Close ad

مرآة المجتمع ـ 3

25-3-2021 | 10:56

عندما تقرر عرض مسلسل يعرض السيرة الذاتية لأم كلثوم؛ تردد القائمون على إنتاجه؛ فما الجديد الذي قد يجذب المشاهد؛ فالأعمال الدرامية التي تسرد تاريخ الشخصيات المؤثرة؛ هي رهان غير مأمون النتائج.

إلا أنه قد عٌرض العمل ولاقى نجاحًا كبيرًا جدًا في جميع أنحاء الوطن العربي؛ وأتذكر أنه أثناء عرض الحلقة الأخيرة منه في مصر؛ حدث انقطاع للتيار الكهربائي؛ في مناطق متفرقة؛ مما أفسد مشاهدة الناس للحلقة؛ فطالبوا بإذاعتها مرة أخرى؛ وقد كان؛ ومنا من يتذكر حال الشوارع في بلدنا وقت عرض المسلسل؛ كانت أشبه بالفارغة؛ لشغف الناس بمتابعة العمل الدرامي؛ رغم أن قصة حياة أم كلثوم ليست بخافية عن الكثير.

والأمر تكرر بصور مشابهة لأعمال درامية أخرى نالت شهرة واسعة للغاية؛ مثل الشهد والدموع؛ والضوء الشارد؛ ودموع في عيون وقحة، ورأفت الهجان؛ وليالي الحلمية؛ وغيرها كثير؛ كانت تلك الأعمال تتسم بالحرفية والقيم المجتمعية الراقية حتى بالنسبة لمسلسلات السيرة الذاتية؛ لذلك تلك الأعمال ما زالت موجودة داخل وجدان قطاع كبير من معاصريها.

مع عمل مقارنة مع أعمال لاحقة في الفترة الأخيرة سنلحظ فوارق متعددة؛ مع الاعتراف ببزوغ تغيرات في العصر الحديث؛ جعلت السرعة سمته الأساسية؛ إلا أنها في الأخير تصب في صالح القديمة؛ بلا شك.

تلك الفوارق كفيلة بتبيان التغيرات الغريبة التي كست حياتنا في الآونة الأخيرة؛ مع الأعداد الكبيرة جدًا للأعمال الدرامية الفترة الأخيرة؛ سنجد أنه قلما ما ارتبط أحدها بوجدان الناس؛ بل لا أبالغ إن قولت إننا نفتقد لأعمال تغوص في أعماق النفوس؛ لتعالج التشوهات التي طرأت عليها؛ وللأسف أتذكر أن هناك مشاهد درامية كانت تشرح كيفية تعاطي المخدرات باستطراد غريب ومستفز؛ ثم نسأل عن سبب زيادة المدمنين؛ ومشاهد أخرى كانت تسهب في إبراز العنف الشديد بشكل غير مقبول أو مبرر؛ ثم نسأل لماذا يزداد العنف في حياتنا؛ بخلاف ظهور التنمر وموبقاته.

عندنا عدد من المشاكل تحتاج للاشتباك معها؛ مثل المشاكل التي تواجه المتزوجين حديثًا وتعصف بهم لتكون سببًا في حدوث الطلاق عند بعضهم؛ وتلك مادة درامية خصبة؛ أغفلنا عن التعامل معها بما يليق؛ وانحرفنا لإنتاج أعمال ترسخ لقيم الفهلوة والبلطجة؛ وما شابه؛ لنشاهد سلوكيات مقززة؛ ما كانت بيننا في الماضي القريب.

إننا نعاني من مسوخ درامية؛ أشبه بالوجبات السريعة التي تضر الصحة العامة؛ تلك الأعمال تضر بنيان المجتمع؛ وتضرب قيمه ومعتقداته في مقتل؛ ولا أبالغ حينما أقول إنها تقوده لحالة من الفراغ القاتل؛ وحينما يتواجد الفراغ؛ يطهر قنوات اليوتيوب؛ لتبث علينا مفردات ومعطيات لأناس منهم من يفعل العجيب والغريب؛ ليجمع متابعين؛ وما أدراك بعدد المتابعين؛ فهم مفتاح الشهرة وحصد الأموال فعندما تقضي على النماذج الإيجابية؛ لصالح نماذج سلبية؛ لا تنتظر انتشار عادات جيدة بل العكس تمامًا.

وإذا انتقلنا لسياق آخر مقارب؛ يتعلق بإبراز النماذج الغريبة على مجتمعنا؛ يكفي مشاهدة برامج التعصب الرياضي؛ التي نجحت فيما فشل فيه بعض الأعداء؛ فتحت مبررات واهية؛ لا قيمة لها؛ بات شحن الجماهير الهدف الأسمى؛ مع إيجاد المبررات لذلك؛ من نوعية الحفاظ على كيان النادي وحقوقه؛ وتلك الحقوق لا تأتي بدفع الناس للتشاحن والتلاسن؛ وأحيانًا الخروج عن الأدب؛ كل ذلك من أجل تحقيق مشاهدات مرتفعة؛ أما نتيجة تلك الأفعال التي تٌغرر بالناس؛ خاصة البسطاء، فلا يهمهم ولا يعنيهم حدوث كوارث؛ ما دامت المصلحة الضيقة متحققة؛ ولنا في عدم حضور الجماهير مباريات كرة القدم حتى الآن عبرة.

وإلى لقاء قادم نستكمل فيه حديثنا.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة