بعد سنوات من عدم الحسم، نجحت قوات الجيش اليمني المدعومة من التحالف العربي، في الانتصار في معركة مأرب، وذلك بعد ست سنوات لم تحسم فيها المعارك الدائرة مع مليشيا الحوثيين، رغم توالي جولاتها، فهل سيكون الانتصار الأخير نهائي للحكومة الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي؟ أم مجرد جولة من جولات الحرب المندلعة من 2015؟ أم ستكون فرصة لجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات وإنهاء الصراع الذي أضر بالشعب اليمني بالمقام الأول بشكل كبير؟ خصوصًا وأن الأمم المتحدة ومن بعدها السعودية أطلقتا مبادرتين للسلام في اليمن.
موضوعات مقترحة
جغرافيا وتاريخ عروبي
محافظة مأرب ومدينتها لا تزال محتفظة بهويتها القبلية والتاريخية، التي تصب بالمجمل في صالح الهوية العربية لليمن المستقل الشقيق أو السعيد إلى حين، التي ستحدد المعركة الدائرة هناك مصيرها وربما مصير اليمن بأكمله. فهي تقع شمال شرقي العاصمة صنعاء بحوالي 170 كم وهدد الحوثيون بالسيطرة عليها على لسان زعيمها عبد الملك الحوثي في يناير 2015 بحجة منع سقوطها في يد التكفيريين وتنظيم القاعدة، وسرعان ما نفذوا هجومهم في مارس من نفس العام ووصلت قواتهم إلى غرب المحافظة وشمال غربها، لكنهم بعد 6 أشهر، من القتال العنيف فشلوا في الدخول إلى عاصمتها مدينة مأرب في حرب معقدة تجمع في كل أطرافها تهديدا صريحا لهوية اليمن العربية.
التركيبة السكانية
يساعد النظر إلى خلفية مأرب التاريخية ولو في عجالة، على إدراك أهمية معركتها لصالح الطرفين المتقاتلين، إذ أن هذه المحافظة لها ما يمكن أن نصفه بتركيبة سكانية قبلية خاصة ومتميزة وتمثل قيمة كبيرة في تاريخ اليمن وثقافته، وهما عنصران بالغان الأهمية في تحديد هوية اليمن العربية؛ بجانب أهمية جغرافية هذا البلد لجيرانها ولمصر والوطن العربي كله. فمن ناحية التركيبة السكانية فأهم قبائلها هي قبائل مراد والجدعان وعبيدة وبني عبد وجميعها تتبع المذهب الشافعي السني، إضافة إلى أن قبيلة "بني جبر" والتي تتبع المذهب الزيدي إلا أنها متقاربة وتكاد تتفق مع القبائل في المذهب وفي الموقف من الحرب، بالإضافة إلى قبيلة الأشراف الهاشمية، لذا تقف كل هذه القبائل ضد الحوثيين الذين يمثلون في نظرهم امتدادَا لحكم الأئمة الزيدين، ويبلغ تعداد المدينة وما حولها حاليا ما يزيد عن مليون نسمة منهم أكثر من 130 ألف لاجئ.
خلفية تاريخية
لم يتمكن العثمانيون من السيطرة عليها إذ أن موقعها الجغرافي في مرتفعات الشمال جعلها بعيدة عن صراعات السلطة، كما أنها لم تخضع لحكم الأئمة الزيديين الذين سيطروا وحكموا محافظات الشمال منذ 1918 وحتى 1962. وتمثل مأرب إحدى أهم معالم اليمن التاريخية باعتبارها عاصمة لإحدى أشهر الممالك في التاريخ القديم، مملكة سبأ كما أنها تحتوى على أكبر نسبة من الآثار اليمنية وهي عبارة كما يقول اليمنيون متحف مفتوح للآثار.
الوضع الحالي
يأتي جزء كبير من ثروة اليمن النفطية من هذه المحافظة، ففيها آبار استخراج النفط وفيها المصفاة وفيها كذلك محطة الطاقة الرئيسية وفي ظل الحرب، تحتاج جماعة الحوثي للسيطرة عليها إليها لدعم قواتها، كما أنه من الناحية السياسية والعسكرية تحتضن المدينة المقر الرئيسي لعمليات التحالف العربي فهي بالنسبة للحوثيين تعني تحصين سيطرتهم على صنعاء من تكرار الهجمات وتساعدهم في إكمال السيطرة على كل محافظات شمال اليمن. لذا فإن السيطرة على المحافظة ومدينتها الصامدة يحقق كثيرا من الأهداف الاستراتيجية لهذه الجماعة كما تمثل لهم موقفا قويا إذا ما انتهت جهود التفاوض الجارية في مسقط إلى شيء ملموس لإيقاف الحرب، كما أشارت وكالة رويترز في 26 فبراير الماضي.
من الناحية الأخرى وفي ظل التجاذبات بين الجنوب والشمال وبين مكونات جبهة "الحكومة الشرعية" بقيادة الرئيس عبد ربه هادي، تمثل معركة مأرب معركة وجود إذ أن استمرار السيطرة عليها والانطلاق منها لاستعادة صنعاء أمر حيوي لوحدة اليمن. لذا تعتبر معارك مأرب الأعنف منذ أن بدأت الحرب قبل ست سنوات تقريبا لسقوط عدد كبير من الضحايا فيها بحسب العديد من المصادر اليمنية ذاتها.
الحوثيون يعتبرون أنفسهم الممثل الرئيسي والوحيد للبلاد وحكومة الشرعية التي تمثل أغلب مكونات الشعب اليمني متمسكة بمرجعيات قوية وذات أهمية كبرى فيما اصطلح على تسميتها بالمرجعيات الثلاث وهي مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن رقم 2216.
وبحسب مراقبين فإن جماعة الحوثي تهدف إلى استمرار القتال في مأرب، ومحاولة وضعها في كماشة إلى تعزيز موقفها التفاوضي من خلال التصعيد المستمر، رغم المأساة التي يعيشها شعب اليمن الشقيق والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها تعد من الأسوء بين جميع دول العالم؛ لكن الأمر ليس بيد الحوثيين وحدهم.
ويرتبط الملف اليمني ارتباطا وثيقا بالعديد من الأحداث الإقليمية يجعل هناك تقصيرا دوليا بخصوص كارثة اليمن الإنسانية والتي عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة في 1/3 /2021 في مؤتمر المانحين بالقول إن "أكثر من 16 مليون شخص يعانون من المجاعة هذا العام وتوفي أكثر من 50 ألف يمني بسبب الجوع إلا أن وعود التبرعات جاءت بأقل من نصف المطلوب 3.8 مليار دولار حيث جاءت الوعود بـ 1.7 مليار دولار فقط، أغلبها من السعودية والإمارات.