من اللافت للانتباه إساءة مشاعر أبناء الجاليات الإسلامية في دول الغرب في مناسباتهم الدينية، وبعد تكرار نشر الرسوم المسيئة للرسول في صحيفة شارل إيبدو الفرنسية تزامنًا مع المولد النبوي الشريف، يرفع معلم في مدرسة بريطانية واحدة من هذه الرسوم المسيئة، في شهر شعبان وما يحمله من تقديس في نفوس المسلمين، ويعلن امتنانه بها أثناء محاضرته للطلاب ومن بينهم طلاب مسلمون.
والأمر المثير في سوء نية المعلم أن مدرسته تقع في مقاطعة يوركشاير شمال بريطانيا، والتي يقطنها جالية مسلمة كبيرة، مما أثار حفيظة الطلاب المسلمين، ودعم مشاعرهم عدد من زملائهم غير المسلمين، وخرج مسئولون من الحكومة البريطانية فور نشوب الواقعة يلومون الطلاب المسلمين على غضبهم، لما يمثل من إرهاب للمعلمين، ولكن كان من الأجدر بهم التصريح ببيان متوازن، يحترم مشاعر كل الأطراف.
وبطبيعة الحال لم يغب عن هذا المعلم أن الرسوم المسيئة للرسول قد أثارت من قبل نفوس المسلمين في فرنسا؛ سواء المعتدلين منهم أو المتطرفين، ومن المتعارف عليه في جميع العقائد وجود عدد من المتطرفين ينتسبون إليها.
برغم أن المنطق يفرض على كل مسئول إعلامي أو تربوي في الغرب أولوية زرع فضيلة احترام الآخر في نفوس الصغار، فهذه الأجيال تمثل الحلم لكل دولة إزاء تحملهم أمانة بناء مستقبلها، ومن الغباء أن يزرع البعض الكراهية في نفوسهم وإحداث شروخ وتصدعات في بنية مجتمعاتهم، وعلينا إعادة النظر في هذا المصطلح المشبوه الإسلاموفوبيا، وأن نسميه "الكراهيتوفوبيا أو الغل فوبيا" ضد كل مسلم.
وعلي النقيض تشتعل قذائف الهاون من حملة رايات حرية التعبير إذا تعالت نبرة النقد على المثليين؛ سواء كانوا معارضين إسلاميين أو معارضين من عقائد أخرى، وبسبب وصفه للمثليين أنهم مرضى، هاجموا مدير مدرسة إعداد القساوسة في أبرشية كولونيا، وهو رجل دين كاثوليكي بألمانيا.
ويجب نصيحة بعض قادة الغرب من أصحاب الفكر اليمني بعدم استخدامهم نبرات عالية ضد الأقليات وخاصة المسلمة، وعدم تكرارها في أوقات مختلفة، حتى لا يشعلوا شرارة الكراهية مثلما كان يفعل ترامب.
وهل يعي هؤلاء أن مسلمي الغرب وأبنائهم وباقي فصائل مجتمعاتهم أصبحوا لحمة واحدة؟ ومن الخطأ الجسيم تمزيق هذا الجسد الواحد، وما قد يعقبه من أضرار في المستقبل.
ويبدو أن جينات عدد لا بأس به من السكان الأصليين في الغرب ما زال يتأجج بداخلهم نوازع الاستبداد والاحتلال ضد المسلمين، وتحول إلى تنمر ضدهم، وباتت ظاهرة يتم تداولها من بلد إلى آخر، وكما ذكرت في المقال السابق أن التنمر أصبح قاسمًا مشتركًا في كل ظواهر الاعتداء والفشل، بعدما كان تعريفه محصورًا على تلاميذ المدارس.
وفي هذا السياق يمكن تطبيقه على معلم مدرسة "ناتلي جرامر" البريطانية، برغم أن علماء النفس بالغرب سبق لهم وحذروا من مغبة التنمر على نسيج المجتمع، ولكن للأسف لا أذن تسمع.
وفي المقابل علماء الإسلام العدول والمشهود لهم بالحكمة يرفضون تمامًا الدعوات العدائية ضد آراء المعادين للإسلام، ويطالبون أصحاب هذا الخطاب العدائي بتبديله بخطاب يقارع المعادين بالحجة أو بالتي هي أحسن، وهذا ما جاء في بيان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وقال فيه: لابد من إرساء مبدأ الأخوة بدلا من العداوة والبغضاء، وأكد بيانه مبدأ الإسلام الأسمى وهو حسن الخلق.
Email: [email protected]