Close ad

الزمن بين الوهم والحقيقة

8-6-2021 | 01:16

بلاشك أن الزمن نسبي، ويختلف تقدير الوقت من شخص إلى آخر، والستون دقيقة تزيد في مكان وتقل في مكان، وهذا طبقًا لكلام علماء الفيزياء، والسؤال هل الزمن نسبي ومتغير وليس مطلقًا؟ يعتقد البعض أنه حالة من الوهم ومتغيرات الظواهر الطبيعية هي تشعرنا بالوقت، وصورته مجموعة أخرى على أنه خيال أسطوري، وتخيلوه في آلة الزمن.

وأثبت العلماء هذا التغيير منذ زمن طويل، افترضوا إنسانًا واقفًا ينتظر على كوكب الأرض لمدة ساعة، وشخص ثان على كوكب المشترى مر عليه نفس التوقيت، ولكن أظهرت الحسابات مرور أربعين دقيقة للشخص الواقف على المشترى وليست ساعة، وفسروا ذلك بشدة الجاذبية على كوكب المشترى، فضلا عن ملاحظاتهم من خلال رصدهم رحلات رواد الفضاء، حيث يعود رائد الفضاء من رحلته وعمره أصغر ممن على الأرض بحوالي عدة ثوان، وهذا ما أكدته النظرية النسبية لأينشتاين.

ولماذا نذهب بعيدًا؟ فالليل والنهار يولدان معًا في نفس الوقت على كوكب واحد، ويسمي العلماء هذه الظاهرة بحركة الأرض حول نفسها، وطرح العلماء مثالًا لشخص تمر عليه الساعة بوقت أطول من الآخر الذي يقف على طرف أبعد في نفس الساعة.

وذهب أينشتاين إلى أبعد من ذلك، وقال إن الزمن يمكن تجميده ووصوله إلى الصفر، وذلك حين يسير جسم داخل ثقب أسود هائل، وبمعنى آخر توحد الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة واحدة، ولا يمكن لعقل بشري إدراك هذا التصور.

وفجأة ينسف فريق من العلماء نظرية أينشتاين، واكتشفوا أن سرعة الضوء غير ثابتة ولا يمكن قياس الوقت بها، ولكنهم يتفقون على اختلاف الزمن الواحد على نفس الكوكب وبين الكواكب، وأرجعوا ذلك إلى سرعة الحركة الدائرية لكل كوكب ثم لكل مجرة ثم إلى سرعة حركة الكون كله حول ذاته.

وبناء عليه لا نتعجب من توحد قول أهل الكهف والرجل الذي مات مائة عام في معنى ما لبثنا إلا يومًا أو بعض يوم، وهو ما يزيد قضية الزمن غموضًا، خاصة حينما أثبت لنا المولى عز وجل ظواهر سنة التغيير في مشهد واحد وفي زمن واحد يجمع بين الرجل وحماره وطعامه، ونرقب موت الحمار وتحلله حتى صار عظامًا نخرة، والطعام مازال طازجًا لم تجر عليه عوامل الطبيعة منذ مائة عام.

وصدق الله العظيم قائلًا: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ"، وفي موقع آخر في سورة المؤمنون يقول تعالى: "قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ".

وفي السياق نفسه نذكر جواب نوح عليه السلام حينما سُئل بعد عمر امتد إلى أكثر من ألف عام منها ألف إلا خمسين في الرسالة، وكان قوله: مثل دار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا، ولما العجب ونحن نسأل أنفسنا كيف مرت بنا السنون بتلك السرعة، وكأنها تنساب بين أيدينا كالماء، وسرعان ما تصبح خبرًا أو سيرة.

ويمكن الوصول إلي حقيقة مفادها أن الزمن لا نستطيع تحديده بدقة، ويمكن اعتباره من الأمور الغيبية، ومن هذا المنطلق يصدر الأمر الإلهي بعدم سب الدهر، وقال في حديثه القدسي: "يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".

ونفهم من ذلك أن الزمن مع الله ليس له بداية أو نهاية، كما صوره لنا في رحلة الإسراء والمعراج، والزمن في الحياة الدنيا نسبي يتوافق مع القوانين الكونية، وفي الحياة الآخرة الزمن مطلق يحدده الله كيفما شاء، فهذا يوم عنده بمقدار ألف عام ويوم عنده بخمسمائة ألف عام، ولهذا فالحياة الآخرة أبدية ودائمة ونعيمها لا ينقطع وعذابه مقيم، ولكل ما سبق يحق لي أن أرفض القول بأن الزمن وهم لكثرة تبدله وتغيره، وأقر بحقيقة وجوده.

Email: [email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: