عمرو الشوبكي.. شوكة في كل العصور

2-6-2021 | 23:20

تاريخ أسود مناصر لتنظيم الإخوان ومعاد لمؤسسات الدولة

لكي تتكون الشبكة، أخذت سنين كثيرة، كانت البداية بالتقاط عيون نابهة من نوابغ المصريين الذين يدرسون في الخارج بدأ استقطابها، ومن ثم العمل على غسل أدمغتها والتحكم فيها، هؤلاء كانوا النواة أو بذرة التلقيح التي غرست في الجسد المصري. كانوا من الطلاب المتفوقين في كافة المجالات الذين أرسلتهم الدولة المصرية لتحضير رسائل الماجستير والدكتور،اهتمت بالتقاطهم الجامعات الأوروبية الغربية ومؤسسات التمويل، بعناية شديدة، بهدف إعادة توجيههم صوب الدولة المصرية.

وكان يقف وراء ذلك مجموعة من الأهداف، تتمثل فيما يلي:
 

الهدف الأول: تفكيك سيطرة الدولة المصرية على وسائل الإعلام الوطنية، وذلك من خلال تمرير مشروعات وسائل الاعلام الخاصة، من صحف وقنوات خاصة ذات التمويلات المشبوهة والأجندات غير الوطنية، تحت مزاعم الأهداف النبيلة والسامية لحقوق الإنسان، والتي يأتي على رأسها حرية الرأي والتعبير، التي دعمت التنظيمات الإرهابية من خلال توفير وإضفاء غطاء الحرية في التعبير عن المعتقدات والأهداف، خاصة تنظيم الإخوان الإرهابي.
 

الهدف الثاني: كان تغير هوية وأهداف الفن والثقافة المصرية، والانحراف بالدولة عن أهدافها الوطنية ومصلحتها القومية، فبعد أن كان الفن والثقافة الداعم الرئيس لوحدة الصف الوطني والحفاظ على مقدرات الأمن القومي المصري، تحول تحت المقالات في الصحف المشبوهة، والأفلام التي قدمت المجتمع المصري في أشوه صوره، ودفع الطبقات الأقل حظًا على سلم التنمية للثورة، تحت مزاعم التغريب والحفاظ على التعددية والانفتاح على المجتمعات الغربية وحقوق ما أطلقوا عليه المهمشون والأقليات، بهدف هدم وتفكيك وتفسيخ المجتمع، وهدم ثوابته الوطنية، وقيمه المجتمعية.

الهدف الثالث: تمثل في تغيير بنية وخصوصية النظام السياسي المصري المتماسكة، وشرعية النظام الجمهوري المكتسبة من ثورة 23 يوليو 1952، والتي كانت المؤسسة العسكرية الشريفة في القلب منها مستجيبة لمطالب شعبها التي هي من نسيجه الوطني، وذلك من خلال بث مفاهيم غربية لا تهدف الي الحفاظ على الامن القومي المصري، مثل إثارة الفوضى، ومن خلال بث الكراهية تجاه الرئيس ومؤسسات الدولة المختلفة، والتثوير المستمر للشارع للتظاهر والاعتصامات، ومن ثم انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض دون وعي حقيقي بأهمية وحقيقة ما يدور حوله، وكذلك استهداف المؤسسات السيادية الأمنية ورجالها، ومحاولتهم إلغاء رقابة الأجهزة المصرية على الشارع لتأمين المواطن مما يحيط به من مخاطر وتحديات، كل ذلك أيضًا تحت مزاعم حرية الفكر والتعبير والاقتداء بالمفاهيم والسلوكيات النظرية الغربية.
الهدف الرابع: كان إضفاء دعم سياسي وإعلامي واستغلال للعقدية الدينية في خلق ميليشيات أو تنظيمات إرهابية، يمكن أن يعول عليها لزعزعة الاستقرار، وتعمل علي الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، من خلال اثارة النعرات الطائفية باسم الدين، وزيادة معدلات استخدام العنف ضد الأجهزة الأمنية، ومحاولة تقسيم الوطن علي أسس دينية وعقائدية وعرقية.

وفي هذا الإطار، يعد د. عمرو الشوبكي نموذجًا للعراب لتنظيم الإخوان الإرهابي كما يتعارف عليه المصريون وما أقرته الأحكام القضائية المصرية، أو جماعة الإخوان المسلمين كما يحب الشوبكي أن يكتب عنها حتى اليوم، بداية من التمهيد لمشروعات التمكين للإسلاميين في المنطقة العربية قبل ٢٠١١، وصولًا إلى التحالف المعلن في الفترة ما بين ٢٠١١ إلى نهاية حقبة الإخوان في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. ثم التحالف غير المعلن " تحالف المصالح والأهداف" لمحاولة هدم ومهاجمة مقومات الدولة المصرية في الجمهورية الجديدة بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفيما يلي رصد وتحليل لهذه المراحل:

1- عراب الإخوان قبل ٢٠١١ والربط بين الإخوان في مصر والإصلاح والتنمية في تركيا

بدأ الشوبكي دوره في ممهدة تنظيم الإخوان في كتاباته قبل ٢٠١١، ففي كتابه بعنوان "إسلاميون وديمقراطيون" الصادر عام ٢٠٠٦ عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت ، يربط الشوبكي بين تجربة الإخوان في مصر وتركيا. حيث أورد تحت عنوان الفصل الثالث (الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية اختلاف في الخطاب أم في السياق السياسي) ذكر الشوبكي نصًا: "أخذ التباين بين التجربة المصرية والتركية، صورًا كثيرة، فمن جهة عرفت مصر انقطاعات عميقة في تواصل نظمها السياسية، علي عكس الخبرة التركية التي عرفت تحولات في خبرة نظامها الجمهوري وإعادة تعريف لبعض أسسه دون قطيعة، وحتى في مراحل الانقلابات التركية، فقد ظلت في إطار أسس النظام الجمهوري العلماني، بل وادعت أنها قامت من اجل الحفاظ عليه، وهذا علي عكس الانقلابات المصرية التي كانت أحيانا انقلابات ثورية حقيقية كما حدث في يوليو ١٩٥٢ التي هدمت أركان النظام الملكي القائم وشيدت نظامًا سياسيًا جديدًا، أو مع انقلاب مايو الذي قاده الرئيس السادات، وانقلب فيه على رجال ثورة يوليو حتى يحول توجهاتها من يسار الوسط إلى أقصى اليمين".

ويستكمل الشوبكي في الكتاب نفسه "ويبدو الفارق كبيرًا بين النظام الملكي قبل ثورة يوليو، وبين النظام الجمهوري، كما أن التفاوت في عصر الجمهورية المصرية بدا كبيرًا ولافتًا، فجمهورية ناصر ليست هي جمهورية السادات، وعصر مبارك يختلف كثيرا عن سلفه، كما أن الجمهورية المصرية لم تنجح منذ أكثر من نصف قرن في بناء نظام تعددي حقيقي".

ويضيف "ودون الدخول في تفاصيل النظامين، يمكن القول إن الإخوان المسلمين تأثروا بظروف العصر الذي نشأوا فيه، بطبيعة النظام السياسي الذي أحاط بهم، فقد تبنوا في العصر الملكي خطابًا دعويًا طالبوا فيه المسلمين بالالتزام بمبادئ الإسلام والعمل علي تطبيق الشريعة الإسلامية بالوسائل السلمية أساسًا، ثم عادوا واصطدموا بالجمهورية الناصرية، وتبني كثير منهم خطابًا راديكاليًا عنيفًا، ثم عادوا وتصالحوا مع جمهورية السادات واستعادوا خطابهم السلمي، وان كان بدرجات أكبر من الانغلاق أدت إلى انسحابهم من المشاركة في العمل العام طوال عقد السبعينيات".

وعن عصر مبارك يقول الشوبكي "تراوحت علاقتهم بالنظام القائم بين الاستيعاب الجزئي والاستبعاد الجزئي أيضا، وهذا على خلاف التيار الإسلامي في تركيا، الذي تعامل مع أوجه متعددة لنظام جمهوري واحد، شهد تحولات، ولكنه ظل مخلصا لأسسه العلمانية وتوجهه الرأسمالي وتحالفاته الأطلسية، وليس كما حدث في الحالة المصرية حين تفاعل الإخوان المسلمين ومعهم مجمل التيارات الإسلامية، مع النظم الجمهورية والنظام الملكي، ومع الرأسمالية والاشتراكية، ومع التقدمية والرجعية، بكل ما يعنيه ذلك من فروقات في الجوهر وفي الشكل علي السواء".

ويذكر الشوبكي في المقارنة "والحقيقة أن تحولات التجربة التركية جاءت في سياق الاستمرارية وليس علي أرضية القطيعة، مما ساعد طرفي المعادلة السياسية، أي المؤسسة العسكرية ومعها التيارات العلمانية الأتاتوركية من جانب، والتنظيمات الإسلامية من جانب آخر، علي المراجعة والتطور عبر رحلة تراكمية طويلة لم تعرف انقطاعات الخبرة المصرية، وأدت في النهاية إلى أن يصل الإسلاميون الذين حاربهم مصطفي أتاتورك وحزبه الشعب إلى الحكم، وأصبح هناك في نهاية الألفية الثانية تيار إسلامي ديمقراطي بقيادة نجم الدين أربكان، ومع بداية الألفية الثالثة، وجود تيار آخر ذي أصول إسلامية يقوده رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان".
ويستمر الشوبكي في المقارنة "المؤكد أن تقدم تركيا نحو الديمقراطية قد دفع التيار الإسلامي إلى أن يتقدم نحو المسار نفسه، ليس فقط في اتجاه احترام الآليات الديمقراطية، إنما أيضًا في اتجاه احترام قيم الديمقراطية وتبني المعايير الأوروبية في بناء المجتمع التركي سياسيًا واقتصاديًا، وهذا على عكس الخبرة المصرية التي ثبتت تجربتها الديمقراطية علي نظام التعددية المقيدة الذي أعلنه الرئيس السادات عام ١٩٧٦، وشهدت في العقدين الأخيرين حالة من الجمود أفرغت الحياة السياسية من أي مضمون أو قيمة حقيقية وعملت على حصار تيار الإسلام السياسي ليس أساسا لأنه إسلامي، إنما لكونه تيارًا لديه تنظيم سياسي محكم وقدرة كبيرة علي الحشد والتعبئة".

ويضيف الشوبكي "لعل هذه الفروقات قد جعلت المقارنة بين مصر وتركيا في طريقة تعاملها مع التيار الإسلامي فيها كثير من المغامرة، وتلقي الضوء علي السؤال الكبير المتعلق بإمكانية دمج الخطاب الإسلامي في عملية التطور الديمقراطي، ومدي قدرته على أن يتحول إلى خطابات التيارات الأخرى تحت حجة أنه خطاب ديني مقدس لا يجب نقده أو الاختلاف معه".

وعن شكل التنظيم السياسي لتنظيم الإخوان، يقول الشوبكي في الكتاب ذاته "كثيرًا ما أبدى البعض دهشته التي أدت إلى بقاء الإخوان المسلمين طوال تلك الفترة متماسكين ومحافظين على بنائهم التنظيمي، وكثيرًا ما أبدى البعض دهشته أيضًا من قدرة الإخوان المعاصرين على أن يتعايشوا معًا رغم وجود هذا القدر الكبير من التباين الفكري والجيلي بينهم".

ويبرر الشوبكي ذلك "فقد حافظ الإخوان المسلمون علي بنائهم التنظيمي لأسباب كثيرة، أبرزها يرجع لطبيعة البناء الذي شيده حسن البنا في عام ١٩٢٨، وبقي صامدًا حوالي ٧٥ عامًا رغم اغتيال الشيخ المؤسس منذ أكثر من نصف قرن، إلا أن هذا الغياب لم يؤد إلى غياب مواز لفكره، فلم تقض الرصاصات التي أطلقت عليه في الثاني عشر من شهر فبراير عام ١٩٤٩ علي تراث الرجل العقيدي والتنظيمي والسياسي، ولم يرحل معه تنظيم الإخوان الذي أنشأه، وترعرع ونما تحت قيادته. ويمكن القول ان كثيرًا مما نراه الآن من تكتيكات إخوانية يمثل إلى حد كبير امتدادًا لما شيده البنا، وتحديدًا مما نراه الآن منذ المؤتمر الخامس للجماعة عام ١٩٣٧ من رؤي عقائدية وتنظيمية مركبة، تعتمد علي مجموعة متنوعة من الثنائيات التي تحتوي في بعض الأحيان علي الموقف ونقيضه، أو على موقف معلن وصريح، وآخر مستتر وغير معلن".

ويستطرد الشوبكي –ويا للعجب- "صحيح أن وجود هذه الثنائيات على المستوي التنظيمي والسياسي لم يحل دون وجود موقف غالب في خطاب الإخوان يميل إلى السلم ورفض العنف ليشكل الفرع الأساسي في ثنائية الإخوان، إلا أن ذلك لم يحل أيضًا دون وجود فرع آخر أقل طولًا ووضوحًا مال إلى العنف ومارسه في بعض الأحيان. ومن هنا لم يكن اختيار الإخوان المسلمين بناء تنظيم واسع ومتنوع راجعا للصدفة المحضة، أو الرغبة فقط في ضم أعداد ضخمة من الأعضاء والأنصار، إنما عكس رؤية إخوانية متكاملة في البناء التنظيمي والفهم السياسي".

وفي ٢٠٠٦، خلصت دراسة للدكتور عمرو الشوبكي بعنوان "مستقبل جماعة الإخوان المسلمين"، ونُشرت ضمن سلسلة "كراسات استراتيجية" الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، استلهمت الدراسة النموذجَ التركي في دمجِ قيادات الإسلام السياسي في الحياة الحزبية، حتى التمكين للسلطة، مرورًا بباقي النجاحات للحركات الإسلامية، مثل حماس في فلسطين، وتجربة صعود الإسلاميين في المغرب، لتستشرف من هذه النجاحات ما عسى أن تؤول إليه الحركة الإسلامية الأم لظاهرة الإسلام السياسي، ممثلةً في جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وتؤكد الدراسة على أهمية البحث عن صيغة جديدة للتعامل مع التيار الإسلامي السلمي، تبدأ بالتوافق على وضع قواعد قانونية ومدنية منظمة للعمل السياسي، وضابطة لعملية التحول الديمقراطي؛ بحيث يتم الاستفادة من طاقة الإسلاميين وقدراتهم التنظيمية والسياسية في دفع باقي القوى السياسية نحو التطور والمراجعة الفكرية والسياسية، حتى يمكنهم منافسة القوى الإسلامية المعتدلة.

هل تتحول جماعة الإخوان إلى حزب سياسي؟ وهل يقبل الإخوان بالآخر لو كان شيوعيًّا أو ليبراليًّا دون استخدام المرجعية الإسلامية التي يستندون إليها ضد باقي الاتجاهات العلمانية، ودون النظر إلى مَن يخالفهم الرأي على أنهم مارقون مخالفون للإسلام؟ وهل يقبل الإخوان أن تمثل مرجعيتهم الإسلامية فهمَهم للدين وليس الدين نفسه؟!

يبدأ الشوبكي "برفض تصور بناء مشروع ديمقراطي حقيقي دون امتلاك رؤية لدمج حركات الإسلام السياسي السلمي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي بات دمجها في الحياة العامة يعني عودةَ الروح لقُوى المجتمع والشارع السياسي- بما فيها الحزب الوطني الحاكم- التي ستحرص على أن تطوِّر من خطابها وأن تجنِّد أفضل العناصر السياسية لمواجهة الكادر الإخواني النشط في الشارع السياسي".

وفي كتاب آخر بعنوان "أزمة الإخوان المسلمين" الصادر عام ٢٠٠٩ عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بتمويل من مؤسسة فريدريش إيبرت، يحلل فيه الشوبكي إشكاليات دمج الإخوان في المعادلة السياسية وذلك في الفصل الثاني، متحدثًا عن "الإخوان المسلمين بين مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل"، حيث ذكر الشوبكي "سيظل الحديث عن فرص دمج الإخوان في المعادلة السياسية المصرية، أمرًا مؤجلًا طالما استمر الصدام بين الجماعة والسلطة القائمة مستمرًا، وسيبقي من الصعب حل مشكلة الإخوان التاريخية دون البحث في وسائل دمجها في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي تنجح في تحويلها إلى تنظيم سياسي يحترم الدستور والقانون المدني، وينفصل بصورة كاملة عن الجماعة الدعوية".

ويكمل الشوبكي "لقد عاشت الجماعة عمرا مديدا تجاوز الـ ٨٠ عامًا، وعرفت حياة داخلية مليئة بالتنوع الجيلي والفكري، وامتلكت مرجعية فكرية وسياسية مرنة سمحت لها أن تمتلك تصورًا شاملًا وعامًا للإسلام يسمح للإخوان أن يكونوا سياسيين إذا أرادوا، وأن يكونوا دعاة فقط للأخلاق الحميدة إذا أحبوا، وأن يكونوا شيوخا علي منابر المساجد أو نوابًا تحت قبة البرلمان، وأن يكونوا صوفيين وان يكونوا أحيانًا ثوارًا، وأن يكون بين قادتهم القاضي المحافظ حسن الهضيبي والمناضل الثوري سيد قطب".

هكذا يرى الشوبكي التنظيم الإرهابي، ولا تتعجب عزيزي القارئ، فهو ليس إخوانًيا ولكنه باحثً، فهكذا يرى الباحث الأكاديمي الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون التنظيم الذي تعارفنا عليه جميعًا كعقل جمعي للمصريين تنظيمًا إرهابيًا، يراه سيادته تنظيمًا مرنًا مليئًا بالتنوع الفكري والجيلي، ويملك المرجعية الفكرية والسياسية المرنة التي تمكنه من الشمولية المدعومة بالأخلاق، ما يؤهلهم لشغل كافة المناصب بدءًا من إعتلاء المنابر وصولًا لتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان، وهم في ذلك ينهجون المنهج الصوفي أحيانًا وفقًا لفهمهم للصوفية وأحيانًا المنهج الثوري، ويكفي التنظيم فخرًا أن يكون من قادته القاضي المحافظ حسن الهضيبي والمناضل الثوري سيد قطب. ودعونا نتوقف عند المناضل الثوري، كيف لباحث أكاديمي أن يزيف الوعي في دراسة أكاديمية لهذا الحد؟، وكيف يسمح بتداولها حتى الآن؟، قسمًا بالله لو كتب سيد قطب نفسه للدعاية عن التنظيم الإرهابي لن يكتب أفضل من هذه الفقرة.

ويحلل الشوبكي " الحقيقة أن علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة السياسية هي علاقة شائكة منذ تأسيس الجماعة علي يد الراحل حسن البنا عام ١٩٢٨، وحتى الآن، فعرفت الجماعة مراحل هدوء ومواجهة وسلم وعنف، وبقي كلاهما مستمرين لا الإخوان اختفوا ولا السلطة سقطت، وصار من المهم البحث عن وسائل سياسية تساعد على حل معضلة علاقة الإخوان بالنظم السياسية القائمة، يمكن البناء عليها في عصر آخر قادر علي بناء مجال مدني للمنافسة السياسية يحل مكان المواجهة الأمنية الرائجة حاليا".

ويضيف الشوبكي "إجمالا ظلت علاقة الإخوان في أغلب الفترات علاقة صراعية مع النظم القائمة وخاصة النظم الجمهورية، فتم اقصاؤهم بقسوة في عصر عبد الناصر بعد محاولة فردية من بعض عناصر الجماعة لاغتياله عام ١٩٥٤، وتم القضاء علي تنظيم سيد قطب باعتقالات ١٩٦٥، وتصالح الرئيس السادات جزئيا مع الاخوان ولكنه عاد واستبعدهم مع اعتقالات ١٩٨١".
يا للعجب يا دكتور تراه إقصاءً بقسوة في عصر عبدالناصر نتيجة محاولة عناصر فردية من الجماعة اغتياله، دعني أتساءل عن مصادرك المرجعية لأنه من الواضح أنها الوثائق السرية للمناضل الثوري سيد قطب.

ويضيف الشوبكي " أدت سياسة مبارك إلى وضع الإخوان هدف الحفاظ علي وحدة الجماعة، كقيمة عليا في حد ذاتها يجب الدفاع عنها، وباتت الدولة أيضا وكأنها ليست ضد هذه القيمة بشرط ألا تتجاوز في نشاطها وفاعليتها التنظيمية الخطوط الحمراء، بشكل يؤدي إلى تهديدها النظام القائم، وهذا ما جعل هدف الاستبعاد الحالي للجماعة ذا طابع إقصائي وليس استئصاليًا، أي اقصاؤها بقدر الإمكان من المجال العام خاصة البرلمان، دون العمل علي استئصال كيان الجماعة".

وفي عام ٢٠١٠ في اطار التمهيد لدور الاخوان اصدر الشوبكي كتابا بعنوان: "الإخوان المسلمون من الجذور حتى اليوم"، عن دار نشر كارتالا الفرنسية أوضح فيه أنه ليس أول من يعالج هذا الموضوع، فثمة من قام بذلك في مؤلفات تفاوتت وفقًا له بين من درس الظاهرة باعتبارها تنتمي لعالم ثقافي محدد ومغلق على نفسه، ودراسات سعت لمقاومة هذا التوجه في التناول الذي ترى أنه يجر الظاهرة إلى الظلامية والاغتراب.

ويضيف أنه نادرًا ما تسعى بعض الدراسات إلى معالجة المسألة الإسلامية باعتبارها ظاهرة اجتماعية – سياسية تعتبر جزءا من الحياة السياسية وعملية التطور الديمقراطي التي عرفتها عددًا من البلدان العربية الإسلامية. لكن دراسة د.عمرو الشوبكى مختلفة دون شك، لأنها تبنى مدخلًا ذا توجه نظري متعدد، يأخذ في الحسبان العامل الديني / المقدس، والعامل الثقافي والسياق الاقتصادي والاجتماعي السائد. الدكتور الباحث يرصد هنا ظاهرة تنظيم الإخوان الإرهابي فى نشأتها وتطورها، ويبحث فيها عن السؤال الجوهري المرتبط بـ«دمقرطة الإخوان»، وهل يمكن أن تصبح حزبًا ديمقراطيًا يندمج في الإطار السياسي المؤسسي المتاح.

لكن السؤال الأساسي الذي انطلق منه «الشوبكى» في كتابه الذي توزعه دار نشر العين بمعرض الكتاب هو: هل توجد علاقة سببية بين ظهور التيار الإسلامي في مصر وفى الدول العربية الإسلامية وثقافة تلك المجتمعات؟ أي هل كان ذلك سببًا للأزمات الاجتماعية الموروثة ضمن سياق ثقافي له سمات محددة؟
ويتركز تميز هذا الكتاب في أنه تجاوز السائد في الدراسات التي عالجت هذا السؤال، تلك التي خلطت بين الأسباب التي سهلت ظهور هذا التيار، وتلك التي سهلت تطوره أو كبحه. وعلى هذا الأساس ناقش د. الشوبكى عددًا من النقاط الأساسية أبرزها الثوابت والمتغيرات في خطاب الإخوان عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، مرحلة التأسيس منذ النشأة في ظل النظام الملكي حتى عام 1948، مع اغتيال النقراشي باشا. ويصفها الكتاب بالمرحلة الإصلاحية الدينية حيث تبنى الإخوان رؤية المرشد المؤسس الأستاذ «حسن البنا»، ورغم ذلك فقد كانت ذات طابع سياسي أيضا. فكانت الجماعة فى تلك الفترة تستخدم آليات التجنيد، بهدف الإيحاء باستبعاد البرامج السياسية والإبقاء أو التركيز على العمل الدعوى الديني والأخلاقي. لكن اشتراك الجماعة في حرب فلسطين 1948 أعقبه مجموعة من التحولات الكبرى في المنطقة العربية، أدت إلى تحول التنظيم إلى العمل العسكري، تحت ما يسمى بـ «التنظيم الخاص». وكما يذكر الكتاب، فقد كانت نقطة التحول البارزة في تاريخ الإخوان تتمثل في اغتيال رئيس الوزراء المصري في تلك الفترة «النقراشي باشا»، على يد أحد أعضاء هذا التنظيم.

المرحلة الثانية، أعقبت قيام ثورة يوليو 1952، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وفيها اصطدم الإخوان بشدة مع النظام الناصري، وتحولوا إلى جماعة محظورة بعد قرار حل الجماعة الذي أعقب المحاولة الفاشلة لاغتيال عبد الناصر عام 1954 على يد عناصر التنظيم الخاص. ويؤكد الكتاب أن هذا السياق السياسي والاجتماعي ساعد على تحول الإخوان إلى الراديكالية، التي دشنت مرحلة من المواجهة العنيفة مع الدولة.

ثم تأتى المرحلة الثالثة، وهى حسب مسمى الشوبكى مرحلة «إخوان الانفتاح» وتبدأ- حسبه- بعد اغتيال السادات حيث بدأوا يتجاوزون بشكل أو بآخر «نموذج الانغلاق الأيديولوجي والسياسي الخاص بسيد قطب الذي تبنوه في مرحلتهم السابقة وشرعوا في العمل الدعوي والسياسي والاجتماعى المستند أساسًا إلى خطاب إخوان الفترة الأولى في الثلاثينيات والأربعينيات. وفى تلك الفترة شارك الإخوان في الانتخابات التشريعية لعامي 1984 و1987، كما شاركوا في انتخابات النقابات المهنية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. كما انفصل عدد من أعضاء الجماعة عن التنظيم الأم، معلنين عن رغبتهم في تأسيس حزب سياسي جديد هو حزب «الوسط» المنتظر حتى الآن الترخيص للعمل.

ما مدى طبيعة التغيير فى خطاب الإخوان المسلمين، وهل كرس الانفتاح الديمقراطي، واستيعاب قواعد التعددية السياسية، أم انه يمثل تغيرًا يتحرك في الاتجاه المعاكس، نحو الانغلاق على الذات ورفض الديمقراطية والتعددية؟ سؤال أساسي يناقشه الكتاب أيضًا. ويخلص فيه د. الشوبكى، إلى أنه من الصعب الإقرار بأن الإخوان المسلمين قد قبلوا بالديمقراطية كقيمة وكنظام سياسي حاكم، على الرغم من كونهم من أكبر وأهم القوى السياسية المصرية الذين انفتحوا ديمقراطيًا، وتطوروا باتجاه احترام آليات الديمقراطية وأصول اللعبة السياسية، بالإضافة إلى كونهم من أكفأ التيارات على المستوى التنظيمي.

أيضا، يؤكد الكاتب على أن موقف الإخوان من قضية الديمقراطية تغير على مدار التاريخ، ففى عقد الثلاثينيات، كان يتم تجاهل إغفال قضية الديمقراطية وكل المسائل الأخرى المرتبطة بها باعتبارها جزءًا من الحضارة الغربية، أو نقلًا عن القوى الاستعمارية، ولكن في سياقات أخرى قليلة، كانت الجماعة تعترف بالديمقراطية كآلية للعمل السياسي يمكن اعتمادها بشكل محدود، باستثناء عقدي الخمسينيات والستينيات، فلم يكن لقضايا الديمقراطية مساحة كافية في الأدبيات «الثورية» التي اعتمد عليها فكر الإخوان في تلك الفترة. ويوضح د. الشوبكي أنه منذ الثمانينيات وحتى الآن، أبدت الجماعة اهتمامًا كبيرًا بقضايا احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. وهو ما يؤكد فرضية أراد أن يثبتها تقول ان السياقات الاجتماعية والسياسية المحيطة بالجماعة تؤدى إلى انفتاح الجماعة على القوى السياسية الأخرى وعلى قيم الديمقراطية أحيانًا، أو إلى انغلاقها وميلها إلى الراديكالية في أحيان أخرى.

ويرى في هذا الصدد: «أن دمج الإخوان المسلمون فى عملية «الدمقرطة» يمثل ليس فقط حلاً لإشكالية تاريخية تعود لأكثر من 75 عامًا، لكنه أيضًا وسيلة لدمج قطاع كبير من السكان المصريين في هذه العملية، وفيما ينتج عنها من آليات عبر تحول ديمقراطى شامل للتنظيم الأم ولتنظيماته الداخلية مثل المشاركة الإيجابية في الانتخابات، والمشاركة في العملية السياسية، واحترام نتائج التصويت. وبالتالي فإن تحديث تيار الإسلام السياسي السلمي سيكون من شأنه في الواقع دفع القوى السياسية الكبرى في مصر وفى العالم العربي نحو تبنى قواعد ومفاهيم ديمقراطية».

من أهم إنجازات هذه الدراسة أيضاً مناقشتها لموقف النظام المصري من نشاط الإخوان المسلمين، فتوضح أن النظام عندما لم يفلح في كبح نشاط الجماعة البرلماني والنقابي واجههم بالأمن، وليس بشكل سياسي عبر الحزب الوطني الحاكم. لم تسلم الجماعة إذن من البطش فتعرضت لموجات واسعة من الاعتقالات والمحاكمات العسكرية. و يبرر د. الشوبكي ذلك بأن النظام مدرك لحقيقة أنه شبه عاجز عن إفراز قيادات أو كوادر تتمتع بشعبية في الشارع المصري على العكس من مرشحي الإخوان في الانتخابات النقابية أو البرلمانية، من المعروفين بالنزاهة والقدرات السياسية العالية. وحسب قوله فإن العلاقة غير المستقرة بين الإخوان والنظام المصري تبدو وكأنها «تترجم عدم استقرار في علاقة النظام بالديمقراطية وبالمسائل المتعلقة بالإصلاح السياسي». إقصاء الإخوان المسلمين من المشهد السياسى يُترجم أيضاً «مواصلة تقييد حرية الرأي والتعبير ولكن أيضًا وبوجه خاص استمرار عجز النظام في طرح كوادر إعلامية وسياسية قادرة على مواجهة الإخوان المسلمين في انتخابات ديمقراطية».

ويضع الشوبكي أربعة سيناريوهات يتصور أنها ستحدد مستقبل الجماعة.

أولها سيناريو استمرار الوضع القائم. وهو يقول ببقاء الجماعة كما هي، دينية سياسية، تجند أعضاءها على أسس دينية. وهذا السيناريو سيستمر أثناء حكم الرئيس حسني مبارك «وسيبقى المدخل الأمني والإداري المدعوم بحملات التشويه هو السلاح المشهر في وجه الإخوان وستبقى لغة العموميات وصورة الإخواني المظلوم ضحية النظم الاستبدادية هما سلاح الإخوان في مواجهة السلطة».

أما السيناريو الثاني فهو «الفوضى غير الخلاقة». وهو يتنبأ بأن الأوضاع في مصر تتجه نحو مزيد من التدهور بما يؤدي إلى انتشار حالة من الفوضى تستغلها بعض القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان للانقضاض على السلطة. هذا السيناريو بحسب الشوبكي يظل أضعف السيناريوهات من حيث فرص التحقق وهو يبرر ذلك بأن «الإخوان لا يسعون بأي صورة من الصور إلى الانقضاض على السلطة»، لأنهم يرغبون في أن يظلوا «أسطورة ملهمة للأجيال المقبلة».
أسطورة ملهمة يا معالي الدكتور، هل حقيقة تستوعب ما خطته يدك؟، أي إلهام تتحدث وسط سلسال الدم والحرق الذي لم ينقطع، والذي كنت تكتب لتمهد لهم لتمكينهم بمزيد من الفوضى الخلاقة الملهمة، ولكنك اخترت عنوان الفوضى غير الخلاقة كي تبتعد عن توصيف كوندليزا رايس لما خُطط من أحداث عانت منها المنطقة العربية منذ 2011 وحتى اليوم لتمكين تنظيمك الأسطورة.

ثالث السيناريوهات يقول بحدوث دمج جزئي وقانوني لبعض تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها حزب الوسط، وخطوة كهذه ستهدف في الأساس إلى إضعاف الجماعة الأكبر سياسيا وتنظيميا.

أما السيناريو الرابع فهو الأكثر مثالية، وهو يتحدث عن دمج كامل للإخوان في عملية الإصلاح الديمقراطي بما يؤدي لظهور تيار «إسلامي ديمقراطي». ويعتبر الشوبكي أن هذا «السيناريو هو المثالي للتطور الديمقراطي في مصر، أي سيناريو الانتقال الهادئ من نظام تسلطي، إلى نظام ديمقراطي».
ويخلص الشوبكي في دراسته إلى أنه «لا يمكن تصور بناء مشروع ديمقراطي حقيقي من دون امتلاك رؤية إدماجية لحركات الإسلام السياسي السلمي، فدمج الإخوان يعني دمج السياسة في الحياة العامة وعودة الروح إلى بقية الأحزاب المدنية بما فيها الحزب الوطني».

وفي مقال له بالمصري اليوم في ٢ نوفمبر ٢٠١٠، كتب الشوبكي عن اعتقالات الإخوان وجاء نص المقال كالآتي: "عادت أجهزة الأمن المصرية وألقت القبض على ١٥ من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، بينهم الدكتور محمود عزت، نائب مرشد الجماعة، والدكتور عصام العريان، والدكتور عبدالرحمن البر، عضوا مكتب الإرشاد، كما شملت قائمة المعتقلين مجموعة من القيادات الوسيطة للجماعة في القاهرة، والجيزة، والشرقية، وأسيوط، والإسكندرية، والغربية".

"وبدت هذه الحملة هي الأقوى التي تعرض لها الإخوان طوال عهد الرئيس مبارك من زاوية استهدافها لثلاثة قيادات في مكتب الإرشاد بينهم نائب مرشد الجماعة، وأعقبت حديثًا تصالحيًا للمرشد الجديد تجاه النظام القائم عبر فيه عن استعداده لقبول التوريث في حال إذا جاء بوسائل ديمقراطية، وتحدث عن أن دور الإخوان هو النصح والإرشاد، وأنهم لا يعارضون بغرض المعارضة، ودعا الحكم للحوار معهم وأدان حوادث العنف الطائفي".

"والمفارقة أن هذه الاعتقالات جاءت في أعقاب سيطرة التيار الدعوى المحافظ على مفاصل الجماعة، واستبعاد من تبقى من رموز التيار الإصلاحي بعد انتخابات شكك كثيرون داخل الإخوان وخارجها في نزاهتها، وبعد أن خرجت مؤشرات تقول إن الإخوان لن ينخرطوا في العملية السياسية ولن يحرصوا على المشاركة بقوة في الانتخابات التشريعية، خاصة بعد أن راجت فكرة داخلهم تقول إنهم دفعوا ما يزيد على خمسة آلاف معتقل بسبب نشاطهم السياسى والبرلماني، وإنه حان الوقت لكي يعودوا إلى بناء التنظيم والنشاط الدعوى".

"ولم يشفع هذا الانسحاب الجزئي للجماعة من ساحة العمل السياسي، عند الحكم من توجيه ضربة أمنية جديدة تكرس خيار «الأمن فوق الجميع» كوسيلة وحيدة للتعامل مع أي تيار سياسي منظم بصرف النظر عن توجهه السياسي: إصلاحي أو محافظ، ديمقراطي أو غير ديمقراطي".

والمؤكد أن هذه الاعتقالات التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين ليست جديدة، ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، وهى تأتى في إطار استراتيجية أمنية محكمة تقوم على «المواجهة المحسوبة» التي تستهدف إضعاف الجماعة وربما إخراجها من المجال السياسي دون الوصول إلى الاستبعاد الكامل من المجال العام، أو تفكيك التنظيم وإنهاء وجوده عبر الدخول في مواجهة استئصالية تكلفتها باهظة ونتائجها غير مضمونة، خاصة في ظل اتباع الحكم استراتيجية تقوم على تجاهل مطالب المعارضة وتركها تتحرك في بيئة مليئة بالفخاخ ويغيب عنها أي معايير قانونية أو سياسية فتضطر أن تخطئ حتى لو لم تكن ترغب أو تنشق على نفسها إذا نما عودها أو خرجت عن الطوع، لأنه لا توجد قاعدة قانونية تحكم العملية السياسية، وحركة الأحزاب إنما مناخ عشوائي فيه كثير من الفوضى وقليل من القواعد.

ومن هنا فإن استراتيجية «المواجهة المحسوبة» تأتى بالضبط على مقاس حالة الجمود والفشل السياسي الذي تعانى منه مصر، فهي «تلصم» الأوضاع القائمة وترحل المشاكل إلى حين فرج الله، وتقضى على أي فرصة أمام تطور التيارات الشابة والإصلاحية داخل جماعة الإخوان المسلمين وباقي القوى السياسية في اتجاه مزيد من الانفتاح الديمقراطى والمدني، لأن الرسالة واضحة: مهما فعلتم، وسواء كنتم إصلاحيين أو محافظين، ديمقراطيين أو ظلاميين، جهلاء أو متعلمين فالنتيجة واحدة أنه ليس هناك أى أمل أو أفق للإصلاح عبر العمل السياسي المنظم.

ستظل مسئولية النظام السياسي عن حالة الفشل والتعثر التى أصابت كل القوى السياسية المصرية مؤكدة، وسيظل اعتماد الخيار الأمني كخيار وحيد للتعامل مع أي تيار سياسي خيارًا فاشلًا لا يبنى أمة ولا يصنع مستقبلًا، وأنه لا بديل لحل معضلة الإخوان التاريخية، إلا بفتح أفق سياسي أمام تيار بداخلها للقيام بعملية جراحية تفصل بين الدعوي والسياسي وتؤسس لحزب مدني، مازال الإخوان لا يرغبون في ظهوره ولا يحتملون حتى الآن استحقاقاته، تماما مثل الحكومة التي ليست لديها ساحة للعمل السياسي والديمقراطي تشجع أحداً على الدخول فيها".


٢- مرحلة ما بعد ٢٠١١ والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وصولا إلي ٣٠ يونيو ٢٠١٣

عمرو الشوبكى، الذي يطرح عددًا من علامات الاستفهام حوله بسبب مواقفه السابقة قبل ثورة ٣٠ يونيو الشعبية العظيمة وبعدها، والتي جعلت البعض يؤكد وجود تحالف سرى بينه وبين ذلك التنظيم الإرهابي نظرًا لمواقفه غير الرافضة للتنظيم، بل المطالبة بوجود إصلاحات داخله، حتى يكون قادرًا على الاندماج داخل الوطن والعودة إلى المشهد مرة أخرى، رغم عزله شعبيًا بثورة عارمة في ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣، لم يعترف بها الشوبكي في بدايتها، ورأى أن الإخواني المعزول مرسي في كلمة له بواشنطن تداولتها اللجان الإخوانية الإلكترونية تمت الإطاحة به بطريقة غير شرعية!
لم يكتف الشوبكي بإظهار تعاطف واضح مع الإخوان ورئيسهم المعزول محمد مرسي، بل شن أيضًا هجومًا شرسًا على النظام المصري الحالي بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، متهمًا إياه في تصريحات صحفية له، بأنه يحكم مصر على شاكلة الفترة الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، في إشارة منه إلى عودة دولة الفساد وعودة رجال الحزب الوطنى المنحل.

علامات استفهام كثيرة حول العلاقة السرية بين الإخوان والشوبكي، للإجابة عنها يجب العودة خطوات إلى الماضي وبالتحديد يوم إعلان فوز «الشوبكى» بمقعد مجلس الشعب على منافسه الإخوانى عمرو دراج- وزير التخطيط والتعاون الدولى الأسبق في حكومة الإخوان-، فبدلًا من أن يقوم الإخوان بالهجوم على الشوبكي بسبب نجاحه على حساب مرشحهم كما اعتادوا دائما أن يفعلوا في كل الانتخابات التي يخسرون فيها، وقتها رفعوا الشوبكي على الأعناق وحرصوا على أن يلتقطوا الصور التذكارية له هو وعمرو دراج معًا، وسط شعارات صاخبة يرددها الإخوان وهى «سيبكوا بقى من اللى فات.. الشوبكى ودراج إخوان».

في مقال له في ١٦ فبراير ٢٠١٢، بعنوان "الدولة والثورة" ذكر الشوبكي نصًا: "هي إشكالية قديمة منذ أن عرف العالم ثورات كبرى سقط فيها النظام السياسي والدولة معًا، فكانت هناك مدرسة في الفكر السياسي تعتبر الدولة أداة للقمع ودعت لتفكيكها وبنائها على أسس جديدة، كما جرى في الأدبيات الشيوعية بتنوعاتها المختلفة، وبقي موضوع إسقاط الدولة وإعادة بنائها جزءًا من مشروع الثورتين الشيوعية في روسيا ١٩١٧، والإيرانية عام ١٩٧٩، وغيرهما من التجارب الثورية الأخرى.

ولعل معضلة تفكيك الدولة في النظم السياسية ترجع إلى كون التجارب التي نجحت في تفكيكها اضطرت إلى إعادة بنائها مرة أخرى على أسس قمعية وغير ديمقراطية، بل إن تجربة الثورة الشيوعية في روسيا اضطرت في لحظة إلى أن تنحاز لفكرة بناء الدولة والثورة في بلد واحد، والتي تبناها لينين «قائد الثورة» في مواجهة فكرة رفيقه تروتسكى عن الثورة الدائمة، التي يجب ألا تتقيد بروسيا، والتي ظلت حلماً ملهمًا أكثر منها مشروع حكم وإدارة دولة.

والمؤكد أن نجاح أي ثورة في تفكيك الدولة لا يرجع فقط إلى وجود رؤية ثورية تدعو إلى ذلك، إنما أيضا إلى وجود مشروع ثوري قادر على تحمل الثمن الباهظ لخطوة إسقاط الدولة، فالثورة البلشفية في روسيا عرفت حرباً أهلية ضروسًا بين الجيش الشيوعي الأحمر والجيش الأبيض الموالى للقيصر، حتى انتصر الأول وسقط مئات الآلاف من الضحايا في هذه الحرب، كما أن آخر الثورات التي أسقطت الدولة، وهى الثورة الإيرانية في عام ١٩٧٩، شارك فيها ٦ ملايين مواطن «من أصل ٣٠ مليونًا»، وسقط فيها نحو ٧٠ ألف شهيد، وأعدمت ما يقرب من ٦٠ ألف شخص من عملاء النظام السابق، وكان يقودها زعيم ملهم هو الإمام الراحل آية الله الخوميني، وامتلكت مشروعاً أيديولوجياً بديلًا أسس ما عرف بـ«الجمهورية الإسلامية»، وهى أمور بعيدة عما جرى في الثورة المصرية، أما الثورة في ليبيا فمن الصعب أن نعتبر القذافي قد بنى دولة من الأساس «لا جيش محترفًا ولا قضاء ولا إدارة»، وبالتالي كان سقوط النظام يعنى عمليًا سقوط الدولة.

إن رحلة هدم الدولة في إيران وإعادة بنائها من جديد أدت إلى إقصاء كثير من القوى التي شاركت في صنع الثورة ولم تنجح تجربة ثورية واحدة من التجارب التي أسقطت الدولة في أن تبني نظامًا ديمقراطيًا، بدءًا من سلسلة الثورات الشيوعية حتى الثورة الإيرانية، فمعظم رفاق الأمس كانوا حلفاء حين كانت الثورة في الشارع، وتحولوا إلى أعداء خوّنوا بعضهم البعض بعد أن أسقطت الثورة الدولة ووصلت للحكم وشرعت في بناء نظام «ثوري» جديد.

إن الفرق بين الثورة التي تسقط النظام السياسي والدولة معا، وتلك التي تسقط الأول وتصلح الثانية، هو فرق فكري وسياسي كبير، فالأولى ليس لها حدود، فتسقط النظام ثم تسقط الدولة وتؤسس على أنقاضها «دولة الثورة»، التي تطهر نفسها من «دنس» النظام القديم والبشر القدامى، فتؤسس الجيش الثوري، «القذافي وصف جيشه بالثوري، لذا انهار بعد أسبوع» والقضاء الثوري والشرطة الثورية، وعادة ما يحل الثوار مكان رجال الدولة المهنيين والفاسدين على السواء، فتجد الميليشيات الثورية مكان رجال الشرطة، والقضاة الثوريين مكان القضاة المحترفين، بحثا عن نقاء مفقود لم تجلبه أي تجربة ثورية واحدة سارت في هذا الطريق.

والحقيقة أن علاقة الثورة المصرية بالدولة هي علاقة صعبة ومعقدة، فرغم أنه لا يوجد مشروع سياسي مؤثر راغب أو قادر على إسقاطها، «حتى لو وجدت مدرسة محدودة للغاية تطالب بذلك»، إلا أنها ستظل مهددة بسبب أن خبرة عموم المصريين مع مؤسسات الدولة «باستثناء الجيش» هي خبرة سلبية، فالشرطة والجهاز الإداري، وأحيانا القضاء، خضعت بدرجات متفاوتة لتأثير السلطة التنفيذية وهيمنتها، بل إن الأخيرة كثيراً ما طوعت الأجهزة الأمنية لصالح بقائها الطويل في السلطة، حتى غاب الفارق بين الدولة والنظام السياسي، واختفى معه الحياد المطلوب في هذه الأجهزة مما دفع بالبعض إلى أن يطالب بإسقاط الداخلية مثلما طالب بإسقاط النظام، لأنهما على الأرض كانا شيئًا واحدًا بالنسبة له.

والحقيقة أن حل هذه المعضلة يبدأ باستلهام التجارب سابقة الذكر فى إسقاط النظام وإصلاح الدولة، أو ما عرف فى كل تجارب التحول الديمقراطى الناجحة بـ«الإصلاح المؤسسى»، والذي تتم فيه إعادة هيكلة المؤسسات العامة على أسس جديدة تختلف جذريًا عن تلك التي كانت موجودة في العهد السابق، وعدم الاكتفاء بتغيير أشخاص أو إحداث بعض الرتوش الشكلية.

إن نجاح أي تجربة تغيير فى العالم لا يقاس فقط بمدى ثورية الفعل السياسي، إنما بالمسار الذي ستتبعه هذه التجربة بعد الثورة أو الانتفاضة، فإذا نجحت فى بناء مؤسسات وقواعد جديدة تفكك بها أركان النظام القديم، فسيكون ذلك بداية النجاح، أما إذا بقيت محكومة بالقواعد والمؤسسات القديمة نفسها وغنّى الجميع، بمن فيهم رجال النظام القديم، للثورة الجديدة، فإن الأمر سيعنى أننا «محلك سر».

إن خطر سقوط الدولة لا يزال بعيداً عن مصر، إنما خطر أن نعيش في ظل دولة فاشلة هو خطر حقيقي وحال، مثلما هو حادث مع كثير من دول العالم الثالث، فرغم أنه لا يوجد مشروع سياسي حقيقي يرغب أو قادر على إسقاط الدولة، ولا يوجد أي تعاطف شعبي مع أي أفكار متناثرة تدعو إلى إسقاطها، ودون إجراء إصلاحات حقيقية في بنية هذه الدولة، فإن الوضع في مصر لن يتقدم كثيراً عن الوضع الذي ساد في العصور غير الديمقراطية السابقة".

أي ان د. الشوبكي يرى في الخوميني زعيمًا ملهمًا، وهو لديه القناعة أنه لا حل أمام الثورة إلا هدم الدولة، لكي لا نكرر أخطاء التجارب الثورية الملهمة السابقة وعلى رأسها الثورة الإيرانية، ولكنه لم يستطع أن ينص على قناعته تلك صراحة، غير أنه ظل يلف ويدور حول هذه الفكرة لكي يرسخها.

في ١٤ نوفمبر عام ٢٠١٢ في مؤتمر أعضاء هيئة التدريس بالإسكندرية والذي يعرف باسم «مستقبل التحول الديمقراطى في مصر»، نفى الشوبكى أن يكون الإخوان نجحوا بالزيت والسكر سواء في الانتخابات البرلمانية بعد ثورة يناير أو الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس المعزول محمد مرسي، مؤكدا أن نجاحهم هذا كان لأنهم الجماعة الأكثر تنظيما في مصر.

٣- المواقف تجاه الدولة بعد ٣٠ يونيو

وفي مقال له بعد ٣٠ يونيو في المصري اليوم، ذكر الشوبكي: "إن الانتفاضة (وليس ثورة 30 يونيو) على حكم الإخوان تمت عبر تحالف عريض ضم منتمين للحزب الوطنى الديمقراطى، وأحزابا سياسية مدنية معارضة لـ«مبارك والإخوان» من حزب الوفد، مرورًا بأحزاب المصري الاجتماعي الديمقراطي، والدستور، والمصريين الأحرار".

وتابع في المقال نفسه أيضًا: "تشكيلة سياسية متنوعة المشارب والاتجاهات صنعت 30 يونيو، صحيح أن الأجهزة السيادية لعبت دورًا في توجيه بعض حركات التمرد السياسي على الإخوان، إلا أن جوهر مشهد 30 يونيو كان يقول إن قطاعًا غالبًا من الشعب المصري لفظ حكم الإخوان، وإن كل القوى المدنية والديمقراطية سعت لإسقاط حكمهم حتى لو اختلفوا في الطريقة بين أغلبية ساحقة أيدت تدخل الجيش في 3 يوليو وقلة عارضته".

وأضاف: "أنه لولا الملايين التي نزلت في الشوارع في مواجهة الإخوان، ولولا إجماع القوى المدنية على ضرورة إسقاط حكمهم، لما استطاع وزير الدفاع، في ذلك الوقت، عبدالفتاح السيسى، تحريك قواته في الشوارع والسيطرة على المواقع الحيوية ثم إلقاء بيانه الشهير في 3 يوليو بحضور رموز من القوى المدنية والدينية".

أي ان د. الشوبكي لا يعترف بثورة الشعب ويراها انتفاضة أدارتها الأجهزة الأمنية السيادية، وأن بيان 3 يوليو مثل انقلابًا عسكريًا تمكن خلاله وزير الدفاع من بسط سيطرته بعد استغلال الحراك الجماهيري، وخداع قوى المجتمع المدني، وهي السردية ذاتها التي ترددها لجان الجماعة ومناصروها من المتلونين من القوى السياسية المختلفة، استغلالًا لعدم معرفة الشعب بحقيقة إرتباطاتهم.

وكتب الشوبكي لمؤسسة كارنيجي بتاريخ ١ أغسطس ٢٠١٣، تقريرًا عن ما حدث في مصر يعبر عن رفضه لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، مؤكدًا فيه أن مرسي فشل بسبب رفض الدولة العميقة له حيث ذكر الشوبكي في تقريره لم يسقط حكم الرئيس مرسي، بعد عام قضاهُ في السلطة، نتيجة سلسلةٍ من الأخطاء السياسية الجسيمة وحسب، بل أيضًا نتيجة رفض الدولة للكيان المُسمّى بجماعة الإخوان المسلمين، الذي ظلّ لما يقرب من 85 عاماً خارج دوائر الحكم، وكانت ترتاب منه مؤسسات الدولة وواجهَته مرات عدة.

الواقع أن معضلة حكم الإخوان الرئيسة هي أنهم لم يستوعبوا طبيعة اللحظة التي انتقلوا فيها من المعارضة إلى الحكم، وظلّوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحية مؤامرات الدولة العميقة والإعلام والقوى الخارجية، ولم ينظروا إلى أداء الجماعة في السلطة وصورتها لدى قطاع واسع من المصريين.
وإلى النص:

30 يونيو: انتفاضة شعبية وتدخّلٌ للجيش
 

«يمكن اعتبار ما جرى في 30 يونيو أقلّ من ثورة وأكبر من تظاهرة. فهو أقرب إلى انتفاضة شعبية واسعة طالَت معظم المدن المصرية ولاسيما القاهرة، التي شهدت خروجًا غير مسبوق لملايين الناس، فاقوا في عددهم المشاركين في ثورة 25 يناير، وخصوصاً في يوم 30 يونيو.

وقد أصدر الجيش فور اندلاع الاحتجاجات بيانًا أمهل فيه جميع الأطراف 48 ساعةً لحلّ مشكلات البلاد. ومع استمرار الاحتجاجات، أعلن الجيش في 3 يوليو عزل مرسي وطرح خريطة طريق جديدة لحكم البلاد تتمثّل في تعيين رئيس انتقالي (رئيس المحكمة الدستورية العليا)، ووضع دستور جديد، ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

والمؤكّد أن الجيش تدخّل بصورة أكبر من جماعة ضغطٍ كما جرى في بعض التجارب، وأقل من انقلاب عسكري خشن. وقد تحرّك بصورة أسرع مما توقّع كثيرون، فلم ينتظر أن تسيل الدماء ويسقط آلاف القتلى حتى يتدخّل ويزيح مرسي عن الحكم.

لاشك أن فكرة الانقلاب الناعم تقوم على أن تدخّل الجيش لا يكون بغرض الحكم المباشر، وإزاحة مَن في الحكم لصالح قادته، مثلما جرى مع الضباط الأحرار في ثورة يوليو، حين أطاحوا بالنظام الملكي وأسّسوا بقيادة عبد الناصر النظام الجمهوري الجديد. أما هذه المرة، فأعاد الجيش بتدخّله ترتيب العملية السياسية من دون أن يحكم بشكل مباشر.

تجدر الإشارة إلى أن تركيا شهدت انقلاباً ناعماً شهيراً في 1997 ضدّ حكومة الراحل نجم الدين أربكان، مؤسِّس الحركة الإسلامية في تركيا، الذي سبق أن وصفت حزبه (الرفاة) بأنه يمثّل النسخة التركية من جماعة الإخوان المسلمين. آنذاك، ضغط الجيش من خلال مجلس الدفاع الوطني على الأحزاب المتحالفة معه للانسحاب من الحكومة التي كان يقودها أربكان، فسقطت وتم حلّ حزبه وملاحقته قضائيًا.

ومع أن الحكومة التركية لم تواجَه بتحرّكات شعبية واسعة دفعت الجيش إلى التدخّل، مثلما جرى في مصر في 30 يونيو، إلا أنها دخلت في خصومة سافرة مع الدولة والتيارات العلمانية أخافت قطاعاً واسعاً من المجتمع ومؤسسات الدولة، ففشلت بعد عامَين على تولّيها الحكم (1995-1997).

الواقع أن بيان الجيش المصري في 3 يوليو الماضي حسم الأمر بعزل مرسي من الحكم، لكنه بالتأكيد جاء بعد تحرّك شعبي غير مسبوق شهدته البلاد، وبعد حالة رفضٍ واسعةٍ لحكم جماعة الإخوان المسلمين.

لم يكن ما جرى في مصر انقلاباً تقليدياً أو خشناً، ولم يكن ثورةً مكتملةَ الأركان، بل كان خروجاً شعبياً واسعاً توافَق على خريطة طريق بديلة من دون أن يمتلك الأدوات لتنفيذها، وهنا جاء تدخّل الجيش ليقدّم الأداة المطلوبة أو جسر النجاح لهذه الملايين كي تحقّق هدفها، وهو التخلّص من حكم الإخوان.
كيف سقط الإخوان؟
معضلتان أساسيّتان ساعدتا على سقوط حكم الإخوان، الأولى تتعلّق بالطريقة التي تعاملَ بها مرسي وجماعته مع الدولة ومؤسساتها، ونظرة المجتمع لهذه الجماعة.

والحقيقة أن ما اصطُلِح على تسميته بـ"الدولة العميقة"، والذي يتمثّل أساسًا في المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء والخارجية والإعلام وجزء من الجهاز الإداري للدولة (يبلغ تعداده أكثر من 6 ملايين عامل وموظّف)، أدّى دورًا كبيرًا في رفض حكم الإخوان والمساهمة في إسقاطه.

المؤكّد أن هذه الدولة كانت مهدّدةً بعد ثورة 25 يناير، التي زلزلت كيانها ولكن لم تستطع أن تقدّم قيادة سياسية قادرة على إصلاحها لا الانتقام منها أو تفكيكها. فقد حلم بعض الثوار بسقوطها من دون أن يقدّموا بديلاً سياسيًا ومؤسسيًا قادرًا على تغيير المعادلات السائدة داخلها أو إصلاحها؛ وسعى الإخوان الى الانتقام منها بعد وصولهم إلى السلطة، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً.

وقد نسي الإخوان طوال عام من حكمهم أنهم جماعة تأتي من خارج الدولة المصرية، التي اعتادت أن تقدّم مَن يحكمون البلاد من عبد الناصر إلى مبارك، وحتى سعد زغلول، قائد ثورة 1919 ضدّ الاحتلال البريطاني، الذي شغل منصب وزير المعارف (التعليم) قبل قيادته للحركة الشعبية. ونسوا أن خبرات النجاح تقول ان أي قوى أو جماعة راديكالية تأتي من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن تتبنّى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لهذه المنظومة السياسية التي صاغت ملامحها في مصر "الدولة العميقة". ويجب ألا تبدو هذه القوى أنها ستسيطر على الحياة السياسية أو تحتكرها، وأنها ستضع الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتعادي الشرطة والقضاء والجيش، وتدخل في معارك مفتوحة مع السلطة القضائية ذات التقاليد العريقة، لا بغرض إصلاحها بل بغرض الهيمنة عليها – ولاسيما أن الجماعة أعدَّت وحلفاؤها قانوناً للسلطة القضائية يقضي بعزل 3500 قاض بعد خفض سنّ الإحالة إلى التقاعد من 70 إلى 60 عاماً، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب غالبية القضاة.

لاشك أن الدولة المصرية ليست أيديولوجية، فلا يمكن وصف الجيش المصري بأنه حامي العلمانية كنظيره التركي، بل هو جيش يشبه المجتمع في محافظته وتديّنه ومدنيّته أيضاً. كما أن بيروقراطية هذه الدولة لم تعرف حتى في عهد عبد الناصر أي توجّهات عقائدية حين ساد الخطاب الاشتراكي وظهر تنظيم طليعة الاشتراكيين الذي اخترق بعض مؤسسات الدولة. لذلك رفضت الدولة منذ اللحظة الأولى الصورة الأيديولوجية للجماعة، التي وإن لم تسعَ إلى فرض الشريعة على الدولة والمجتمع، ولم تُغيِّر شيئاً يُذكَر في القوانين المدنية، بقيت منطبعةً في الأذهان على أنها جماعة عقائدية مغلقة استفزّت الدولة والمجتمع وأثارت حفيظتهما منذ اليوم الأول لوصولها إلى الحكم.

والحقيقة أن قناعة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بأن مجرّد انتمائهم إلى الجماعة هو "جهاد في سبيل الله"، وأن الحفاظ على هذه الجماعة هو هدف وغاية في حدّ ذاته، تحوّلَت بعد وصولهم إلى السلطة إلى عنصر ضعفٍ. فهذه القناعة أصبحت عامل انغلاق وعزلت أعضاء الجماعة عن باقي أفراد المجتمع، وتحوّلت في فترة قليلة إلى عاملٍ رئيسٍ في كراهية الناس لهذا التنظيم، الذي رأوه يحرص على مصلحة أعضائه قبل المجتمع.

فضلاً عن ذلك، تحوّلت الرابطة التنظيمية والتربية الدينية لدى الجماعة إلى شعورٍ بالتمايز والتفوّق على الآخرين، فيما تحوّلت الطاقة الدينية، التي حافظت على تماسك الجماعة حين كانت في المعارضة، إلى طاقة كراهيةٍ وتحريضٍ على المنافسين والخصوم، وتسبّبت بانغلاق الجماعة وعزلها عن باقي المجتمع.

فكثيرا ما استمع الكاتب لشكاوى عشرات العاملين في الوزارات التي قادها الإخوان، عن الحلقة الضيّقة التي يحكم من خلالها هؤلاء المسئولون. فهم يجتمعون في ما بينهم في جلسات خاصة يهمس فيها الوزير الإخواني مع مستشاريه الإخوان، كما اعتادوا أن يفعلوا أثناء وجودهم في المعارضة، من دون أن يعلم الموظفون الآخرون شيئاً عن اجتماعهم الذي انتقل من الأماكن السرية للتنظيم إلى داخل الوزارة والمؤسسات الحكومية.

وقد أصرّت الجماعة بعد وصولها إلى السلطة على أن تبقى سرّية، ورفضت أن تقونن وضعها وتصبح جماعة شرعية وفق قوانين الدولة التي تحكمها، الأمر الذي عمَّقَ التصوّرَ، الذي لا يخلو من مبالغة، بأنها جماعة سرّية تحكم البلاد من وراء الستار، ولديها خطط "شريرة" لهدم الدولة والبقاء في السلطة إلى الأبد.

لقد أهدرت الجماعة الفرصة الثالثة وهي في الحكم هذه المرة لتطبع نفسها مع الدولة والمجتمع، بعد أن فشلت مرتين وهي في المعارضة، المرة الأولى في نهاية العهد الملكي، والمرة الثانية في عهد عبد الناصر. ودخلت في مواجهات عنيفة مع السلطة القائمة حتى في الفترة الليبرالية التي كانت فيها الجماعة كياناً قانونياً وعرفت نشاطاً اجتماعياً ودعوياً واسعاً. فأضاعت بذلك على مصر فرصة حقيقية لإنجاز تحوّل ديمقراطي، وتلك سابقة غير متكررة في تاريخ الحركات السياسية، التي عادةً ماتتعلّم الكثير عند وصولها إلى السلطة. فالجماعة سارت عكس الطريق الذي كان يجب أن تسير فيه بعد وصولها إلى السلطة، وأخذت البلاد كلها نحو الهاوية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى دعم المزج بين الانتفاضة الشعبية وتدخّل الجيش.

من المهم عدم النظر إلى ماجرى في مصر منذ عزل مرسي بعيداً عن الصورة التي انطبعت في أذهان كثيرٍ من الناس تجاه الجماعة، وحالة الرفض الشعبي غير المسبوقة لهذا الكيان الذي بدا في نظر الكثيرين وكأنه كيان وافد من خارج المجتمع والدولة، فخسر معركته بسهولة. وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة جراحية في فكر الجماعة وتاريخها، مراجعة لم تَقُم بها منذ تأسيسها في العام 1928 إلى الآن».

د. الشوبكي في المقال السابق، يقدم الإطار النظري اللازم الذي طالما تحدث عنه الرئيس المعزول مرسي بعبارات "الواد اللي بينزل سكينة الكهربا" و"الصوابع اللي بتلعب في مصر"، فهو يعبر عما عجز مرسي وتنظيمه عن صياغته وهم في الحكم بصك نظرية "الدولة العميقة" ومسئوليتها عن إفشال مرسي، وعندما حاول الحديث عن لماذا فشل الإخوان؟ لم يقدم الأسباب، وإنما أفاض في الدفاع عن التنظيم وتقديمه في الصورة الدعوية الحالمة الراسخة لديه.


وفي مارس ٢٠١٥، في ندوة تثقيفية ببني سويف في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حذر د. الشوبكي كما عرف نفسه -الخبير السياسي بمركز الأهرام الإستراتيجي ورئيس مجلس أمناء مؤسسة البلد-، من أن استمرار وضع الأحزاب الراهن سيفتح الباب أمام عودة جماعة الإخوان إلى السلطة بعد انتهاء مدة رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وقال عضو مجلس الشعب سابقا إنه لا توجد أي دولة حققت نهضة اقتصادية وسياسية إلا بدور حقيقي للأحزاب وليس بالإصلاح الذي نسمعه ونشاهده في وسائل الإعلام التي تستضيف أشخاصًا تزايد فقط على الأحزاب.

وأشار إلى أن الشعارات والأغانى الوطنية لن تحل مشاكل مصر، التي لم ولن تحل إلا بالعمل الحقيقي الذي يقوم على وجود أحزاب قوية.

واختتم الشوبكي كلمته بالقول: «ان التحدي الحقيقي لخلق بيئة استثمارية ناجحة، هو إعادة بناء مؤسسات الدولة مرة أخرى، دون تصفية حسابات أو أي إجراءات استثنائية تستهدف إقصاء شخص أو فصيل «لن تنجح مصر فى محاربة الإرهاب إلا بإجراء إصلاحات مؤسسية حقيقية».

هنا بدأت إرهاصات كانت ملامحها قد لاحت حين تم اختيار د. الشوبكي عضوا للجنة الخمسين التي تم تكليفها بتعديل دستور الإخوان، عندما أكد أثناء انعقاد جلسات اللجنة على أهمية عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي المصري مرة أخرى ودمجهم في الحياة السياسية بعد انتهاء المدة الانتخابية الخاصة بالرئيس السيسى، الأمر الذي أثار استياء الجميع وقتها، حيث برر ذلك بأنه توقع بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية المصرية.
ولكنه في الحقيقة أحد أكبر قيادات «التيار التوافقى» الذي يدعو للمصالحة مع الإخوان، ويعتبره تيارًا سياسيًا وطنيًا وأن المتورطين فقط من الجماعة هم من حملوا السلاح وليسوا جميعهم خانوا الدولة. وقال في تصريحات صحفية سابقة له نصًا، إنه «يجب التمييز بين المتعاطفين مع الجماعة وبين الأعضاء التنظيميين».

وفى مقال صحفى له بتاريخ السبت ١٩ أغسطس ٢٠١٥ بعنوان «طبول ضد الدستور»، خاصة بعد حديث الرئيس بأن الدستور قد كتب بـ«نوايا حسنة»، إن البعض روج لمجموعة من الأكاذيب بخصوص مواد وهمية في الدستور المصري أهمها ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، ونسوا أو تناسوا أن الوثيقة التي اقترحتها لجنة الخبراء (المعينة من قبل الدولة) تضمنت صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية، كما هو متعارف عليه في النظم البرلمانية.
وشكل بصحبة عمار على حسن، وسمير عليش، وأحمد حرب جبهة تعرف باسم "جبهة الدفاع عن الدستور"، لرفض تعديله باعتبار أن ذلك سيعطى للرئيس صلاحيات أكبر.
وأقر الشوبكي في كتاباته وتصريحاته آنذاك، بأن هناك بعض المواد في الدستور قابلة للتعديل باعتباره عملًا بشريًا، لكن بشرط ألا يدفعنا التعديل في اتجاه إقرار نظام استبدادي، بحسب قوله، مضيفًا نصًا: «كنت وما زلت من أنصار نظام رئاسي ديمقراطي، دون أن يعنى ذلك إعطاء صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية»، مشيرا إلى أن صلاحيات الرئيس في الدستور الحالي كبيرة، وأن أي نظام ديمقراطي ينبغي أن تكون صلاحيات البرلمان به كبيرة، وفقا لما جاء في الدستور الحالى، داعيا إلى قراءة الدستور بشكل كامل.

وفى حوار مع جريدة «الشروق»، وإجابته عن سؤال حول أن البعض يرى أننا نسير على «كتالوج مبارك» في إدارة الحكم الحالى، رد قائلًا: «أتفق معك.. ما زلنا نعيش في ظل منظومة نظام مبارك، ولكن هناك فارقًا شخصيًا بين السيسي ومبارك، لصالح الأول، والتحدي أمامه هو تفكيك المنظومة القديمة الفاسدة التي ورثتها حكومات ما قبل يناير، ولكنه لم يحدث ولا يبدو أن هناك أي محاولات لإصلاح المنظومة القديمة بكل سوءاتها، وأن السيسي يدير البلاد بالطبعة الأخيرة لنظام مبارك، أي الطبعة التي ترهلت فيها الدولة وتراجعت كفاءتها على عكس الوضع في بدايات عهد مبارك حين كانت في مصر دولة قوية وذات كفاءة ولو بالمعنى النسبى وتضم كوادر كثيرة».

هكذا، بعد عام من تولي الرئيس الحكم، خلص الباحث د. الشوبكي إلى كل هذه الأحكام القاطعة، بشأن طبيعة نظام الحكم، وبشأن طريقة إدارة الرئيس للبلاد، بل ووصل به الأمر إلى تشبيهها بالسنوات الأخيرة لحكم مبارك، في إشارة خفية لاحتمالات التثوير وتسخين الأرض، وهي كلها الاتهامات التي دارت حولها وسائل إعلام الإخوان ولجانه الإلكترونية منذ هذا التوقيت وحتى اليوم.

