Close ad

شعب واحد ونيل واحد

13-3-2021 | 11:43

تتميز العلاقة بين مصر والسودان، بطبيعة جغرافية ربط الله بها الشعبين برباط مائي يروي القلبين بنهر النيل العظيم، فقد كانت الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس السيسي للسودان، يوم السبت الماضى هي تأكيد دور مصر فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين شطرى وحدة وادى النيل، بعد الجفوة التى عكرت صفو العلاقات بين البلدين، عندما تعرض الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، لمحاولة الإغتيال الفاشلة، فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لحضور مؤتمر القمة الإفريقية فى منتصف عام ١٩٩٥م، وقد اتهم نظام الترابى والبشير وراء هذه المحاولة، التى أصبحت ذريعة للتصدع وتدخل دول أخرى بالمؤامرات والعداء بين البلدين الشقيقين.

لكن عاد الود والوئام بينهما بعد قيام الثورة السودانية، التى اندلعت شرارة احتجاجاتها على تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى البلاد يوم 19 ديسمبر عام 2018م، وانتهت سلميتها بخلع الرئيس السودانى عمر البشير فى 11 أبريل عام 2019م، لكى يتجدد الأمل والعطاء بين القاهرة والخرطوم، لأن مصر هى قلب العروبة النابض، وأن وحدة مصر والسودان، لم تكن فى يوم من الأيام غائبة عن فكر ووجدان الرئيس السيسي، لأن إيمانه وعقيدته الراسخة وقراءته الواعية للعلاقات التاريخية والود والمصاهرة، بين أبناء النيل الواحد جعلتهم أمة واحدة وجسدًا واحدًا، إذا تألم منه عضو أصاب بقية أعضائه.

فقد كانت زيارة الرئيس السيسي لوطنه الثانى السودان، فى ضيافة أخية عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة بين البلدين، لكى يتحقق الأمن القومى بمفهومه الشامل بينهما، فى جميع المجالات التنموية سواءً كانت صناعية أو زراعية أو التعاون المشترك فى مجال البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.

وأيضًا تعزيز التعاون بينهما فى المجال الأمنى والعسكرى، ضماناً وتأميناً لهما ضد أى مؤامرة أو مخطط، لأن أمن السودان لا ينفصل عن أمن مصر، والزيارة الأخيرة هى انتصار قومي فى الاتحاد والعمل بين أبناء الشعب العربى الواحد، خصوصاً وأن هناك اتفاقية تاريخية معقودة بين البلدين للاستفادة من مياه النيل عام 1929م، والاتفاق الموقع فى 8 نوفمبر عام 1959م، إبان الوحدة مع سوريا، على حق مصر والسودان الانتفاع بمياه النيل والتعاون التجارى بينهما، حتى ينعم الشعبان الشقيقان بالازدهار والرخاء والتنمية.

ويدرك الشقيقان المصرى والسودانى، التحديات حول ملف "سد النهضة الإثيوبى" والتحدي والتعنت وضبابية موقفه، نحو السعي قدماً للملئ الثاني للسد بإرادة منفردة أحادية الجانب، دون اتفاق ملزم ينظم الانتفاع بمياه النيل، بين دولة المنبع إثيوبيا ودولتي المصب مصر والسودان، وهذا يعتبر من أخطر أساليب المراوغة التى يستخدمها الجانب الإثيوبى حول مفاوضات السد، خصوصاً وإن إثيوبيا اخترقت المادة الثانية من الإتفاقية الدولية للأمم المتحدة عام ١٩٩٧م، حول التشاور والإعلان المسبق، بإخطار الدول المشتركة فى المجارى الدولية كشروط مسبقة، لإقامة المشروعات على المجارى الدولية المائية.

وقد تناولت هذا الموضوع بالتفاصيل في مقال سابق لى فى أحد المواقع الصحفية واسعة الانتشار، عن الشرعية الدولية فى حفظ حق مصر فى مياه النيل، ولكى استسقى معلوماتى حول إخطار مسبق من إثيوبيا إلى الحكومة المصرية، لتفصح فيه عن نيتها لإقامة مشروعات مائية على النيل من عدمه، حسب النص الواضح والصريح فى الإتفاقية، فقد كان الاتصال المباشر من كاتب هذه السطور، بوزراء خارجية مصر فى مرحلة بناء سد النهضة الإثيوبى، وهم الدكتور محمد العرابى، والدكتور محمد كامل عمرو، ولهؤلاء تاريخ مشرف فى مصر، وكان سؤالى إليهم بحكم مسئوليتهم الوظيفية والسياسية، وبسؤالي هل إثيوبيا بحكم أنها دولة المنبع وصاحبة مشروع بناء سد النعضة على النيل، أخطرت دولتي المصب مصر والسودان، بإقامة هذا المشروع حسب نص الاتفاقية الدولية، فقد أجابوا بالنفى.

وتكون إثيوبيا بذلك قد خالفت الأعراف والاتفاقيات الدولية بخصوص الإخطار المسبق قبل إقامة المشاريع والسدود للدول المشتركة فى مجرى المياه الدولية، مع العلم أنه قبل صدور هذه الاتفاقية الدولية، أخطرت مصر السودان قبل أن تنشئ خزان السد العالى، كأول مشروع لتخزين المياه على النيل، وأيضاً بالمثل وافقت مصر على إقامة السودان بإنشاء خزان الروصير على النيل الأزرق.

فلابد من حتمية اتفاق ملزم قانونى برعاية دولية، حول ملء سد النهضة الإثيوبى، حتى لا تسيطر دولة المنبع، على أقدار الشعوب، وعلى أقدار تحديد حصتها فى المياه التى تحصل عليها، لأن ما تقوم به إثيوبيا الآن من ملء وتشغيل السد أحادى الجانب، دون اتفاق قانونى مع دول المصب الشركاء فى المجرى المائي، يعتبر هذا بغيًا وعدوانًا وانصرافًا إلى الأهواء والأطماع التي تؤدى إلى الإضرار بحصص دول المصب التاريخية من المياه.

لأن الاتفاق القانونى الملزم للدول الشركاء مكسب كبير وعظيم لمصر والسودان وإثيوبيا للسير على طريق الإصلاح والتقدم والرخاء، ولا وقت للمراوغة من قبل إثيوبيا ولن تقبل مصر والسودان أن يكون هناك إضرار مباشر يؤثر على حصتيهما من مياه النيل، لأن المياه هى شريان الحياة للشعوب، لأن الثروة الطبيعية من المياه هى حياة أو موت للإنسانية جمعاء، وقد قال الله تعالى فى محكم التنزيل من سورة الأنبياء الآية رقم 30"وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة