الباحثون في حيرة للوقوف على تحديد سبب لثورة بركان الطلاق التي لا تهدأ عن الغليان، وكذلك في تعريف الدافع لتعدي حوادث الطرق حاجز الجنون، وثالثًا في الكشف عن العامل الرئيسي وراء إقبال الشباب على إدمانهم المدمر للأقراص المخدرة.
ويرجع باحثون السبب إلى غزو لمجتمعاتنا العربية خلافًا إلى عوامل أخرى داعمة كالغلاء، غير أنني أرى براءة العولمة في كثير مما لصق بها من لعنات، وفي نفس الوقت تمثل الجاني، وعلى يديها آثار للدماء نتيجة تشويه معتقدات وتقاليد لها تأثيرها الإيجابي على سلامة بنية المجتمعات العربية.
وغياب الوعي هو الدليل على براءة العولمة من بعض الاتهامات، والمثال على ذلك الأفراد الذين ينعمون بسلام داخلي؛ لأنهم مازالوا قابضين على عادات مجتمعاتهم الطيبة، وتعرفهم بتفردهم بين أقرانهم، ويقابلون الإساءة بالحسنى، ورسالتهم تلقى صداها في نفوس أوساطهم في الحد من العنف، والفضل في ذلك وعيهم في انتقاء ما تستقبله عقولهم من أفكار للعولمة، بمعنى إعادة فرزهم لكل مادة تبثها الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات، برغم معاناتهم المريرة في مضايقات الحاقدين لهم.
والتحرش بالفتيات وارتفاع وتيرة الشماتة بين الأشخاص، وتفشي نظرة الاستعلاء وتخطيها النظرة الاستعلائية التقليدية بين الطبقات، وانتشر الاستعلاء بين أفراد الطبقة الواحدة، وبين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الصغير والكبير.
وأعتقد أن علة انتشار كل هذه الأمراض الاجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي، تكمن في توحش التنمر داخل النفوس، والتنمر هو سلوك عدواني لشخص يضر به آخر سواء جسديًا أو نفسيًا، ويتفق الباحثون على سادية واستبدادية المتنمرين، خلافًا على تمتعهم بالشخصية النرجسية، وتقول دراسات اجتماعية ونفسية إن الحسد يمثل دافعًا أساسيًا للتسلط والتنمر.
وشخصية المتنمر تشترك مع سمات شخصية الفهلوي الذي يظن أن لديه قدرة خارقة في استيعاب كل شيء، ويكفر كذلك بالتخصص، وتتفق مع شخصية الشمّات، وهو من يفرح في مصائب الآخرين، ولا تختلف عن شخصية المستعلي المستكبر العاشق لفرض رأيه على الجميع، ولا تسمع أذنيه سوى أفكاره، وتتعارض شخصية المتنمر مع حسن عاداتنا العربية المتوارثة من شهامة ومروءة وإغاثة للملهوف وكرم في العطاء.
وكان تمسكنا بعاداتنا وتقاليدنا الجميلة تبعث في نفوس أفراد المجتمع الطمأنينة والود، وتجعلهم متصالحين مع المحيطين بهم، ويطلق عيها الجميع حقبة الزمن الجميل، وكان يحكم الرضا كافة أشكال معاملاتهم، ويضبط معاملاتهم معادلة ذات طرفين متساويين في القوة، يتبادل فيها الطرف الأول العطاء للحصول على المقابل من الطرف الثاني وهو المصلحة، ويلتزمون بالآداب العامة.
وقد ذكر أحد علماء الإسلام أن الدين بُني على خمس فرائض وهو بمثابة أعمدة البناء، أما هيكل بناء الدين فمصنوع من مادة الأخلاق الحسنة.
وكانت الخسائر الفادحة الناتجة عن انتشار الظواهر الاجتماعية المرضية الدافع لضرورة البحث عن علاج لها، وأتفق مع قول نشر الوعي عبر اللجوء السريع إلى الأخلاق الحسنة في عاداتنا وتقاليدنا وفي أصول عقيدتنا الإسلامية، ويؤدي هذا العلاج في النهاية إلى بث المحبة والتراحم وحسن الظن.
ونوجه نداءً إلى أصحاب الفهلوة والمتكبرين والحاقدين أن يستمعوا إلى رواية أحد أساتذة الاقتصاد بإحدى الجامعات الأمريكية، وقد شاهد طالبًا يرتدي ما يسمي بـ"عفريتة العامل" جالسًا في المدرج وسط الطلاب، ويتعاملون معه بقدر كبير من الاحترام والفخر، وعند سؤال أستاذه عن السبب، أجابه أن الوقت لم يسعفه.
Email:[email protected]