المسارح السياسية الدولية مكشوفة. ميادين الرماية معروفة. وسائل الإعلام الاجتماعية اختراع لجعل الشعوب مرهونة، بذريعة تخليصها من الوسائل التقليدية النخبوية، وبهدف تمكين الفوضى من رقاب الشعوب. الألعاب الإستراتيجية من سرية إلى علنية. الأفكار والمعتقدات على رقعة الشطرنج. تحريك أى قطعة على الرقعة يتم على المكشوف، درجة العلنية تصل إلى التصريح بالهدف أو الأهداف.
مصر، الشعب، والدولة، والأمة، والإقليم، قوة حضارية وثقافية فى العالمين: القديم والجديد، ولا يمكن تخيل هذا العالم دون هذه القوة القديمة المتجددة.
من إشاراتها العميقة، ومرونتها فى المفارق التاريخية، واستباقها لمسارح العمليات المرتقبة، كان استلهامها لروح العصر، بتحديدها المواقف علانية، مادام المتنافسون معروفين، والأهداف واضحة.
حدث بالفعل أن حددت خطا أحمر فى ليبيا، نجح فى فض سامر ألعاب الحروب المجانية، كان إعلان الخط الأحمر (موقفا)، يؤكد أن مصر تفهم الرسائل السياسية لعالم اليوم، وصل الموقف إلى مستحقيه، اكتشفوا أن مصر تحتفظ بنفس الأدوات الحداثية، من قوة ناعمة أو خشنة وقت اللزوم.
حدث بالفعل مرة أخرى فى قصة النيل وسد النهضة، وتم إعلان الموقف بالخط الأحمر من قناة السويس، هذه المرة كان الموقف أعم وأشمل، مع استدعاء تواريخ ذات مغزي، وفهم المستحقون للموقف الرسالة.
مصر تحفظ عن ظهر قلب اتفاق (الرمح الثلاثي)، فى الخمسينيات، ومحاولة أطرافه، المجاورين والمتداخلين، العبث بمياه النيل العذبة، ومصر تعرف أن شن حرب الأيام الستة المباغتة فى الستينيات، جاء على خلفية الحصول على المياه العربية العذبة، وتعرف أكثر عن اللعبة متعددة الأطراف فى مياه النيل الآن، ولذا فهى تحدد المواقف والخطوط علنا، وتكشف للمعنيين المباشرين عما سيحدث للإقليم والعالم فى اليوم التالي، إذا أنقصوا النهر الخالد قطرة مياه واحدة، فحصتها الطبيعية تزداد ولا تنقص، وسيبقى إيراد النهر الخالد خالدا، مهما تكن الأطراف أو الأفعال.
تحديد المواقف والخطوط الحمراء لا تتوقف عند قوى إقليمية، تجاور وتتداخل مع الإقليم العربي، بل تتعداها إلى القوة العظمى، قائدة المعسكر الغربى بالكامل، وزعيمة النظام الدولي، القادرة على ضبط الإيقاع قبل أن يصبح نشازا، ويخرج العالم بغربه وشرقه من الهارموني، وساعتها لن يفيد الندم، وكذلك إلى القوى الأخرى الطامحة فى ميراث القوة العالمية الحالية.
فى السنوات الست الماضية، بعد توقيع مصر لاتفاق المبادئ بالخرطوم فى شهر مارس 2015، نجحت السياسة المصرية فى تفكيك الروابط الضارة بالأمن القومى المصرى والعربي، وأظهرت أصحاب بعض المواقف المرتجفة، أو قصيرة النظر، أو أصحاب الحياد السلبي، فى مسألتى الإرهاب الجوال، ومياه النيل، والطامحين فى الانقضاض على مقدرات الإقليم بالكامل.
تأمين خطوط مصر القريبة والبعيدة عهد مقطوع، والرسالة وصلت إلى الذين داعبتهم الأحلام أو الأماني، فقرروا، نتيجة صلادة القلب المصري، أن يظهروا حول رقعة الشطرنج بوضوح، ويحسبوا حساب المستقبل، بدلا من الغرق فى أوهام الماضي، وقد جربوا مصر فى أضخم عملية وجودية فى 2011، وكيف خرجت من مسرح العمليات أقوى وأوضح، وكيف باتت تحدد المواقف أو الخطوط، وكيف تترك الخيار للذين يرغبون فى التجريب مرة أخرى.