاومة الشيوخ.. ثم حدث تطور لافت سنة 1932 فقد افتتح الملك فؤاد ثلاث كليات جامعية للدراسات العليا بعد تحويل الأزهر إلى الجامعة الأزهرية: كلية أصول الدين، كلية الشريعة الإسلامية، وكلية اللغة العربية، وكان الملك فؤاد هو الذي صدق على قانون تحويل الأزهر إلى جامعة.

كانت الجامعات المدنية رغم حداثتها تسبق الأزهر في التنظيم وأكثر الإصلاحات والتطورات انصبت على لوائح تنظيم العمل والشهادات وطلاء جدران وإسناد أبنية وتعزيز الميزانية، ورغم ذلك قام الأزهر بدوره التعليمي والاجتماعي والسياسي وسط عواصف واختلالات عصور الانحطاط والاستعمار الأجنبي.

وفي الخمسينات، وعقب ثورة يوليو 1952، تم تنظيم المنح المالية للطلاب وبدلا من الأروقة المحيطة بالجامع لإقامة الطلاب الأجانب فقد أنشأت مدينة البعوث الإسلامية، وزاد الإقبال على الدراسة بالمعاهد والكليات الأزهرية، وعرف الطلاب التدريب العسكري والنشاط الرياضي. كما تم إنشاء إذاعة الأزهر سنة 1959، وهي نفس السنة التي انتشر فيها خمسة وسبعون مبعوثًا أزهريًا إلى نصف دول العالم، من آسيا إلى إفريقيا والأمريكتين.

أما التطور الجديد فقد كان يتزامن مع قرب مرور ألف عام على الأزهر، ورأى عبدالناصر دخول الأزهر إلى ألفية جديدة بدفعة قوية، بعيدًا عن التطور الطبيعي للمناهج والساحات وزيادة أعداد الطلاب، بتحويل الجامعة الأزهرية إلى جامعة أزهرية كبرى تضم كليات علمية إلى جانب الكليات الدينية.

وتصادف أن كان شيخ الأزهر أثناء قرار التطوير هو نفسه الشيخ محمود شلتوت الذي تم فصله في العام 1931 لتقديمه مشروعًا بإصلاح الأزهر، وفي نفس عام التطوير (سنة 1961) صدر قرار جمهوري ثان بإنشاء كلية البنات الإسلامية، التي فتحت أبواب جامعة الأزهر للبنات، وفي جميع كلياتها لأول مرة.

وفي جامعة الأزهر 84 كلية و11 معهدًا موزعة في القاهرة والمدن الأخرى بأنحاء الجمهورية.. هذا هو الأزهر حاليًا، قادر على أداء دوره الديني وننتظر منه الكثير في المعرفة والفكر والتنوير، وقادر على إدارة كلياته التي تشكل نحو خمس أو ست جامعات أخرى.

لذلك دعونا نحتفل.. وأدعو شيخ الأزهر الدكتور الطيب لاحتفال أو مؤتمر أو ندوة في شهر يوليو المقبل لدراسة عملية تطوير الأزهر طوال الستين عامًا الأخيرة ما لها وما عليها، ولمعرفة هل يبقى الأزهر كما هو أو يقسم إلى جامعتين، أو أن هناك فكرًا جديدًا من التطوير يمكن أن يطال الأزهر الشريف جامعًا وجامعة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة