Close ad

مرآة المجتمع ـ 1

11-3-2021 | 08:49

كلما مرت بأذني بعض الأغاني الغريبة؛ من عينة أغاني المهرجانات؛ كما يسميها البعض؛ امتعضت؛ وتكدر مزاجي؛ فأتذكر كيف كانت أغاني العمالقة أم كلثوم وعبدالوهاب؛ وفريد وعبدالحليم وفايزة أحمد وشادية ونجاة؛ ومحمد رشدي والعزبي؛ وعشرات غيرهم؛ من جودة الكلمات والألحان والصوت الجميل؛ فكانت هذه الأغاني تقدم فكرة ومضمونًا راقيًا بطريقة رائعة.

كانت تلك الفترة كاشفة لأخلاق الناس؛ فتجد الذوق سيد مواقف التعامل؛ احترام الصغير للكبير؛ توقير المرأة؛ وتقديس قيمتها؛ فهي الأم القادمة؛ كان العيب له وقاره وقامته؛ فيخجل الناس من الوقوع تحت طائلته؛ لما يمثله ذلك من خطأ قد لا يُغتفر.

اليوم اختلف الحال؛ وتباين الأداء؛ وباتت الفهلوة عنوانًا قاسيًا لنمط الحياة؛ واختلفت القيم والمعايير؛ وأضحى الناس مختلفين في أُطر التعامل فيما بينهم؛ وظهرت قيم جديدة ما لبثت أن انتشرت كانتشار النار في الهشيم.
أتعجب من أغاني شخص؛ مهنته التمثيل؛ يطلق أغاني ترسخ من قيم التعالي والغطرسة؛ كما رسخت أعماله لقيم البلطجة؛ فأمسى القدوة الحسنة التي يسعى عدد كبير للاقتداء بها؛ وبات متابعوه في تزايد كبير.

المثل السابق - ومثله عشرات لا حاجة للتحدث عنها فنعطي لها قيمة - هو انعكاس للمجتمع ولآلية التعامل فيما بين ناسه؛ أو بمعنى أدق مرآة للمجتمع؛ ونحن هنا مقصود بها قطاع المثقفين وقادة الرأي بتنا مشاهدين؛ وأحيانًا عاجزين؛ أمام تدفق هذا الكم من القيم السيئة؛ التي انتشرت بكثافة عجيبة.

ثم ننتظر اليوم الذي تكثُر في الموبقات والمشكلات لدرجة مُوجعة؛ فنبدأ التحرك صوب التعديل؛ ووقتها سيكون التحرك مُجهد لدرجة يصعُب تقديرها؛ ولكنه سيكون هو البديل الأوحد لإدراك ما خلفناه وخطوات كان لابد من فعلها في الوقت الحالي.

نتحدث الآن عن آثام كثيرة منها انتشار المخدرات بأشكالها المختلفة؛ وكذلك التحرش؛ والتنمر؛ وغيرها من الآفات المجتمعية التي أُبلتينا بها؛ في الآونة الأخيرة.

دون أن نتحرك بجدية صوب التقويم؛ الذي يستلزم التحرك على كل الأصعدة؛ قبل استفحال الأمر؛ وخروجه عن السيطرة؛ وتكبدنا لخسائر باهظة؛ بكل تأكيد نحن في غنى عنها.

ما أنجزته الدولة في قطاعات التشييد والبناء؛ والصحة؛ والطرق ومجالات أخرى يحتاج حصرها لمقالات كثيرة؛ مبهر بكل درجات الإبهار؛ ولكن تلك الإنجازات في واقع الأمر سيحصد نتائجها الجيل القادم والأجيال اللاحقة؛ فإذا لم نربِ فيهم قيم المسئولية وبكل قدورها؛ سنخسر ما أنجزناه آجلًا.

وهذا يستلزم تحركًا واعيًا؛ على مستويات المؤسسات الدينية والتعليمية؛ ومن قبلهم الإعلام؛ يأخذ في اعتباره بناء الشخصية المصرية وفق أصول تربينا عليها؛ وقيم اكتسبناها؛ للجيل الحالي من الآباء؛ فقد كانت مرآة مجتمعهم منذ عقود قريبة زاهية ونابضة بكل النماذج الجميلة؛ فهل من سبيل لاستعادة مرآتنا الراقية؟

نستكمل في مقال قادم بإذن الله؛ والله من وراء القصد.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة