يتميز المجتمع المصري بتجانس مجتمعي كبير لعوامل طبيعية وتاريخية واجتماعية وسياسية متنوعة منذ وحد مينا القطرين من آلاف السنوات للآن، فلا تعاني مصر بحمد الله من أي صراعات عرقية أو جنسية أو مذهبية وخلافة.
وهذا التجانس ينعكس على كافة مجالات الحياة وينعكس ذلك على التجانس المجتمعي، فلا يوجد انفصام بين أي من جماعات المجتمع، ونجد التزاوج والتصاهر ظاهرة طبيعية بين كافة الجماعات، فلا يوجد أي مشاكل مجتمعية بسبب البشرة أو المنبع أو خلافه، وهذا التجانس من العوامل المهمة التي حمت مصر من مؤامرات الفوضى الخلاقة التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة، ولكن شهدت المباريات الأخيرة بين قطبي الكرة المصرية هتافات وتجاوزات عنصرية ضد احد اللاعبين.
وبعيدًا عن الكرة والتعصب فإن المخطئ لابد من عقابه؛ سواء كان لاعبًا أو جمهورًا أو إدارة مسئولة عن مواجهة ذلك، ويبقى الوطن وتماسك المجتمع فوق الجميع، لكن تكرار الهتافات والتجاوزات العنصرية ظاهرة خطيرة يجب مواجهتها بسرعة وحزم مبكرًا قبل انتشارها؛ مما يمثل خطرًا على وحدة وتماسك المجتمع؛ أيًا كان المخطئ أو المسئول؛ لأن الرياضة يجب ان تكون أخلاقًا في المقام الأول، ووسيلة لإسعاد الآخرين وغير مقبول مطلقًا أن تتحول إلى وسيلة لتمزيق وحدة المجتمع وإثارة النزاعات العرقية.
ومن هنا أهمية الحذر والمواجهة الحاسمة المبكرة مع مثل هذه المشكلات قبل أن تتفاقم وتنشر الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، فمصر طوال تاريخها الممتد إلى آلاف السنوات لا تفرق بين أبنائها؛ سواء بسبب البشرة أو المكان أو غيره، وعلينا اليقظة من إثارة الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد.
وهذه هي تعاليم ديننا ليس لأحد فضل على غيره إلا بالتقوى، وعلى جميع الجهات الرياضية تحمل مسئوليتها تجاه الوطن بدون مجاملة لأي جهة أو شخص، ولم نر أي اهتمام من الاتحاد المسئول عن هذه المشكلة، ولم يكن هناك أي عقاب أو حتى تحذير من تكرار هذه النعرة العنصرية رغم تكرارها في لقاءات القمة في السنوات الأخيرة.
ولماذا التجاهل والهروب من مواجهة المشكلة، ثم على إدارة كل ناد تحمل مسئولية جماهيره والسيطرة عليها، وبالطبع لاعبيه وإلا فليترك المسئولية للقادرين على تحمل المسئولية؛ لأنه من غير المقبول وسط كم هذه المشكلات والأحداث المحلية والإقليمية والعالمية التي تشهدها البلاد أن تكون كرة القدم وسيلة داخلية لبث الفرقة والفتنة بين أبناء المجتمع الواحد، ويمكن منع الجماهير المسيئة من حضور بعض المباريات أو حتى منع الجمهور تمامًا من الحضور إذا عجزوا عن منع الفتن أو حتى منع الكرة أصلًا إن لم يستطيعوا السيطرة على مثل هذه الأمور؛ لأن كبار الفتن قد تنبع من صغار الشرر ويبقى المجتمع والوطن هو الأهم، ولكن تكرار هذه الاحداث بدون مواجهة حاسمة سوف يؤدي إلى تكرارها وتصاعدها في الكرة وغيرها من المجالات، وتصبح ظاهرة صعب السيطرة عليها.
ومن هنا دور علماء الاجتماع في دراسة هذه المشكلات والتحذير منها مبكرًا ووضع مقترحات الحلول قبل أن تتفاقم اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
* أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس