يثبت الواقع أن الصبر هو مفتاح النجاح بكل تفاصيل الحياة ولن يقترب من السعادة والنجاح من يخاصمه ومن لا يحرص على جعله رفيقه وصديقه "المقرب"؛ فالصبر يضاعف القدرات لمواجهة ما نكره بالحياة بأفضل ما يمكن لتقليل الخسائر ولانتزاع بعض المكاسب..
وصدق القائل: الإنسان المفاجأ نصف مهزوم؛ فلنتذكر دومًا أننا بالدنيا ولسنا بالجنة، ولا مفر من وجود منغصات وإحباطات؛ ولا نعني انتظارها وتكدير أنفسنا بل "حسن" مواجهتها عند حدوثها، وأمامنا اختياران لا ثالث لهما؛ الأول احتضان الصبر الذكي والجميل، والثاني مخاصمته ودفع الأثمان الباهظة دينيًا ونفسيًا وصحيًا وبالعلاقات أيضًا؛ والخسائر الاجتماعية والعاطفية أيضًا..
غياب الصبر يعني الموت ونحن أحياء؛ فهو صديق الحياة ويحسن التحمل ويطرد الجزع الذي يجلب الانهيار وأحيانا السخط والمرارة وهم أسوأ الأعداء بالدين والدنيا..
الصبر يساوي القوة بكل أنواعها؛ فالصبر يمنع النفس عن الاستغراق بالتألم ويطرد الحزن الذي ينهك من يستسلم له ويمنح صاحبه القوة التي تمنعه من التصرف بما يضره "كتسليم" نفسه فريسة سهلة للحزن أو للشهوات أو لأي أفكار وتصرفات تخصم منه..
والصبر مرادف للمثابرة ولاحترام نعمة الحياة ولرفض التصرف بانفعال وأن تحركنا الأحداث والإصرار على التمسك "بريموت الكنترول" بأيدينا – ما استطعنا - واستعادته عند هروبه بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع وتذكر الحديث الشريف: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له"..
والمؤكد أن الحياة تتراوح بين الشكر على النعم والصبر على ما نكره؛ "وأعز" نفسه من أطال التوقف عند النعم خاصة عند الابتلاءات ليقوي نفسه وليضاعف مناعته الدينية والنفسية "وليمنع" غياب الصبر وليشكر القوي العزيز أن الابتلاء لم يكن أشد وليحسن الدعاء؛ ولينتبه لدعائه فلا يقل: اللهم اعطني ظهرًا يتحمل الألم وليقل: اللهم اكتب لي العافية واكتبني من الشاكرين لأنعمك..
يبالغ البعض بتضخيم أي موقف عابر ضايقهم، ويطيلون التوقف عنده ويتحدثون عنه وكأنه كارثة لا تحتمل ويرفضون من ينبههم لذلك؛ ويتعاملون معهم وكأنهم يستخفون بأوجاعهم ونسمعهم يقولون هذه قدراتنا والبعض ولدوا بطاقات الصبر ونحن حرمنا منها!!!
ويستطيع الجميع الصبر متى "اختاروه" وتوقفوا عن احتكار الرثاء لأنفسهم أو توقع الحياة كرحلة جميلة خالية من الألم؛ فالصبر دومًا اختيار وطاعة ونجاة ومفتاحه الثقة بالله؛ وقيل كيف نصبر؟ وجاء الرد "الشافي" والجميل والواقعي: مثلما نصوم تمامًا متأكدين أن أذان المغرب سيأتي.
ولنتدبر قول الإمام علي كرم الله وجهه: ألا إن الصبر بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، وقوله: لا إيمان لمن لا صبر له، وقوله: الصبر مطية لا تكبو.
يوجد أنواع للصابرين؛ كالصابرالذي يحتضن الألم داخله ولا يعترف به حتى لنفسه؛ خوفًا من الوصول لعدم الرضى بالقضاء ويقسو على نفسه ويحملها ما يفوق طاقته ويضاعف وجعه بيديه؛ والأفضل الاعتراف بالألم وأن يربت على نفسه قائلا سيزول قريبًا فلا شيء بالحياة دائم وهي نفسها مؤقتة، والذي "ينكر" حدوث ما يؤلمه أو يتجاهله "هربًا" من المواجهة ويؤذي نفسه فلن يختفي الألم وحده وسيتوحش في غفلة منه..
وهناك الصابر الذي لا يفعل شيئًا لتحسين ظروفه؛ وكأن الصبر غاية وليس وسيلة لتقوية النفس وصدق القائل: الصبر على ما يمكن تغييره بلادة..
وقد لا يذهب الصبر الحزن كله؛ ولكنه سيخفف من حدته ويساعد صاحبه على البحث عن أفضل الحلول المتاحة بينما الجزع يربك العقل ويجهد القلب ويؤذي من يستسلم له ولا يسارع بطرده..
ونجد الصابر الذي يتجول على الناس بالواقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن صبره على مصيبته؛ فيجدد الوجع ويتلقى بعض التعاطف ومعظمه مجاملات ويضخم شعوره بالوجع، ويتناقص الدعم من البشر تدريجيًا فهذه طبيعة البشر؛ فالبعض سيمل وغيرهم ينشغلون بما يهمهم، وما أغناه عن ذلك لو استغنى عن دعم البشر وتوجه بقلبه "كاملًا" للرحمن اللطيف بعباده طالبًا منه وحده الراحة والسكينة..
أما الصابر الذي يبحث عن إعجاب الناس بصبره؛ فيخسر ثواب الصبر ويجعل نفسه "رهينة" عند زيادة أو تناقص الإعجاب فيضيف لنفسه خسائر جديدة؛ والأذكى مراقبة رصيده من الصبر والعمل على منع التناقص وتذكر أنه يعمل ليكون فائزًا بالدارين وأنه لا يحتاج "لتصفيق" الآخرين فهو قوة عظمى وليس دويلة تعيش على إعانات الآخرين.
أما أذكى الصابرين فهو الذي يتذكر قصر الحياة - مهما طالت - ولا يقصرها بالرضوخ للهم ويسعى لزحزحتها -إن لم يستطع إزالتها - ويتشاغل عنها بفعل ما يضيف لحياته ولحياة من يحب، ويفرح بأي انفراجة مهما صغرت، ولا يكتفي بها ويسعى لزيادتها برضا "يسكن" قلبه وعقله ولا يكتفي بترديده بلسانه ويسعى للفوز بكل مكاسب الصبر؛ فالنفسية تجعله يتنفس الثقة بالنفس وبالعملية يضاعف خبراته وبالصحية ينجو من الأمراض..
والجائزة الكبرى بالفوز بالأرباح الدينية؛ ويكفيه الآيات الكريمة: و"الله يحب الصابرين" و"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" و"بشر الصابرين".