يعرف الجميع مكاسب الشكر الدينية، ولكن فوائده النفسية مازالت كالكنز المخبوء، وما يضاعفها ما أثبتته الدراسات والأبحاث العلمية من التأثير الإيجابي الهائل للصحة النفسية على الصحة الجسدية وعلى كل التعاملات اليومية؛ "فيوسع" الحياة ويضاعف القدرات على التعامل الأفضل مع الضغوطات التي تحاصرنا جميعا - بلا هوادة - والتي لا تخلو منها أي حياة.
الشكر هو الثناء والمدح الجميل لمن يساعدنا أو يحاول إسعادنا بالقول أو بالفعل ونشكره أيضًا بالقول وبالفعل وبالقلب؛ وهذا يبدو من خلال تعابير الوجه والصوت فيكون شكرًا جميلًا صافيًا وحقيقيًا، فيصل للطرف الآخر فيبهجه ويصنع ودًا جميلًا بعكس الشكر الخالي من المشاعر والذي "يلقيه" صاحبه وكأنه واجبًا ثقيلًا أو أداءً روتينيًا..
ومن أذكى البشر من "يصدق" في شكره للخالق عز وجل، ليس على النعم التي لديه بفضل الوهاب وحده؛ ولكن على نجاته أيضًا من أزمات عديدة مرت به أو أنها لم تكن أشد، أو محن عانى منها ملايين البشر بالكون ولم ينج منها إلا بإحسان الرحمن وواسع عطائه، فليذكر نفسه بذلك خاصة عند مروره بأي معاناة - كتب ربي للجميع حياة هانئة وجميلة - ولينجو من براثن الشيطان اللعين الذي كما قيل عن صدق: يذكرنا بالمفقود لينسينا شكر الموجود..
يدرك الشيطان جيدًا تأثير غياب الشكر فهو لا يجعلنا نخسر دينيا فقط؛ وهذه خسارة جسيمة، لكنه يسرق منا الدنيا أيضا؛ فغياب الشكر ينهك صاحبه ويتسبب بإرباكه نفسيًا وصحيًا واجتماعيًا وحرمانه من الصحة النفسية التي أساسها التمتع بمستوى جيد عاطفيًا وسلوكيًا، وكيف يفوز بها من يخاصم الشكر ويركز طوال الوقت عما ينقصه؛ ويتناسى أنه بالدنيا وليس بالجنة والمنغصات والمتاعب جزء منها ولا ينجو منها أي إنسان بالكون مهما علا منصبه ولا زاد جاهه أو تراكمت ثرواته، وأن من يقدر قيمة عمره ينشغل بالشكر ما استطاع لينجو وليساعد من يحب على النجاة والعكس صحيح.
ولنتدبر القول البديع للأمام على كرم الله وجهه: إذا وصلت إليكم أطراف النعم؛ فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر..
شكر الله يتطلب الفرح بالنعم ؛فلا نتعامل معها بالاعتياد أو كأنها حق لنا، ونتذكرها بتقدير وعرفان ورضا، وكما رزقنا بها سيرزقنا بالأكثر؛ والرضا لا يجتمع مع المرارة والغضب المكتوم أو المعلن عن الحياة أو بعض منها..
الرضا يجعلنا أهدأ نفسيًا وأكثر تقبلًا لحقيقة أن الحياة لن تسير كما نرغب وسيحدث ما يخرج عن سيطرتنا أو ما يخالف توقعاتنا؛ والتقبل يمنحنا "الرغبة" والقدرة على التعامل الإيجابي وبلا غضب يحرمنا من السعي لمواجهة الواقع أو يدفعنا لتصرف خاطئ نندم عليه لاحقا.
الشكر "الصادق" يمنحنا السلام النفسي وهو من أهم مكونات الصحة النفسية، كما يعد "المنتجع" النفسي الذي نرتاح فيه من اللهاث اليومي ومن الإنغماس بتفاصيل الحياة ومن تورط بالتفكير في صغائر البشر، وما أكثرها.
لا تنس شكر نفسك ليس على الإنجازات فقط ؛ فالحياة ليست عملًا ومادة فحسب؛ وتتسع لتكوين علاقة ناجحة بنفسك وبمن حولك؛ "فتسعى" لتكون أفضل وتحاول – بجدية ومثابرة - لتمنع نفسك - ما استطعت - من إيذاء نفسك نفسيًا وصحيًا بالاستسلام للتفكير السلبي، وتراقب قلبك فتمحو منه أولا بأول كل ما يحرمك من "الاستمتاع" بالقلب السليم الذي يخلو من المشاعر التي تخصم من نقائه وتهدد صفاءه وتضيع "بهاءه"؛ فتطرد من قلبك ومن حياتك من يؤثرون على قدرتك بالاحتفاظ بالقلب السليم أو تضعهم على الهامش؛ وتشغل قلبك بمن يستحقونه ويبقونه سليمًا ونقيًا ولتعط نفسك حقها ولكل ذي حق حقه.
ونصل لشكر الناس فهو يرطب تعاملاتك معهم بشرط عدم المبالغة حتى لا يفقد معناه وحتى لا يتعامل معه الناس باستهانة..
ويتعمد البعض – من الجنسين - تجنب شكر شريك حياته عندما يفعل شيئًا جيدًا؛ حتى لا يظن أنه فعل شيئًا "خارقًا"!!
ويتجاهل أن الشكر "ينعش" الزواج ويجدده ويشجع الشريك على المزيد من عطاء الحب ولا يدفعه للاقتصار على عطاء الواجب وهو ما يزرع "التصحر" العاطفي بين الزوجين وبكل العلاقات، بينما الشكر بالكلمة وبالتصرف وبالود يدفعون الآخرين لتقديم المزيد لشعورهم بالتقدير لعطائه والعكس صحيح..
وكما "نفرح" بالشكر فلماذا لا نسعدهم بشكرنا لهم؟! وكأننا "نخنق" أنفسنا بأيدينا وبالشكر تتسع وتصبح أجمل كما نستحق أليس كذلك؟
الشكر يزيد النعم ويمنحنا "براحًا" لطيفًا "نحتاجه"؛ فتذكر النعم "يرفع" معنوياتنا "ويطرد" الوجع "وينير" أعمارنا والعكس صحيح، فلنحب أنفسنا ونشكر الوهاب دائمًا وأبدًا ونحسن الظن بالرحمن ونهدي أنفسنا يوميًا دقائق "نتنفس" فيها الشكر الحقيقي على ما وهبنا الرحمن من نعم "ونطيل" الاستمتاع بالشكر ونسمح له بالتوغل بخلايانا وعقولنا وقلوبنا "وليمسك" بريموت كنترول حياتنا وبالشكر تتضاعف النعم وتزداد طاقاتنا الإيجابية ونهزم الوجع؛ وإذا عاد عدنا..
ولنكن شاكرين عند مساعدة غيرنا ولا نطالبهم بالشكر؛ فمساعدة الناس نعمة تستحق الشكر. وهذا لا يتناقض مع شكر من يساعدنا..
لنشكر للرحمن؛ فمازلنا أحياء وهناك فرص رائعة لزيادة رصيدنا من المكاسب الدينية والدنيوية وتقليص خسائرنا أيضًا..