يتجلى رقى الإسلام وتحضره وتبدو إنسانيته بصورة واضحة من خلال رعايته الشاملة للضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة، فالإسلام وهو دين الحق والعدل لا يهدر حقوق هؤلاء الضعفاء ويرفض ويدين كل صور الإساءة التى يمكن أن توجه إليهم من أصحاب المال أو النفوذ أو القوة البدنية، حتى يعيشوا حياتهم أعزاء بين الناس.
موضوعات مقترحة
فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم نموذجًا مضيئًا فى هذا الطريق بملازمته الفقراء، والضعفاء، والمكث معهم، فإن ذلك أبعد عن مظاهر الدنيا وفتنتها، فعن سَعدِ بنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضى اللهُ عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فِى سِتَّةِ نَفَرٍ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ نَسِيتُ اسمَيهِمَا فَوَقَعَ فِى نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: «وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ».
كانت حياته مع الفقراء جبرًا لخواطرهم، مع المساكين كى يبشرهم، مع منكسرى القلوب كى يجبر قلوبهم، كان يطلبهم عن عمد، لأنه يعلم أن الإحسان إليهم سبب من أسباب سعة الرزق، وتحقيق النصر، ففى الحديث الشريف: «أَبْغُونِى ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ، وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ». وفى يوم من الأيام رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُم". وهذا يشير بوضوح إلى أن العناية بضعفاء الأمة والاهتمام بهم، فإنه وإن كان من أسباب الرزق، فهو كذلك سبب من أسباب نزول نصر الله تعالى على عباده المؤمنين، وتشمل العناية والاهتمام: تقديم النصر لهم إن كانوا جياعًا، وتأمين المأوى لهم إن كانوا مشردين فى الشتات، وتعليمهم إن كانوا قد فقدوا أدوات العلم ووسائله، وبذل الجهد اللازم لنصرتهم بكل السبل والوسائل الممكنة، لأنهم فى أمس الحاجة إلى كل أنواع الاهتمام المادى والمعنوى.
يأتى الصيام عونًا لهذه الطبقة الكادحة، إحساسًا بهم وبأحوالهم، فشرع الإسلام الفدية عند الإفطار لعذر أو مرض أو سفر أو عند الوقوع فى حرج ومشقة، لتصب فى صالح الضعفاء والفقراء، وشرع الإسلام زكاة الفطر لتكن إسعافًا لهم فى هذا الشهر الكريم، وقال “أغنوهم عن الطواف”، لتكون طعمة للفقراء والمساكين، وجبرًا لخواطرهم.
*من علماء وزارة الأوقاف