وفي ١٧ يناير ٢٠١٦ دافع الشوبكي عن هشام جنينه بمقال بعنوان "مواجهة الفساد أم جنينة؟" حيث قال فتقرير جنينة كان رسالة اتهام واضحة مست مؤسسات مازالت بمثابة صندوق أسود مغلق غير مسموح لأى جهة رقابية أو غير رقابية أن تقترب منها.

لم يصدق البعض الرقم الذى أعلنه المستشار هشام جنينة بأن كلفة الفساد فى مصر تقدر بـ 600 مليار جنيه، ولايزال حتى الآن غير متخيل أن هذا الرقم غير مبالغ فيه، واعتبر أن الرجل قد يكون أخطأ فى تقدير هذا الرقم، ومع ذلك وحتى لو كان هذا الرقم مبالغاً فيه فإن هذا لن يغير من الواقع شيئا بأن حجم الفساد فى مصر هائل وأن شبكة المصالح التى تحميه مرعبة، وأن مجرد الاقتراب منه ولو همسا يفتح أبواب جهنم، فما بالنا إذا كان من قام بهذه المغامرة هو رئيس أكبر جهاز رقابى فى مصر مهمته وعمله هو مكافحة الفساد فعلاً وليس قولًا.

المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، قيمة وقامة كبيرة، له تاريخ مهنى نظيف، قام بعمله الذى كلفته به الدولة ووظيفته العامة على أكل وجه، وقدم تقريرا حول فساد كثير من مؤسسات الدولة أثار جدلا وصخبا كبيرا خاصة أنه تعرض لفساد عدد من المؤسسات والوزارات السيادية وعلى رأسها الداخلية وأشار إلى الصناديق الخاصة وغيرها.

وقد شكلت الرئاسة لجنة لفحص تقرير هشام جنينة، كثير من أعضائها يعملون فى الوزارات والمؤسسات التى اتهمها التقرير بالفساد، وخرجت بتقريرها الأسبوع الماضى اتهمت فيه الرجل بالتضليل والإساءة لسمعة مصر، بل والتآمر عليها، وفق الأسطوانة المشروخة التى يرددها البعض كل يوم لمنع مناقشة جوهر القضايا المثارة، وفى هذه الحالة كان الفساد لصالح اتهامات أخرى مفبركة.

فتقرير جنينة كان رسالة اتهام واضحة مست مؤسسات مازالت بمثابة صندوق أسود مغلق غير مسموح لأى جهة رقابية أو غير رقابية أن تقترب منها، وبالتالى فهو خروج عن الخطوط الحمراء التى جرى العرف، وليس القانون، على عدم التعرض لها.

وهنا سنجد أن الرجل قال أكثر من مرة إنه على استعداد ألا يراقب جهات ووزارات سيادية إذا وضع نص قانونى يطلب من الجهاز المركزى للمحاسبات ألا يراقبها، وطالما أن الرئيس وكل رموز الدولة أعلنوا أكثر من مرة أنهم ضد الفساد وأنه لا توجد جهة فوق القانون والمحاسبة فإن الرجل تحرك وفق القانون والصلاحيات المعطاة له. وإذا افترضنا أن رقم الـ 600 مليار جنيه مبالغ فيه؟ فهل هذا يلغى جوهر القضية التى تضمنها التقرير، وهو أن فى مصر فساداً و«مال سايب» كلفته بمليارات الجنيهات؟ وهل عزل جنينة سيحل مشكلة الفساد، أم أنه سيكون محاولة لإخراس كل الألسنة التى يمكن أن تشير للفساد فى مصر. خطورة ما يجرى مع الرجل أنه ينقلنا من مناقشة جوهر القضية التى تعانى منها البلاد وهى: وجود فساد يستلزم مواجهته بصورة تدريجية وحاسمة عبر سلسلة إجراءات وسياسات واضحة، وعدم الاكتفاء بالقبض التليفزيونى على وزير أو مسئول هنا أو هناك، والبقاء أسرى الاتهامات المفبركة عن الرجل.

الخلاف مع أرقام جنينة وارد، والخلاف مع طريقته وارد، وعدم «استلطاف» الأجهزة له وارد أيضا، ولكن كل ذلك لا علاقة له بوجود فساد مؤسسى فى مصر ضرب مؤسسات الدولة وواجب الأجهزة الرقابية كشفه للسلطة السياسية والرأى العام.

لا تذبحوا هشام جنينة مهما كان رأيكم فيه وتتركوا لنا الفساد يمرح ويمرع دون حساب.

وفي ٧ فبراير ٢٠١٦، كتب الشوبكي عن أزمة ثقة بين بعض الشباب والرئيس خاصة بعد حديث الرئيس مع عمرو اديب قال الشوبكي في مقال بعنوان: "لم نجد إجابة"، الأحاديث الودية والأمنيات الطيبة باتت تثير فى نفوس كثير من الشباب ردود فعل عكسية وتعمق أزمة الثقة بين الرئاسة وبين تيار واسع من الشباب

مداخلة الرئيس أمس الأول مع الإعلامى عمرو أديب أثارت من التساؤلات أكثر مما قدمت إجابات، ولم يفهم كثير ممن تابعوها أسباب اعتبار الرسام إسلام جاويش فى مكان ابن الرئيس وفى الوقت نفسه اعتقاله ولو ليوم واحد، وأن علاقة النظام السياسى المتوترة بالشباب لن يحلها حديث الرئيس بأنهم مثل أبنائه، وإنه لا يحمل ضغينة للألتراس ولا لغيره، وهى كلها أمور تحمل من النوايا الطيبة أكثر مما تقدم حلولاً طيبة.

ولأن مصر مثل كل بلاد الدنيا لا تحكم بالنوايا الطيبة ولا السيئة إنما بإدارة سياسية غير موجودة، فإن كل الأحاديث الودية والأمنيات الطيبة باتت تثير فى نفوس كثير من الشباب ردود فعل عكسية وتعمق أزمة الثقة بين الرئاسة وبين تيار واسع من الشباب.

والمؤكد أن إشارة الرئيس حول معضلة مواجهة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان صحيحة ومتكررة فى بلاد كثيرة، بما فيها أعتى النظم الديمقراطية، فيقيناً فرضت فرنسا قيوداً على حقوق الإنسان واتخذت إجراءات استثنائية فى مواجهة الإرهاب الذى ضربها من أجل حماية مواطنيها وأمنها القومى، وفعلت أمريكا ما هو أكثر عقب اعتداءات 11 سبتمبر من إجراءات استثنائية وملاحقات أمنية.

والحقيقة أن الفارق بين ما يجرى عندنا وما جرى عند غيرنا، أن فى الأولى القيود والملاحقات الأمنية تطال أصحاب الرأى والتوجه السياسى المختلف وليس الإرهابيين أو المشتبه بوجود علاقة لهم بالإرهاب.

فحين يتم إيقاف 10 أشخاص فى فرنسا للاشتباه بعلاقتهم بالجماعات الإرهابية لا يعتقلون لأن لهم رأياً سياسياً مخالفاً للرئيس الاشتراكى الفرنسى، ولا أن هناك ضابطاً كبيراً فى أمن الدولة حلف بالطلاق أن يؤدبه، ولا توجد فى هذه البلاد أذرع إعلامية تطلق لتلفيق التهم ضد المعارضين بأوامر من أجهزة الدولة مثلما يجرى عندنا.

الفارق واضح بين اتخاذ إجراءات استثنائية للحفاظ على سلامة شعب من خطر الإرهاب، وبين اتخاذ ما هو أسوأ من الإجراءات الاستثنائية لملاحقة كل من يقول كلمتين ضد الحكم على الـ«فيسبوك» لا علاقة لهم بالإرهاب ولا التطرف.

ما علاقة محاربة الإرهاب باعتقال «طفل التيشيرت» (16 عاما وحمل لافتة وطن بلا تعذيب) والذى تجاوزت مدة اعتقاله 700 يوم ألا يمكن اعتباره ابناً للرئيس أيضا؟ وما علاقة الإرهاب باعتقال طبيب مصرى مرموق هو أحمد سعيد، مقيم فى ألمانيا، ورماه حظه العاثر أن يعود لزيارة أهله فى ذكرى ما جرى فى أحداث محمد محمود، فوقف على كوبرى 6 أكتوبر مع عشرات الأشخاص يحمل لافتة يذكر فيها الناس بما جرى فى هذا التاريخ (من حق البعض أن يرفض موقفه بالكلمة لا بالاعتقال ولى شخصيا رأى معارض من وقتها مما سمى الفعاليات الثورية التى حاصرت الوزارات والمؤسسات)، وما علاقة الإرهاب بهشام جعفر، المثقف الوطنى المحترم والكاتب الصحفى الذى اعتقل منذ 100 يوم حتى الآن، وما علاقة الإرهاب بمحمد العراقى الذى اعتقل بسبب تظاهرة ضد حكم مرسى ولا أعرف شخصا من أصدقائنا (بمن فيهم كاتب هذه السطور) إلا وتحدث فى موضوعه ومع ذلك خرج بعد عامين من الاعتقال، وما علاقة الإرهاب بمحب دوس الذى اعتقل وهو يهم للدخول إلى الكاتدرائية للصلاة أثناء احتفالات عيد القيامة التى حضرها الرئيس، وهو أحد مؤسسى تمرد وأحد أخلص شبابها.

هؤلاء باليقين ليسوا إرهابيين ويعرف الحكم أنهم معارضون سياسيون، ولكنهم معارضون ينتمون لفئة مواطن المستباحة، وليسوا من بين المحصنين الذين يشتمون الناس كل يوم، وأحياناً كثيرة يتطاولون على القيادة السياسية نفسها ومع ذلك يتركون لأن دورهم مطلوب.

المعتقلون من أصحاب الرأى المخالف بالمئات، ونحتاج إلى قرار جراحى لإنقاذهم وإنقاذ البلاد مما تسير فيه.

طبعًا لم يذكر د. الشوبكي أن هشام جعفر كان الباحث الرئيس في مركز القاهرة لحقوق الإنسان، وأنه الكاتب الرئيس معه في كل الكتب التي أشرنا لها سابقًا في هذا المقال.

وفي ٨ فبراير ٢٠١٦ كتب الشوبكي عن "الالتراس"، بعد حكم المحكمة بانهم جماعة إرهابية تأسست علي غير القانون وقال ليسوا إرهابيين
يقيناً الألتراس ليس جماعة إرهابية حتى لو أخطأ بعض شبابه، وإن من يصفهم بهذه التهم يسعى لتخريب المجتمع وتعميق انقساماته

فى كل بلاد العالم هناك فارق بين جماعات الرفض والاحتجاج والجماعات الإرهابية، ولا يعمل على تحويل جماعة احتجاج إلى جماعة إرهاب إلا مختل أو مُغيَّب أو مخرب، بل كثيراً ما تسعى نظم كثيرة لاحتواء الإرهاب بإجراءات اجتماعية وسياسية «لا تطبطب» على الإرهابيين كما يردد المحرضون فى إعلامنا، إنما فى تغيير البيئة الحاضنة التى تفرزهم والعمل على منع انضمام مزيد من البشر لهذه الجماعات.

أما فى مصر فيحدث العكس تماماً، حين يسعى البعض لتحويل بعض شباب الألتراس من حالة احتجاج إلى جماعة عنف، فى حين أن المطلوب هو احتواؤهم والحوار معهم ومعرفة مشاكلهم ومحاسبة المخربين أو المحرضين منهم، دون أن يتهموا بالإرهاب، وهم الذين فى فترة قريبة أعطوا صورة مبهجة للملاعب فى مصر.

يقيناً الألتراس ليس جماعة إرهابية حتى لو أخطأ بعض شبابه، وإن من يصفهم بهذه التهم يسعى لتخريب المجتمع وتعميق انقساماته ولا يفهم سيكولوجية الشباب، وغير قادر على التعامل معهم ولا مع غيرهم.

والمؤكد أن بعض هتافات شباب الألتراس فى استاد مختار التتش كان طبيعياً، وبعضها الآخر كان متجاوزاً ومسيئاً، والمطلوب هو حث هؤلاء الشباب على التعبير عمَّا بداخلهم دون إساءة لأفراد أو مؤسسات، والدفاع عن قضيتهم وهى القصاص لـ 72 ضحية ماتوا فى استاد بورسعيد وهم فى عمر الزهور.

نعم جماعات الاحتجاج الشبابية بعضها رَفْض، وبعضها تخريب، وبعضها ثورة، ولا يوجد أحد يعتبر هذه الجماعات إرهابية إلا لو كان راغباً فى تحويلها نحو الإرهاب.

الألتراس فى مصر تجمُّع أو حالة شبابية موجودة فى عالم الكرة المحلى والعالمى، انحرف بعض أعضائها عن المسار الرياضى الطبيعى، ومهمة مَنْ فى السلطة أن يحولها إلى حالة صحية من خلال التأكيد على أن التشجيع مهما كانت حدته، مادام سلمياً، ستقبله الدولة وستدعمه، أما إذا انحرف نحو العنف أو التخريب فإنه سيواجَه بقوة القانون، وهو ما سيعنى عملياً دفع الألتراس نحو الخيار الأول ومحاسبة القلة من أصحاب الخيار الثانى.

