مهما ضاقت الحياة أو اشتدت الأزمات؛ فانتظار الفرج يمد من "يختاره" ويتشبث به بقوة إضافية وطاقات متنامية؛ تجعله "يزرع" داخله الرغبة في مقاومة ما يؤلمه "ويكره" الانهزام أمامه "ويوقظ" إرادته ويحمي نفسه - بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع - من مضاعفة خسائره.
الفرج هو الاتساع وعكس الضيق وهو زوال الغم أو تقليله؛ ولا توجد حياة لا يتسلل إليها الضيق والغم، أيا كانت أسبابهما، وتتنوع مصادرهما وأسوأها التي لا نتوقعها أو تأتينا فجأة ونحن بأحسن حالاتنا أو التي تصيب من نهتم بأمرهم ولا نستطيع مساعدتهم، أو محنة صحية قاسية وأحيانا كارثة مالية..
أحيانا يأتي الضيق أو الهموم من "تراكم" المشاكل والتي قد تبدو صغيرة إذا واجهنا كل واحدة منها على حدة، ولكن مع "تأجيل" مواجهتها وأحيانا تلاحقها – بلا إرادة منا - تتسبب بالإنهاك النفسي وهو من أهم مكونات الغم، حفظك الرحمن وأسعدك.
يساعد انتظار الفرج من يختاره على البحث عن حلول لما يؤلمه، بينما من لا ينتظره، يضاعف المحنة؛ وكأن من يفعل ذلك يخنق نفسه بيديه ولا يكتف بما يعانيه من وجع رغما عنه.
قيل عن حق، انتظار الفرج عبادة؛ وكأي عبادة لابد أن ترتبط بالعمل ولا تكتفي بترديدها باللسان ولابد من "تصديقها" واليقين بها.
اليقين نور "لطيف" وناعم يحدث الشروخ تلو الشروخ في جدار ظلام وظلمات الضيق ويهزمه؛ ولو بعد حين.
من المهم مراقبة "توقعاتنا" أثناء انتظار الفرج؛ فالبعض يهزم نفسه بالتفكير بصعوبة ذلك أو بأنه سيستغرق أوقاتا طويلة، وآخرون يلحقون الأذى بأنفسهم بتوقع وصوله سريعا، وعندما لا يحدث يلقون بأنفسهم في انتكاسات طويلة مؤلمة من صنع أيديهم..
ودوما خير الأمور الوسط؛ فلا إفراط ولا تفريط، مع مراقبة تفكيرنا؛ حتىا لا يأخذنا لما يضرنا، ولا تتكلم مع من يحبطوننا ولا نحبط من ينتظر الفرج أيضا عند تعرضهم للضيق؛ سواء بادعاء سرعة حدوث ما يرغبونه؛ لطمأنتهم، أو بالزعم أنه لن يحدث.
ولنبشر أنفسنا والآخرين بالفرج "ونثق" بحدوثه بمشيئة اللطيف بعباده بأفضل توقيت، وننصح أنفسنا وننصحهم بفعل "كل" ما يمكن لإزالة الضيق والغم أو إحداث "ثغرات" فيه والفرح بذلك واعتباره بداية لخير "جميل" وعدم الاكتفاء به ومواصلة السعي بطمأنينة وهدوء ولو قمنا بتمثيلهما؛ فالعقل سيساعنا متى فعلنا ذلك والعكس صحيح إذا "خضعنا" للجزع..
ونوصي بالإلحاح بالدعاء للرحمن بسرعة الفرج "وتنفس" حسن الظن بالخالق عز وجل وتذكر القول البديع: ربما أعطى فمنع وربما منع فأعطي والمحبة هي الموافقة.
والموافقة لا تعني تمني استمرار ما نكره ولكن تعني عدم السخط وتقبل "برضا" وصدق وجود بعض ما نكره بالدنيا؛ فهذا وارد لجميع البشر بكل زمان ومكان فلسنا بالجنة، ولنشكر الرحمن لأنها لم تكن أشد، ثم نتشاغل عنها بفعل أي شيء يفيدنا ويسعدنا ويوسع حياتنا وحياة من نحب، وطرد "الركود" وإيقاف الحياة لحين انتهاء ما يضايقنا، وهو خطأ شائع جدا يستنزف صاحبه نفسيًا وعقليًا وجسديًا ويعرضه لأزمات تضاعف من محنته.
ولا شيء كالركود يهزم الإرادة ويزرع الترهل ويصعب علينا "اختيار" الإيجابية، وكما قيل عن حق: لا تطل النظر للهاوية حتى لا تبتلعك.
وننبه لخطأ ضار جدا؛ وهو الربط بين الواقعية وعدم انتظار الفرج ونوصي بمنع التفكير بالأسوأ كواقع لا مفر من حدوثه؛ مهما كان الضيق شديدا، مع تجنب تجاهل الأخذ بالأسباب لمنع الأسوأ -ما استطعنا-؛ فالسماء لا تمطر ذهبا، والحياة لن تجامل أحدا لطيبة قلبه أو لأنه لا يضمر الشرور للآخرين، كما يفكر البعض قائلين: لماذا يحدث لنا السوء ونحن طيبون؟ والرد لأننا نعيش بالحياة وبها اختبارات ولا يستثنى منها أحد..
ولنتعامل مع ما يتسبب لنا بالضيق والهموم كما نتعامل مع أي مرض عضوي نصاب به؛ فإنكار المرض يزيده في غفلة منا، والخوف الزائد منه يتسبب بإضاعة المناعة النفسية؛ وهو أسوأ ما يمكن أن نفعله بأنفسنا، فهي سلاحنا الأقوي بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع، ونصل لخطأ "الاستنفار" في مواجهة المرض والذي يتسبب بالإنهاك الذهني ثم الجسدي ويجعلنا نشعر "بالخطر" مما يتسبب بالارتباك والتصرفات غير المدروسة بعناية والتي توقعنا بالمزيد من الضرر- لا قدر الله..
ومن المهم الحرص على تناول الغذاء جيدا بهذه الأوقات وتجنب إهماله والفوز بقسط جيد من الراحة الجسدية، وطمأنة النفس أولا بأول وعدم الاعتماد على الغير لفعل ذلك؛ فدوما أفضل العون والطمأنة ما تأتي من الداخل، وتجنب الفراغ الذي ينشط التفكير بالأسوأ ولنتذكر قول رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، لأبي بكر الصديق "لا تحزن أن الله معنا" ولا نبالغ بالتفكير في كل ما لا نتوقعه ويخالف رغباتنا وكأنه كارثة لا تحتمل، وإذا اخترنا "الفضفضة" –أحيانا-؛ فلتكن للبحث عن حل يخفف الضيق وليس لترسيخ الشعور بالألم وربما الحسرة وليكن شعارنا وقائدنا بالحياة دائما وأبدا الوصية النبوية الشريفة؛ "استعن بالله ولا تعجز" وسترد علينا الحياة بالأفضل وبالأجمل كما ندعو للرحمن الوهاب الكريم الذي يجيب الدعاء..