عبد السلام عارف.. أول رئيس لجمهورية العراق، وثاني حاكم بعد الحكم الملكي بعد الفريق نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة.
ولد عبد السلام محمد عارف ياس الخضر الجميلي في محلة سوق حمادة ببغداد لعائلة مرموقة من تجار الأقمشة، كان جده شيخ عشيرة "الجميلة" من قبيلة الدليم، وخاله الشيخ ضاري أحد قادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، واستشهد عمه السيد عباس على يد الإنجليز في الرمادي.
نشأ في بغداد، وأكمل دراسته الابتدائية بمنطقة الكرخ، تخرج من مدرسة الكرخ الثانوية الرسمية عام 1938م، ثم التحق في نفس العام بالكلية العسكرية، تعرف أثناء دراسته على عبد الكريم قاسم عندما كان محاضراً بها وحافظ على علاقته به رغم تنقلاته بعد ذلك، وتخرج برتبة ملازم ثان في عام 1941م.
اشترك في حركة مارس 1941م التحريرية قائداً لسرية مدرعات آلية، وحاصر القصور الملكية، إلا أن الحركة باءت بالفشل ولم تعرف السلطة اشتراكه بها فلم يُحاكم، ثم نقل إلى البصرة وعُين ضابط استخبارات حتى عام 1944م، ثم نُقل إلى لواء الناصرية، اختير عام 1946م مدرسا في الكلية العسكرية ظل بها لمدة عام ثم نقل إلى كركوك عام 1948م ومنها سافر إلى فلسطين، واشترك في حرب فلسطين عام 1948م.
تنقل بعد عودته من حرب فلسطين من بغداد إلى الموصل فكركوك، ثم نُقل إلى مقر قيادة الجيش مع تولى نور الدين محمود رئاسة الأركان وتقلد عدة مناصب هامة، ثم نُقل وعبد الكريم قاسم إلى دائرة التدريب والمناورات عام 1952م وحتى 1954م فنُقل قاسم قائداً للواء التاسع عشر، وعارف قائد فوج في نفس اللواء، سافر في 1954م للالتحاق بدورة عسكرية في دسلدورف بألمانيا لمدة عامين، وعاد من هناك ليلتحق باللواء التاسع عشر.
انضم إلى اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار عام 1957م، قام عارف بدور رئيسي في التخطيط لثورة 14 يوليو 1958م ضد الحكم الملكي، وأذاع البيان الأول للثورة وعُين نائب لرئيس الوزراء ووزير للداخلية بعد نجاح الثورة، وتولى عبد الكريم قاسم رئاسة الوزراء، إلا أن الخلافات دبت بينهما بسبب طريقة تصفية العائلة المالكة التي اعترض عليها عارف الذي سافر إلى دمشق في 19 يوليو 1958م، والتقى هناك جمال عبدالناصر وعرض عليه الوحدة، إلا أن ناصر نصحه بالتريث، وألقى خطاباً لم يذكر فيها اسم عبد الكريم قاسم فزادت المشاكل بينهما، حتى انقطعت العلاقة بينهما مع إرسال عارف رسالة إلى السفارة المصرية يُعلمهم بسفره على رأس وفد من الضباط لعرض الوحدة حتى لو أدي الأمر لتنحية عبد الكريم قاسم.
دخل عارف فى عدة صراعات مع اليساريين، وأثارت خطاباته التي ألقاها في جولاته بالمحافظات حفيظة الأحزاب السياسية، فوضع قاسم خططا للتخلص منه بدأها بإزاحة الضباط الموالين له ثم تنحيته من منصبه في 11 سبتمبر 1958م،ثم جرده من مناصبه في 30 سبتمبر 1958م، وعينه سفيراً للعراق في بون بألمانيا، إلا أنه رفض المنصب وقدم استقالته، فأحيل إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة في 9 ديسمبر 1958م عن تهم كثيرة منها الإعداد لانقلاب وصدر الحكم في 5 فبراير 1959م بالإعدام شنقاً وطرده من القوات المسلحة، وظل بالسجن حتى سبتمبر 1961م، عقب انفصال سوريا ومصر وأطلق سراحه تحت المراقبة حتى 8 فبراير 1963م عندما نجح البعثيون في حركتهم الانقلابية ونصبوا عارف رئيساً للدولة ليصبح أول رئيس للعراق بعد أن كان هذا المنصب معلقا منذ ثورة 1958، وأُعدم عبد الكريم قاسم في 9 فبراير 1963.
سعي فور توليه إلى تحقيق حلمه بالوحدة، وبالفعل تم توقيع اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا والعراق في 17 إبريل 1963م، ووصفت بالقوة الثالثة فى العالم، إلا أنها لم تستمر سوى 3 أشهر فقط من توقيعها، حيث بدأت الخلافات تظهر بين الرئيس عبد الناصر وقيادات حزب البعث فى سوريا برئاسة حافظ الأسد، ولذلك أعلن عبد الناصر في ذكرى ثورة يوليو 1963م انسحاب مصر من اتفاق الوحدة الثلاثية وأصبح حزب البعث مسيطراً على الحكم في سوريا والعراق دون أن يبنى بينهما وحدة أو اتحاد.
استغل عارف الخلافات بين أعضاء حزب البعث في 18 نوفمبر 1963م وانقلب عليهم، وسعي إلى تجديد الوحدة مع مصر فأعلن في 26 مايو 1964م تشكيل المجلس الرئاسي المشترك بين العراق ومصر، قام بعض الضباط أثناء تواجده في قمة الدار البيضاء بمحاولة للانقلاب عليه إلا انها باءت بالفشل وقبض عليهم .
دعي لحفل تدشين السد العالي الذي افتتحه مع الرئيسين عبد الناصر وخوروشوف، وكان عارف من الشخصيات المحبوبة لدى الكثير من الأوساط العسكرية والشعبية وخصوصا طبقة المتدينين المستنيرين والوحدويين، وتأثر أسلوبه كرجل دولة بشخصيته وتطورها، فأرسى مدرسة خاصة به فى الحكم تعتمد على المبدئية والتسامح وسعى لإتاحة المجال أمام الطوائف والقوميات والأعراق للتعبير عن نفسها، كما تميز منهجه فى الحكم بإعطاء مساحة من الحرية والصلاحيات لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء بالعمل على اختلاف انتماءات الوزراء بشرط الالتزام بمعايير القانون والدستور .
وظل عارف في الحكم إلى أن توفى إثر سقوط الطائرة الهليكوبتر في 13 أبريل 1966م، وقبل يومين من تنفيذه ضربة عسكرية لإخماد ثورة الأكراد بشمال العراق، وتولى الحكم بعده أخوه عبد الرحمن عارف.