عندما افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى شهر أبريل الماضى مدينة الدواء فى الخانكة، تساءل عن نسبة تحقيق الاكتفاء الذاتى من الأدوية، وجاءت الإجابة بأنها تبلغ حوالى 88 %، وهى نسبة لا يستهان بها، وتتوافق مع المعدلات العالمية، حيث لا تستطيع الدول، باستثناء عدد قليل جدا تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء بنسبة 100 % إلا أن السؤال التالى من الرئيس كان حول طبيعة النسبة المتبقية، وعندما عرف أنها أدوية علاج الأنواع المختلفة من الأمراض السرطانية ومشتقات البلازما والمادة الخام لبعض الأدوية، وكذلك أمصال ولقاحات تحتكر تكنولوجيا صناعتها أعداد قليلة من الشركات العالمية، طلب الرئيس ضرورة العمل على تصنيعها بمصر دون إبطاء، قائلا إن «امتلاك القدرة على تصنيع الدواء أمر حيوى يتجاوز فكرة التكلفة والمكسب».
ومنذ أيّام قليلة وصلت إلى مصر أولى شحنات المادة الخام لتصنيع اللقاح الصينى الخاص بفيروس كورونا لبدء إنتاجه الشهر المقبل.
الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان صرحت بأن وصول المادة الخام تمثل الخطوة الأولى لأن الاتفاق مع الجانب الصينى يتضمن عقدا آخر يتيح لمصر تكنولوجيا تصنيع المادة الخام ذاتها، وبالتالى يكون إنتاج اللقاح مصريا بنسبة 100 % وهذا هو الأهم.
الأمر نفسه يجرى التفاوض بشأنه مع شركة عالمية أخرى لتصنيع لقاحها بمصر، وأيضا هناك فريق من علماء وباحثين مصريين فى المراحل النهائية لتصنيع لقاح مصرى من الألف إلى الياء.
التحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج لها ينقل الدولة من مستوى علمى واقتصادى إلى مستوى أعلى، وتزداد الفوائد والعائدات، بينما إذا تجاوزت مرحلة الإنتاج لما هو نتاج معرفة الآخرين إلى ابتكار التكنولوجيا محليا فإنها تنتقل نوعيا إلى مصاف الدول الكبرى علميا واقتصاديا وسياسيا.
امتلاك الدولة المقدرة على الابتكار والاختراع يمثل عصبًا رئيسيًا لامتلاك استقلال قراراتها السياسية والاقتصادية، ومن ثم فإن المنهج الذى تسير عليه الدولة المصرية فيما يتعلق بصناعة الدواء يجب السير فيه بالمجالات الإنتاجية المختلفة صناعيا وزراعيا .
ليس القياس كميا هو الفيصل، فالنوعية هى الأكثر أهمية فعندما نتحدث عن نسبة التصنيع المحلى لمعدة أو آلة ما حتى وإن بلغت 80 % مثلا فإنه يجب الانتباه إلى مدى أهمية هذه النسبة المرتفعة مقارنة بأهمية النسبة الصغيرة المتبقية، وهو ما يعنى أن تصنيع هيكل السيارة وبعض الأجزاء الأخرى منها لا يوازى فى أهميته تصنيع موتور السيارة.
الرؤية الجديدة التى تتبناها مصر منذ سنوات قليلة مضت بالتركيز على نقل المعارف والتكنولوجيا وتوطينها محليا يعكس نظرة مختلفة لمفردات قوة الدولة المصرية.
هذه الرؤية الجديدة يمكن أن تحقق النتائج المأمولة منها فى غضون سنوات قليلة إذا ما أصبح الابتكار والتطوير ركنا أساسياً فى كل شركة أو مؤسسة وأن يجرى التعامل معه على أساس أنه استثمار سوف تتحقق عوائد كثيرة منه فى المستقبل، بدليل أن إحدى الشركات العالمية التى نجحت فى التوصل لأحد لقاحات كورونا بلغت أرباحها خلال الربع الأول من العام الجارى حوالى 4 مليارات و800 مليون دولار، كما تضاعفت أرباح شركة أخرى توصلت للقاح آخر لتصل إلى 3 مليارات و200 مليون دولار، بينما لم تتجاوز قيمة صادرات الصناعات الطبية المصرية العام الماضى نصف المليار دولار، وهو ما يؤكد حتمية التركيز على البحث العلمى ونشر ثقافة الابتكار.