العسل الصافي؛ الخالي من الشوائب من منا لا يحبه؟ تعريف الناصح باللغة العسل الصافي؛ وقيل الخالي من الغل، فالكثيرون يرفضونه والبعض يتقبلونه على مضض، والقلة يعملون بالنصيحة، صرخت سيدة وهي تشكو صديقتها المقربة التي "تدمن"نصحها "وتطاردها" لتتأكد من تنفيذها النصائح.. أضافت بغضب شديد: وكأنني قاصر لا تعرف مصلحتها...
قلت: جميعنا نحتاج لنكون أفضل؛ والنصيحة "المخلصة" من المقربين "نعمة" ووسيلة لحياة أفضل وأجمل نستحقها أليس كذلك؟
ردت بغضب أشد: حتى الأطفال لا يحبون تكرار النصح..
وافقتها وقلت: ولكن الناضجين سيحبون الدواء وإن كان طعمه مرًا؛ ويركزون على فائدته ولن يلقوه على الأرض لأن من أعطاهم إياه لم يكن لطيفًا؛ وسيتجاهلون ذلك.
مع التأكيد على أهمية اللطف عندما نعطي نحن النصيحة "ونغلّفها" بالود الصادق والابتعاد عن التقليل من شأن من ننصحه أو تذكيره بأخطائه السابقة وبالطبع تجنب نصحه أمام الآخرين حتى لا ندفعه للعناد ورفض النصيحة.
وهذا لا يغير من استجابتنا للنصيحة المفيدة وتجاهلنا "لأسلوب" عرضها أيضا..
ولنفرح بتكرار النصح؛ فهو دليل على الاهتمام الصادق من الأصدقاء أو الأهل؛ وأننا نحتل مكانة مميزة لديهم ويواصلون نصحنا رغم مشاغلهم الخاصة حبًا لنا وليس للسيطرة علينا.
وتذكرت رجل بالأربعين من العمر كان ساخطًا على زميله بالعمل الذي ينصحه بتغيير طريقة تعامله مع الزملاء ومع المدير
قال"يظن" أنه امتلك وحده الحكمة والمعرفة.
طلبت منه سرد بعض نماذج من النصح التي رفضها.
قالها بسخرية من زميله، وفوجئت بأن زميله كان محقًا "ومخلصًا" بنصائحه وأن محدثي يرفض النصائح لأنه يراها اعترافًا منه بأفضلية زميله الذي يقاربه بالعمر وبالوظيفة..
والمؤكد أن من الذكاء تجنب حرمان النفس من الفوز بالأفضل وتقبل النصيحة من أي إنسان؛ عند التأكد أنها تصب لمصلحتنا..
يتعامل البعض – من الجنسين- مع النصيحة وكأنها عدوان عليه وكأنه ليس جيدًا بما يكفي؛ والمؤكد أننا جميعا لسنا جيدون بما يكفي؛ فدائما هناك الأفضل الذي يجب السعي إليه ما بقينا على الحياة وإن لم نزد سننقص، وإن لم نعرف الطريق فسنخاصم الذكاء ونضر بأنفسنا عندما لا نشعر بالامتنان لمن يدلنا عليه.
وننبه للحذر عند الاستماع للنصيحة وعدم المسارعة بتنفيذها إلا بعد التأكد من أنها تفيدنا ليس للتخلص مما يضايقنا أو يغضبنا بالوقت الحاضر فقط ولكن على المدى البعيد وأن الناصح تتوافر فيه صفات الأمانة والخبرة وعدم المجاملة؛ فالبعض يضرنا بنصائح "ترضينا" ولكنها تؤذينا وإن ارتدى رداء الصداقة وهي منه براء.
فالصديق هو من كان صادقا معك وليس من دس لك السم بالنصيحة ليرضي شعورك بأنك محق؛ وتكثر هذه النصائح السامة خاصة مع المشكلات الزوجية ولننتبه ونرى هل حياتنا ستكون أفضل وأكثر اتساعًا بعد تنفيذ النصيحة أم ستصبح أسوأ..
ومن الأخطاء الشائعة عدم فهم نفسية من نتوجه إليه بالنصح وسوء اختيار وقت النصيحة وأحيانا معايرته برفضه السابق للنصائح وخسائره بسبب ذلك "ظنا" أن ذلك سيدفعه للتغيير وللمسارعة بتنفيذ النصيحة الجديدة؛ ولا أحد يرحب بمن يذكره بأخطائه والأفضل القول بأننا نرى أن ذلك "قد"يفيده ونطرحه بأقل كلمات؛ فالكلام الكثير يقلل من قابلية المنصوح بالتنفيذ وكذلك الحصار والإلحاح ومتابعة هل نفذ النصيحة أم لا؛ فكل ذلك "يدفعه" لرفضها لشعوره بالوصاية وإلغاء حريته في فعل ما يريد..
ونستثني النصح للأبناء؛ فمن حقهم على علي الأهل متابعتهم لهم مع التشبث –قدر الاستطاعة- بالصبر واللطف بالنصح وعدم تعجل النتائج "وتحفيزهم" للاستجابة للنصيحة بذكر مكاسبهم عند الأخذ بها وخسائرهم عند رفضها بجمل قصيرة وبعيدا عن الآخرين ولو كانوا إخوتهم منعا للمضايقات أو للحساسية أو معايرة بعض الإخوة لبعضهم مما يوغر الصدور ويشجع على رفض النصيحة..
مع تجنب الحدة بالنصح والمبالغة بالتحذيرات توهما أن ذلك سيحمس على التنفيذ وغالبا ما يأتي بنتائج سيئة والابتعاد عن التوسل عند النصح وكأننا نريد شيئا لأنفسنا ولا نبتغي مصلحته..
ويكابر البعض ويرفض النصيحة خاصة من الأهل وكأنهم في معركة معهم لإثبات أنهم كبروا ولم يعودوا بحاجة للنصح؛ ولا أحد لا يحتاج للنصيحة مهما كبر بالعمر ولا بلغ من النجاح والمكانة المتميزة؛ فجميعنا بشر نخطئ ونصيب ولا أحدَ كاملٌ ومن يجيد تقدير نفسه واحترام عمره يرحب بالنصيحة الصادقة والمفيدة ويشكر صاحبها بود حقيقي، وإذا كان يعرف النصيحة وينوي فعلها فلا يذكر ذلك لمن ينصحه؛ فسيضايقه وسيخسره إنسانيًا وليكتف بشكره وحتى إذا نصحه بنصيحة خاطئة فلا يثبت خطأه ولا ينفذها.
وقد ينصحه بنصيحة أفضل مستقبلًا ولا يصنع مشاكل مع من ينصحونه والأفضل الشعور بالفرح لاهتمامهم به.
أما النصائح المغرضة والخبيثة؛ فلا يستحق أصحابها العتاب أو الشجار ونوصي بوضعهم على الهامش بهدوء وادخار مشاعرنا واحترامنا وحبنا لمن يخلصون لنا النصيحة وإن لم يعجبنا المضمون أو الأسلوب؛ فالنصيحة هدية ودليل على الحب وقد تكون "إشارة" لتحسين حياتنا ولنحذر خيانة النفس بتجاهلها أو بالتكاسل بتنفيذها ودفع الثمن غاليًا؛ ولو بعد حين.