من السهل أن تكون مخرجًا، لكن من الصعب أن تضع بصمتك الإخراجية على صناعة محتوى ترفيهي وتكون واحدًا من علاماته البارزة، تنجح في حفر اسمك وسط كبار المخرجين، الذين لمعت أسماؤهم بجواره في الدراما "التلفزيونية والسينمائية" ليخلق لنفسه احترافًا في صناعة البرامج الكوميدية، التي تلألأ اسمه فيها وبقي محفورا في ذاكرة الجمهور، هكذا تتلخص رحلة المخرج الراحل رائد لبيب.
موضوعات مقترحة
يعرف الغرب إتقانه واحترافه في صناعة المحتوى الترفيهي الجاذب، خصوصًا "برامج المقالب"، هنا قرر الراحل أن يدخل المنافسة ويقدم نموذجا للترفيه بطابع مصري يتناسب مع المرحلة الزمنية التي خرج فيها البرنامج في العقود الأخيرة من القرن المنصرم، فلم يكتف الراحل ببدء برامجه بالمقالب الكوميدية التلقائية مع الجمهور، والتي كانت تتنوع فيها شخصيات مقدميها وأبرزهم الفنان الراحل إبراهيم نصر، إلا أنه نجح في تطوير برامجه بخلق فكرة أكثر جاذبية للجمهور تكمن في تقديم "كاركتر" خاص أصبح علامة بارزة في نماذج الشخصيات الكوميدية المصرية الملفتة للنظر
.
"ذكية زكريا" السيدة البدينة ذو المعالم القبيحة التي لديها القدرة على الثبات الانفعالي تجاه المقالب الكوميدية التي تفعلها مع الجمهور بشكل تلقائي، تثير غضب من يقف أمامها وتخرج كل طاقته الانفعالية وتنجح بعد كشفها المقلب في نزع كثير من الضحكات النابعة من القلب دون أي اصطناع أو اتفاق مسبق عليها كما هي سمة باتت تحاصر برامج المقالب في السنوات الأخيرة، بل أن شخصية "ذكية زكريا" نجحت في أن تكون بطلة سينمائية من خلال فيلمها الشهير "ذكية زكريا في البرلمان".
لم يكن المميز في طريقة إخراج رائد لبيب لهذه النوعية من البرامج فقط في مسألة خلق وتطوير "كاركتر" كوميدي بمشاركة شريكه إبراهيم نصر، ولكن في خلق هذه الكوميديا مع شرائح مختلفة من طبقات المجتمع المصري وكأنه يقرأ بذلك خريطة الأشخاص من حوله بشكل آخر ما بين عامل بسيط وآخر من طبقة متوسطة وهي الطبقات التي أختفت من اهتمام الإعلام في سنوات تالية.
كان لبيب يحمل ذكاءً خاصًا جعله يقدم الكوميديا والترفيه بمحتوى جاد وهادف، فقد كان يبحث ويفكر ويستشعر أحلام الطبقات المتوسطة والبسيطة التي تتمسك بأبسط الأشياء التي حينما تذهب هباءً يشعرون بحسرة كبيرة، وهناك العديد من الحلقات التي تؤكد عل هذا المعنى منها على سبيل المثال، الحلقة الشهيرة التي كانت "ذكية زكريا" فيها تذهب لإحدى المناطق وتعلن عن فوز شخص ما بهدية ضخمة، وبالفعل تحضر سيارة نقل كبيرة محملة بصفة كبيرة يشعر من يراها أنها تقل عددا من الأجهزة الكهربائية مثلًا أو هدية ذات قيمة.
يستهل وجه صاحبها ببهجة كبيرة قبل فتحه للهدية التي يصاحبها مزمار بلدي وزفة إلى أن يقوم بفتحها بعد مجهود في فكها ليفاجأ "بسلة مهملات صغيرة" فتتغير ملامحه إلى الحسرة وكأنه كان ينتظر أن تكون هذه الهدية عوضًا لاحتياجاته خلال هذه الفترة.
حلقة أخرى تقوم فيها "ذكية زكريا" بالجلوس في إحدى محال الملابس حيث تجرب مع الزبائن مسحوق فعال وسريع يزيل البقع، تستقبلهم فور دخولهم وتقنعهم بالمنتج وتضعه على ملابسهم التي يرتدونها لتفسد الملابس، هنا فقط ملامح الوجع والحزن على فقد الملابس تبدو واضحة على وجوه مرتديها الذين أنهال كثيرون منهم عليها بالضرب حتى تهدأ ثورتهم بعد تعويضهم بأخرى جديدة في نهاية الحلقة، فيهدأ غضبهم وتعم الفرحة من جديد.
تجول لبيب بكاميراته في شوارع مصر ومحالها ومطاعمها البسيطة، كانت برامجه أقرب إلى قلب الجمهور من تلك الأعمال الدرامية التي كان يزدحم بها الشهر الفضيل، ولم يكتف بهذه النوعية فقط من المقالب مع الجمهور بل نقلها إلى الفنانين مستعينًا بالفنان الراحل حسين الإمام الذي قدم معه العديد من البرامج التي استضاف فيها مشاهير الفن منها: حسين على الهوا، حسين على الناصية وغيرها.
على الجانب الآخر، وضع الراحل بصمته على العديد من المسلسلات التي نجح بها فيها في تقديم الدراما الكوميدية البسيطة التي تتقارب مع حياة الطبقات المتوسطة بالمجتمع المصري أبرزها في سنوات الألفية الجديدة: الأستاذ بلبل وحرمه، عائلة مجنونة جدًا، نص أنا ونص هو هذا بخلاف العديد من الأعمال الدرامية التي قدمها على مدار رحلته الفنية.
بالرغم بذلك من المحتوى الكوميدي، قدم الراحل واحدًا من أكثر الأعمال المؤثرة في الألفية الجديدة "صرخة أنثى" الذي لعبت بطولته الفنانة داليا البحيري، وناقش واحدة من أكثر قضايا المجتمع تأزمًا "تحويل رجل إلى أنثى بسبب اختلال هرموناته"، هذا العمل الذي أثار الجدل وناقش قضية شديدة الحساسية بالمجتمع.
رحل رائد لبيب بعد تدهور حالته الصحية وتأزمه النفسي بسبب توقفه عن العمل، ترك أعماله تتحدث عن ذكائه في حفر اسمه بين كبار نجوم الإخراج، ويظل حالة استثنائية مفعومة بحب الناس وبالتلقائية والبساطة.
المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب المخرج رائد لبيب