والحقيقة أن بيان الألتراس، تعليقاً على مبادرة الرئيس، حمل من العقل والرغبة فى التصالح مع المجتمع والنظام الكثير، وجاء فيه: «دعا رئيس الجمهورية الألتراس للمشاركة فى التحقيقات بعد إحياء الذكرى الرابعة فى ملعب التتش، وهو ما لم يكن متوقعاً، أعلى مؤسسة فى الدولة تسعى إلى النقاش مع الشباب بشكل عام، فى حين أن الإعلام يحاربهم ويصفهم ليلاً ونهاراً بالممولين والإرهابيين!! فى حين أن ذنب هؤلاء الشباب أنهم يعشقون وطنهم وناديهم وضحوا بالشهداء من أجل ذلك».

وأضاف البيان: «ما نطالب به منذ أربع سنوات عودة حق الدم والقصاص من كل من شارك فى مذبحة بورسعيد إذا كان هناك نية لحل القضية أو إعادة التحقيقات فيها، فالأولى هو التحقيق مع كل الأطراف ومنها القيادات الأمنية التى تورطت فى تلك المذبحة، وذكرت أسماء العديد منها فى تحقيقات النيابة، سواء بالتخطيط أو التدبير أو الإهمال أو إخفاء أى دليل خاص بالقضية».

وأكمل البيان: «لسنا أهلاً لأن نكون الخصم والحكم فى القضية، ولكن تذليل عقبات التحقيق وإظهار كل الأدلة أمام الرأى العام سيضع الأمور فى نصابها، وسيعيد الحقوق لأصحابها».

من حق البعض ألا يحب ظاهرة الألتراس برمتها، ومن حق البعض الآخر أن يرفض تجاوزات بعض شبابه، أما حشرهم قسراً فى خانة الإرهاب فتلك جريمة أكثر سوءاً من جرائم قلة منحرفة من شباب الألتراس.

في ١٢ فبراير ٢٠١٦ كتب الشوبكي عن "سلطة وصاية الجيش علي المجتمع المصري"، وجاء نص مقاله "في كثير من دول العالم هناك سلطة معلنة أو خفية تمارس الوصاية على المجتمع وتحكم نيابة عنه وتعتبر نفسها كيانا محصنا لا يُمس ولا يمكن تغييره، وقد تفاوتت هذه السلطة من مكان إلى آخر، فقد كانت أحيانا السلطة الملكية المطلقة، وفى أحيان أخرى كانت الدولة العميقة التى تحكم من وراء الستار، وفى أحيان ثالثة هى المؤسسة العسكرية، وفى أحيان رابعة هى الحزب الواحد، وهى كلها كيانات فرضت وصايتها على المجتمع «القاصر»، أحيانا بشكل علنى وقانونى، وفى أحيان أخرى بشكل مستتر.

والحقيقة أن معظم هذه المجتمعات تطورت بالحوار والضغط على سلطة الوصاية حتى تراجعت عن هيمنتها بشكل تدريجى واستقر المجتمع وتعافى، وتخلص من أمراضه ومن سطوة سلطة الوصاية فى الوقت نفسه.

لقد حدث ذلك مع سلطات ملكية كثيرة بدأت تملك وتحكم، وانتهت كسلطة تملك ولا تحكم، وحدث أيضا مع المؤسسة العسكرية، فبدأت وهى تحكم بشكل صريح أو مستتر كما فى كثير من بلدان أمريكا الجنوبية والعالم العربى، وانتهى الأمر بأن أصبح لها حق الفيتو فى أمور استراتيجية وأمنية وسياسية كبرى بدلا من سلطة الوصاية، والأمر نفسه تكرر مع بعض تجارب نظام الحزب الواحد التى بدأت بحزب واحد يحكم ويقود، وانتهت بنظام تعددى ليست فيه وصاية لأحد.

والحقيقة أن هناك نماذج مختلفة لسلطة الوصاية، فهناك نموذج ملفوظ شعبيا ومفروض على الناس بالقمع والبطش، وهناك نموذج آخر يختاره الناس- ولو لفترة- بمحض إرادتهم ويقبلون بالوصاية نتيجة فشل مسبق أو ثقة فى هذه السلطة، فمثلا بلد مثل إيران اختار نظام ولاية الفقيه أو سلطة الوصاية الدينية، عقب ثورة شعبية كبرى، وبنى نظاما سياسيا تتصارع داخله أجنحة مختلفة من محافظين وإصلاحيين دون أن تُمس سلطة المرشد وأذرعته المختلفة، التى لها الحق فى تحديد شروط وقواعد اللعبة السياسية نيابة عن الناس، التى لها الحق فقط أن تختار بين مَن يعتمدهم «فلتر» الولى الفقيه ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور، الذى وافق- أمس الأول- على «أهلية» ترشيح 51% فقط من إجمالى مَن قدموا أوراقهم للترشح فى الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها خلال أسبوعين.

أما مصر، فالمؤكد أن الحديث دائما له علاقة بوصاية الجيش على الحياة السياسية والمدنية منذ ثورة يوليو 1952 حتى الآن، والحقيقة أن سلطة الوصاية جاءت مرتين، بعد أن فشلت سلطة «اللا وصاية» الحزبية والسياسية فى حكم البلاد، فالمؤكد أن فشل الأحزاب السياسية قبل ثورة يوليو 52 فى تحقيق مطالب الشعب فى الاستقلال والدستور والعدالة كان هو المبرر الرئيسى وراء وقوف غالبية الناس خلف ثورة الضباط الأحرار ضد النظام القديم، وأصبح الناس ينتظرون البطل المخلص ويقبلون بوصىٍّ عادل بديلا عن نظام شبه ليبرالى لم يحل مشاكلهم.

وجاء العصر الحالى وحدثت ثورة 25 يناير، ولاحت أول فرصة حقيقية للشعب المصرى للخروج من سلطة الوصاية، ضَيَّعها خطاب المراهقة الثورية والإخوان، بعد أن ابتعد الجيش عن الساحة السياسية، وسَلَّم السلطة لأول رئيس مدنى منتخب، سرعان ما أدخل البلاد فى نفق مظلم جعل غالبية المصريين يتمنون عودة وصاية مبارك وليس فقط وصاية الجيش.

سلطة الوصاية المعاصرة تعنى ضمنا أو صراحة فشل المجتمع فى حكم نفسه بشكل مستقل، وتعنى أيضا عجزه عن إدارة صراعاته بشكل سلمى وديمقراطى، وهو ما يعنى إعطاء شرعية سياسية وشعبية لتدخل سلطة الوصاية، على اعتبار أن المجتمع مازال قاصرا، وأنه سيدمر نفسه إذا تُرك دون هذه السلطة.

مازلت أذكر كيف اعترض كثير من الأصدقاء التوانسة على دعم التيار المدنى تدخل الجيش فى مصر فى 3 يوليو، وأذكر جيدا- منذ أكثر من عامين- لقاء جمعنى فى القاهرة بعدد من السياسيين والمثقفين التوانسة «المعارضين للنهضة والإخوان»، على عشاء بالقاهرة، وأنهم قالوا لى: كيف تدعمون السيسى وكيف تقبلون حاكما عسكريا؟ وإجابتى كانت: عليكم إعادة طرح السؤال لأصله، فإن النظام الجمهورى فى مصر بناه عبدالناصر والضباط الأحرار، فى حين أنه فى تونس بناه حزب سياسى ورئيس مدنى هو الحبيب بورقيبة، كما أنه فى مصر انتخب ما يقرب من 49% من أبناء الشعب المصرى الفريق أحمد شفيق، وهو كان رئيس وزراء مبارك الذى ثاروا عليه.

سلطة الوصاية لها فى أحيان كثيرة ظهير شعبى كبير، وهى عادة ما تأتى عقب فشل النخب والأحزاب المدنية فى إدارة شئون البلاد، بل إن استدعاء سلطة الوصاية كان إنقاذا للبلاد من أخطار أكبر تعرضت لها مع حكم جماعة الإخوان المسلمين، فكان تدخل الجيش بإرادة شعبية لقطاع غالب من المصريين.

ويبقى السؤال: هل سلطة الوصاية فى مصر قادرة على الحكم والاستمرار الأبدى فى السلطة؟ وهل هى تحكم بلا مشاكل وتحديات؟ الإجابة الحقيقية أن وجود سلطة وصاية «خام» تحكم بأدواتها وأجهزتها المباشرة، وتغيب عنها الرؤية السياسية- «على خلاف ما جرى فى عهود الوصاية السابقة»- أمر لا يمكن أن يستمر، وأن مهام هذه السلطة لم تعد المشاركة فى القرار السياسى ولا وضع خطوطه الحمراء، إنما التدخل فى أدق تفاصيل المشهد السياسى من تشكيل قوائم وترتيب حملات تحريض إعلامية وغيرهما من الأمور التى أَضَرَّت باستقرار البلاد وبفرص تطورها.

لا أحد يسأل عن مستقبل السلطة فى مصر فى ظل خطر الإرهاب وتربص الإخوان وعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية، وهل المطلوب أن يبقى المجتمع إلى ما لا نهاية له خارج الفعل، «حتى لو أخطأ فى بعض خياراته»، وتحت سلطة الوصاية تحت حجة أنه غير مؤهل لحكم نفسه، أم ان هذا المجتمع قادر على الانتفاضة ونقل البلاد من حالة سلطة الوصاية التى تهيمن على مناحى الحياة إلى سلطة لها «حق الفيتو» حين يتعلق الأمر بتحديات كبرى تخص الأمن القومى والمجتمع والدولة؟ هذا ما ستُثبته الأيام القادمة، فقد يرتاح الناس- كما يرى أغلبهم الآن- لسلطة الوصاية، وقد يعدلون من موقفهم ويقدمون ما يُثبت أنهم قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم.


وبتاريخ ١٤ فبراير ٢٠١٦ دافع الشوبكي عن نقابة الأطباء تجاه ازمتها مع الدولة حيث ذكر في مقال بعنوان "دار الحكمة"، نجح مجلس نقابة الأطباء فى أن يقود أول مؤتمر نقابى ناجح محدد الأهداف والمطالب منذ ثورة يناير، ونجح فى جذب عدد هائل وغير مسبوق من أطباء مصر لحضور الجمعية العمومية غير العادية التى عُقدت أمس الأول، ونالت تعاطف تيار واسع من المصريين.

يقينًا الدفاع عن كرامة أى مواطن هو مطلب يخص كل مصرى، فما بالك إذا كانوا أصحاب مهنة ورسالة سامية، مثل الأطباء الذين يعتبر العالم المحترم (وليس فقط الديمقراطى والمتقدم) تحسين أحوالهم المهنية والمعيشية معيار التقدم، وليس عدد الجنود ولا أمناء الشرطة؟!

الأطباء فى مصر، مثل كل المهن، غالبيتهم محترمون، وقلة منهم منحرفون، ولا أحد يتصور أو يقبل أن يختزل البعض الشرطة وتضحياتها فى قلة من المنحرفين مارسوا بلطجة فى مستشفى المطرية وغيره، وتبقى مشكلة الداخلية هى فى الحماية التى تفرضها على المنحرفين منهم، واعتبار أى نقد لتجاوز أو إدانة لجريمة أمرا مرفوضا لا يجب سماعه.

جمعية نقابة الأطباء كانت عظيمة ومهنية حتى لو هاجمها المطبلون والبلطجية من رموز العهد الجديد، وقامت اللجان الأمنية الإلكترونية المؤيدة بفبركة صور للإساءة لمؤتمر الأطباء، وتحويل النقاش حول مطالب محددة أعلنتها النقابة، إلى شتائم واتهامات مضحكة تعكس عُقد نقص لا حصر لها تجاه من تفوقوا فى دراستهم، وتميزوا بحكم طبيعة عملهم.

المطالب التسعة التى قدمتها النقابة كانت واضحة، ودُرست بعناية «وضربت ولاقت»، خاصة القرار المتعلق بالامتناع عن تقديم أى خدمة بأجر للمواطن فى المستشفيات الحكومية وتحويل الخدمة الطبية بالكامل بالمجان، وهى هنا تشتبك مع الحكومة لا مع المواطن، والإعلان عن الإضراب الجزئى بعد أسبوعين من الآن إذا لم يتم تنفيذ مطالب نقابة الأطباء، والإغلاق الاضطرارى لأى مستشفى يتعرض لاعتداء من أى بلطجية، (وهنا نلاحظ استخدام لفظ الاضطرارى)، ورفض الخصخصة، ومطالبة وزير الصحة بالاستقالة (لم يقولوا إنهم أقالوا وزير الصحة لأنه خارج صلاحيات النقابة)، وتحويله للجنة آداب المهنة داخل النقابة لمحاسبته عن إساءته للأطباء.

مطالب الأطباء التسعة يمكن الاتفاق والاختلاف على تفاصيلها، ولكن خطها العام كان متوازنا، وكان مهنيا، وكانت عينه أولاً على عموم الأطباء وعلى عموم المصريين، ولم يسقط فى خطاب المراهقة الثورية والسياسية بصورة تفقده تعاطف قطاع واسع من المصريين، كانوا سينفضّون من حولهم لو شعروا للحظة بأنهم ذهبوا بعيدا فى خطاب السياسة.

يقينًا نقابة الأطباء تضم اتجاهات سياسية مختلفة، كما تضم فى غالبيتها أطباء مستقلين يدافعون عن مهنتهم فقط، كما أن الرأى العام منقسم بين تيار يؤيد الحكم (طبيعى)، وفى داخله جزء يعتبر النقد وتصحيح الأخطاء خيانة للوطن وتآمراً عليه (غير طبيعى)، وهنا سنجد آلاف المطبلين والإعلاميين الفاشلين سيشتمون نقابة الأطباء حتى لو بقيت مدافعة عن مهنة الطب وكرامة الأطباء، وظلت «دار الحكمة» وليست حزبا سياسيا.

على نقيب الأطباء المحترم حسين خيرى، ووكيلة النقابة المخلصة منى مينا، وعلى الرجل الصلب، نقيب أطباء القاهرة، إبراهيم عبدالغنى، أن يحافظوا على قوة مطالبهم المهنية، وهى تعنى ضمناً اصطداماً بالواقع السياسى المرير (ربما لولاه ما خرجت هذه المطالب)، ولكن يجب ألا تكون النقابة دارا للشعارات السياسية المباشرة، لأنها ستُفقدها تأييد قطاع واسع من المصريين وحتى الأطباء.

التغيير فى مصر قادم، ولكنه بالنقاط وبرؤى إصلاحية، تأتى من نقابات وقوى لها ظهير مجتمعى حقيقى، وتعمل فى الواقع، ولا تتأفف منه مهما كانت إحباطاته، ولذا الحذر واجب من مؤامرات الكثيرين على نجاح الأطباء من داخلهم ومن خارجهم.
تحية لنقابة الأطباء.. داراً باقية للحكمة والكرامة فى مصر.

وبتاريخ ٢٥ يونيو ٢٠١٦ ، أضاف الشوبكي خلال حواره لبرنامج "ساعة من مصر"، المذاع على قناة "الغد" الإخبارية، مع الإعلامي خالد عاشور، إن الدولة ستفتح ملف المصالحة مع المنتمين سياسيا لجماعة الإخوان بدون المصالحة مع التنظيم، لافتا إلى أن التنظيم السري للجماعة رفض تقنين أوضاعه وتأسيس حزب سياسي للجماعة وهذا التفاف صريح على القانون لا يتيح عملية التصالح معها.وأشار الشوبكي، أن الحديث عن المصالحة مع الإخوان تكرر في الفترة الأخيرة، معتبرًا أن الحديث عن المصالحة من طرف واحد من جانب الدولة، مؤشر على فتح ملف المصالحة يوما ما بأفكار مثل "التعويض." واعتبر الشوبكي، أن التصالح مع الإخوان ليس له علاقة بالتصالح مع تنظيم الجماعة

وعن مظاهرات ٢٠ سبتمبر بدعوة الهارب محمد علي علق الشوبكي في تصريح خص به مونت كارلو الدولية قائلًا: "المظاهرات التي نظمت في عدد من المدن المصرية يوم 20 سبتمبر 2019 احتجاجا على سياسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كان حجم المظاهرات محدودًا، لكن اللافت هو حدوثها بشكل مفاجئ، ولم تكن مجرد وقفة احتجاجية في القاهرة بل امتدت إلى مدن أخرى، هذا يعبر عن تحول لافت".

وأضاف عمرو الشوبكي فقال: "إن ما حدث يعبر عن حالة من الرفض لمجموعة من السياسات التي اعتبرها المحتجون تتجاهلهم، خاصة في ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية وعدم مناقشة ملف الفساد، وقضايا حرية الرأي والتعبير، وعدم مصداقية أغلب وسائل الإعلام، وكل هذا دفع مؤخرا إلى انفجار الغضب المكتوم خلال هذه المظاهرات".

ويرى عمرو الشوبكي أن أسباب عدم رد السلطات رسميًا بشأن الحركة الاحتجاجية الأخيرة راجع إلى: "عنصر المفاجأة والارتباك لكون الأحداث وقعت بشكل مفاجئ، وحدثت لأول مرة منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم قبل ست سنوات، كما تزامنت مع سفره إلى نيويورك".

وقال الشوبكي: "إن النخبة الحاكمة كانت متيقنة بأن الحركة الاحتجاجية قد انتهت، وكانت هناك إجراءات أمنية مشددة تحول دون اندلاعها". وأضاف: "سببت الحركة الاحتجاجية ارتباكًا شديدًا لدى دوائر صنع القرار وهو ما يعطي مؤشرات على أن هناك نوعا من عدم التوافق على كيفية التعامل معها". وأعرب عمرو الشوبكي عن أمله أن تدفع الأحداث الأخيرة نحو إجراء إصلاحات عميقة في بنية النظام المصري.

وفي ٩ أكتوبر ٢٠٢٠ وبعد اعلان التغييرات الصحفية كتب الشوبكي مقالًا بعنوان "ياسر رزق" يتحدث فيه عن انقلاب السلطة على ياسر رزق، ذكر فيه:
"غادر ياسر رزق موقعه كرئيس لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وعاد كما كان واحدا من كبار الصحفيين والكتاب فى مصر تختلف وتتفق معهم، ولكن لا تنكر عليه وضوح رؤيته وإخلاصه لانحيازاته وما يؤمن به.
صداقتى لياسر تعود إلى أيام الجامعة، فقد سبقته قليلا (بدفعتين) وكان هو من الجيل الذى كنت أمازحه بأننا أعطينا لكم تعطفا دورا فى مبنى كليتنا (الاقتصاد والعلوم السياسية)، وكان الرد دائما: «نحن فى القمة وفوقكم».

وقد ترك ياسر رزق بصمات مهنية فى الأماكن التى قادها، فحين رأس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون قبل ثورة يناير، أحدث بها طفرة فى توزيعها، وفى طبيعة المادة الإخبارية التى تكتب فيها وتنوع كتَّابها، وتكررت فى أخبار اليوم.

وحين كنت قريبا من اختيار رئيس تحرير المصرى اليوم فى عام الإخوان، لم يخف ياسر طوال نقاشاتى معه أنه ابن الصحافة القومية وليس الصحافة الخاصة، حتى يتكيف مع الوضع الجديد، وكتب مقالا ربما هو الأهم فى تلك الفترة من حيث المضمون والتأثير عنوانه: «متى يتدخل الجيش»؟ عبر فيه عن قناعاته ورؤيته ولم يقم بأى مواءمة مع جماعة الإخوان مثلما فعل كثيرون من مؤيدى كل العصور.

أذكر حضور ياسر رزق لحظة إعلان نتيجة انتخاباتى فى إمبابة فى مواجهة مرشح الإخوان، وأذكر جيدا كيف حضر آخرون ممن يحسبون على التيار المدنى، وأصروا أن يبدوا على الحياد بينى وبين مرشح الإخوان، حتى بعد فوزنا فقد كان الحرص على كسب ودهم على اعتبار أنهم التيار الأقوى والقادم إلى الحكم، وكان ياسر رزق ومعه عماد الدين حسين ومحمد سعد عبدالحفيظ قاطعين فى انحيازتهم ومواقفهم فى مواجهة الإخوان ومرشحهم.
وطوال الفترة الممتدة من 2011 وحتى 2013 كان تواصلى مع ياسر رزق دائما سواء فى لقاءات قمنا بها سويا مع قادة فى المجلس العسكرى، أو فى موقفنا المتطابق فى رفض حكم محمد مرسى واتصالاتنا قبل ولحظة إعلان النتيجة، وفيه الكثير من التفاصيل لا مكان لها الآن.

قناعات ياسر حقيقية واختبرت على مدار عامين كاملين، لم تكن هناك سلطة تدعمه إنما كان هناك حكم شرس خطط للتمكين الأبدى للسلطة، ولم يحاول مثلما فعل كثيرون كسب ود الإخوان، وإن إيمانه بثلاثين يونيو وبحتمية تدخل الجيش فى 3 يوليو للتخلص من حكم المرشد، كان عن قناعة بأنه لا يمكن تغيير حكم الإخوان بآلية ديمقراطية.

اللافت والمحزن أن هناك كثيرين أيدوا حكم الإخوان أو لم يعارضوه، وعادوا عقب 3 يوليو وتباروا فى الهجوم عليهم، واعتبروا أنفسهم أبطالا بعد أن غابوا لحظة المعركة الحقيقية.

ستبقى تجربة ياسر رزق فى جوهرها انعكاسا لقناعاته، (بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف)، فى حين أن هناك تجارب لآخرين لا تعكس إلا دعم أى طرف فى السلطة.

ومنذ أيام بعد إعادة هيكلة المجموعة المتحدة كتب الشوبكي مقالا بعنوان تكرار الفشل ذكر فيه نصًا:

"أعلنت الشركة المتحدة عن نيتها إطلاق قناة جديدة، وصفتها بأنها قناة «أخبار إقليمية» تعتمد على أحدث النظم التقنية العالمية، وتقدم رؤية مصر الإقليمية والمحلية وتخاطب المصريين والعرب، وتستهدف تغطية أمريكا وأوروبا وكندا وأستراليا، وتنطلق فى الربع الأول من عام 2022.

والحقيقة أن هذا الكلام سبق أن تكرر بصور مختلفة فى مجال الإعلام فى مصر، وكانت النتيجة أموالًا كثيرة تُنفق بلا مردود يُذكر، فالقضية ليست فى النوايا ولا فى تغيير قيادات الشركة بأخرى تتمتع بخبرة مصرفية وإدارية، إنما فى تقديم محتوى مهنى يختلف جذريًا عما يُقدم الآن، وسياسة تحريرية متماسكة وجديدة، وعدم الاكتفاء بترديد الجمل التى قد تصلح فى مجال الإنشاءات (الأكبر والأضخم والأطول) وإضافة «الأحدث» عليها لأن «التقنيات الأحدث» لا تصلح بمفردها لتقديم خدمة إعلامية ناجحة.

ولعل السؤال الذى يتبادر إلى الذهن: ما السر وراء تكرار تجارب غير ناجحة فى خلق قنوات جديدة، هى على أحسن تقدير قنوات محلية يشاهدها قطاع من المصريين، ونترك قناة النيل للأخبار، التى يمكن تطويرها وإعادة هيكلتها ووضع كادر خاص لها والاحتفاظ فقط بالكفاءات الموجودة بها وجلب أخرى من خارجها؟
اسم «ماسبيرو» جزء من تاريخ هذا البلد، ويحمل رنينًا وصدى فى البلاد العربية، يمكن البناء عليه، كما أن قناة النيل للأخبار يُفترض أنها إخبارية، صحيح لم تنجح لأسباب لها علاقة بالإطار المهنى والسياسى الذى تتحرك فى إطاره، وهو المطلوب تغييره.

يحتاج الإعلام إلى إجراء إصلاح مؤسَّسى بدلًا من إهدار ملايين الجنيهات على قنوات جديدة نشاهدها نحن، كما يجب إصلاح التليفزيون العام بكل ما يمتلكه من طاقات مهدرة بسبب غياب القواعد المهنية الحديثة، وعدم ترسيخ مفهوم الخدمة العامة فى رسالته.

صحيح أن إصلاح الإعلام، وفى قلبه التليفزيون المصرى، ليس عملًا سهلًا، ويحتاج إلى إرادة سياسية رئاسية وليس فقط حكومية، ولكن لا بديل عنه.

إصلاح التليفزيون الحكومى لا يعنى إلغاء القنوات «الخاصة»، إنما يعنى تأسيس إعلام مهنى متنوع، أما مسألة أننا يمكن أن نبنى جزيرة إعلامية منعزلة بصورة منفصلة عن اليابسة التى تضم باقى الإعلام فلن تحل المشكلة، لأن المطلوب إعلام يعمل وفق قواعد مهنية- تقوم على تقديم خدمة عامة للمواطنين فقط وفى الوقت نفسه يحترم دستور البلاد، مثل إعلام الخدمة العامة فى كل دول العالم، ويحافظ على أمنها القومى.

كل القنوات الكبرى المؤثرة فى العالم محدد نمط ملكيتها، ولم تنكر قنوات «بى بى سى» ولا «فرنسا 24» ولا «DW» الألمانية أنها ملك دولها، ومع ذلك حكمتها قواعد مهنية وسياسية لم تَحُلْ دون أن يكون تأثيرها فى كل مكان فى العالم، بما فيه الجمهور الذى تستهدفه قناتنا الإقليمية.

الخلاصة، لم يترك د. الشوبكي فرصة لمهاجمة "التجربة المصرية" بعد 30 يونيو مواربة كما تنص تعاليم الإخوان إلا واتبعها، ولم يترك فرصة لنشر سماحة الإخوان والخوميني إلا ونص عليها وتبارى في الدفاع عنها، إنه تاريخ طويل من خداع الرأي العام بالوجه الليبرالي الديمقراطي، وفي الواقع هو من أكثر من يضمرون الكراهية لمؤسسات الدولة خاصة السيادية والأمنية منها، لم يترك فرصة طوال فترتي حكم الرئيس السيسي حتى الآن إلا وحاول إثارة الشارع متبنيًا قضايا محل خلاف شديد تنشر له القاعدة المرغوبة لدى القطاعات التي يُرغب أن تسوق أنها مهضوم حقها، ولكن الغريب أنه وهو الذي طالما هاجم منظومة إعلام مبارك يعود اليوم ليتبنى قضية الدفاع عن ماسبيرو وقناة النيل للأخبار، خوفًا من ذراع إعلامي إخباري جديد للمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، من المؤكد أنه سيكون له الدور الحاسم في فضح هذا التنظيم الإرهابي وعناصره الخفية المنتشرة بيننا وحول العالم، هذا جزء من كل مما هو متوافر من كتابات تغض بالكراهية والرفض لمؤسسات الدولة، والمعبرة عن الرغبة في إسقاطها في تجربة ثورية فريدة تمهيدًا لسيادة التنظيم الإرهابي الذي يحلم به.


أحمد ناجي قمحة
رئيس تحرير السياسة الدولية والديمقراطية

 

اقرأ أيضًا:
الاتجاهات الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية في ست سنوات

للمرة الأولي في التاريخ، نجد أن الاتجاهات والدوائر الرئيسية الأربع للأمن القومي المصري باتت تواجه تحديات، ومخاطر، وتهديدات، تنذر بالعديد من الأزمات، كان

نظرية الإعلام الدوار

تعتمد على بناء شبكة تهدف إلى إدارة والسيطرة على العقول في الدول المستهدفة (أ) من قبل الدول الأكثر قوة وتقدم ونمو (ب).. وهذه الدول (ب) لا تلجأ للحرب العسكرية

الأكثر قراءة