Close ad

لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!

19-5-2021 | 13:40

في مستهل العام الماضي وقبيل إغلاق الطيران العالمي بسبب أزمة كورونا، كنت في زيارة عمل سريعة جوًا، وخلال الرحلة الثانية للطائرة من النمسا إلى الولايات المتحدة بعد ترانزيت عدة ساعات، صادف مقعدي بجوار رجل طاعن في السن تبدو في ملامحه أنه ذو أصول أوروبية.

كان الشيخ بطيء الحركة ويعاني من سعال متلاحق، ويحاول بصعوبة وضع حقيبة تخصه في الرف العلوي للطائرة، تحركت على الفور بشكل تلقائي لمساعدة جار المقعد، وحملت عنه ما يثقله وأزحت حقيبتي بعد أن سحبت كتابًا صغيرًا أحتفظ به لشغل ساعات الرحلة الطويلة، وأعطيت الأولوية لحقيبته على الطرف حتى إذا احتاج منها شيئًا سهل عليه تناوله.

شكرني بلغة إنجليزية مهذبة قائلًا "إن جسده وهن عند عمر ٨٣ عامًا"، فشجعته بابتسامة أنه يبدو أصغر من ذلك، وكان طبيعيًا أن نتبادل حديثًا قصيرًا عن موطن كل منا، وكنت المبادرة بسؤاله، ليصدمني بالإجابة "إسرائيلي"، فأسقط في يدي ولم أتحكم في تعابير وجهي التي تحولت من الابتسامة المجاملة إلى العبوس والرغبة في إنهاء الحوار قائلة بكل شموخ "وأنا مصرية".

وأشحت بوجهي تجاه شباك الطائرة أنظر إلى اللاشيء، للحظة تعجبت من انزعاجي الشديد لجيرة لن تدوم إلا لعدة ساعات مع كهل ضعيف، هل صهيونيته المحتلة التي تتخفى خلف ذلك الوجه العجوز، أم هو عمره بالأساس الذي أصابني بالضيق؛ فبحسبة بسيطة مؤكد كان شابًا مجندًا في السبعينيات.

كدت ألتفت إليه لأوجه له سيلًا من الاتهامات: متى هاجرت إلى بلدكم الاحتلالي؟ وهل شاركت في حرب ٦٧ وتورطت في تدنيس أرض الفيروز قبل أن نطردكم ونطهرها من وجودكم للأبد في ٧٣؟ وهل رأيت عمي الشهيد؟ وهل شاركت بدم بارد في إصابة الزورق البحري الذي كان يستقله في معركة الأدبية قبالة السويس فاستشهد هو ومن معه من مقاتلين يوم ٢٤ أكتوبر بعد أن منعوكم من التقدم قبل وقف إطلاق النار؟!

أسئلة بلا إجابات تداعت على ذهني دفعة واحدة، لم يخرجني منها إلا وقوع الكتاب من يدي، وللمصادفة كان لرواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، التي تعد رمزًا للصراخ الشرعي المفقود لصوت فلسطيني في خيام التشرد، يا الله أي رسالة تبلغني أوراقها، من بين كل مكتبتي لم أحمل سوى هذه الرواية التي كنت بدأتها.

وأعرف أنها تتناول بإبداع استثنائي صوتًا فلسطينيًا يعيش التيه في شتات ما بعد الاحتلال الصهيوني في ٤٨، ربما لأنها نسخة لطبعة شعبية بحجم الجيب تناسب حقيبة الترحال الصغيرة، انطلقت عيني بين السطور تتدافع معها دموعي ولوعة كادت تخلع قلبي لحروف غزلها الروائي الفلسطينى الأشهر الذي تعد أعماله الأدبية مصدر وحي لأجيال كاملة؛ سواء في حياته أو بعد استشهاده بالكلمة والفعل في بيروت مع ابنة أخيه لميس في انفجار سيارة مفخخة على أيدي عملاء إسرائيليين، أرادوا قتله فأحيوه للأبد.

فعقب اغتياله تم إعادة نشر مؤلفاته التي تبلغ ١٨ كتابًا إضافة لمئات المقالات عن كفاح الشعب الفلسطيني، وأصبح أيقونة للكفاح بكل لغات العالم.. استدعيت كل معاناة أبطال الرواية "مروان وأسعد" في قيظ شمس الصحراء بين العراق والكويت أثناء هروبهما قبل أن يلقيا حتفهما في داخل جوف تنك العربة حبسهما فيها المهرب خوفًا من اكتشاف أمرهما عند نقطة حدودية لينطلق بموتهما داخلها السؤال البديهي الأزلي الذي يختتم به الرواية ولا زلنا نردده: لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!

استدعيت ذلك الموقف الشخصي القدري التلقائي الذي يعبر عن جذور الازمة والصراع الراسخة في نفوس المصريين تتوحد مشاعرهم وأفعالهم مع الفلسطينيين الواقعين بين رحي عدو مغتصب وعصبة متآمرة، موقف شعبوي لا يختلف عن موقف رسمي لقائد أعلن أنه يصون ولا يفرط، يدعم المواطنين المحاصرين في غزة، ويتعهد بدعم ٥٠٠ مليون دولار لإعادة الإعمار بشركات مصرية تمنع استغلالها من تجار الموت، وتدعم أواصر الأخوة بين الأشقاء، يدافع عن حق الشعب في تقرير مصيره، ويطرح حل الدولتين بالاستفادة من علاقات مصر المتميزة مع الدول العظمى؛ كما رأينا في زيارة باريس، موقفًا سيضاف لتاريخ مشرف لوطن حفر جذوره بدماء المصريين التي سالت وتمنعنا من المزايدة والجعجعة الفارغة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مها سالم تكتب: فلك نوح في الغربية

هل فكرت يومًا في موقع سفينة نوح أين تقبع الآن، هل بحثت عن معنى النجاة وسط طوفان غير مرئي إلا لقائد السفينة، هل يمكن العطاء يخرج من رحم المعاناة

مها سالم تكتب: ياسر رزق .. وترجل الفارس عن جواده

أصبح الجميع يتهرب من كلمات العزاء والمواساة، فالمصاب الأليم دخل كل بيت وليس خافيًا أننا نعيش عصر وباء وابتلاء، ليظل الموت هو المعلم الأول

مها سالم تكتب: شباب حول الرئيس

بدأت تتوالى الصور على الصفحات الشخصية تعلن التوجه إلى المحفل الأكبر لتجمع الشباب المصري والعالمي في المنطقة؛ منتدى شباب العالم بشرم الشيخ؛ الذي ينطلق بين العاشر والثالث عشر من الشهر الجاري

لماذا يبتلينا الله؟

هل أصابك الحزن وعانيت من قبضة النفس وضيق الصدر، هل كنت واحدًا ممن سألوا أنفسهم عن الحكمة وراء "الابتلاء"، هل قلت "لماذا أنا "فلست بأشر الناس ولست بخيرهم،

"فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ"

من البديهيات أن تهديد الأمن القومي لأي دولة يتصدره مقدرات الحياة من أمن مائي وغذائي يكفي لتلبية احتياجات المواطنين، لذلك يعد ما يواجهه الأمن المائي المصري

فاطمة أم جورج

أصيب النقيب جورج بإصابات متفرقة خلال تنفيذ العمليات الميدانية في شمال سيناء، خاف الضابط الشاب أن يبلغ والدته بأنه مصاب، واتصل بصديق عمره النقيب سعيد،