Close ad
9-3-2021 | 19:41

تتوالى الرسائل والإشارات الإيجابية القادمة من تركيا باتجاه مصر، حاملة في ثناياها وحواشيها قصائد غَزَل صريح ورغبة جارفة لتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين، وإخراجها من دائرة التأزم والخصام، إلى واحة الوئام السياسي والتعاون، من أجل تحقيق الاستقرار في منطقتنا المضطربة التي تلفها وتحاصرها الأزمات والتحديات من الاتجاهات الأربعة.

الرسائل التركية تتدفق من قمة هرم السلطة، وآخرها جاء من القصر الرئاسي، ووزيري الخارجية والدفاع، وكلها توحي بأن الانفراجة باتت وشيكة بين القاهرة وأنقرة، لفتح صفحة جديدة، وتنحية خلافاتهما جانبًا إلى غير رجعة.

لكن، هذه الأجواء المبهجة والوردية في ظاهرها تخفي خلفها وجهًا قاتمًا يستدعي الحذر، بل الحذر الشديد، وتجنب الإغراق في جرعات التفاؤل بشأن ملف العلاقات المصرية التركية ومساراتها في المستقبل القريب، وللحذر مبرراته ودواعيه، التي تعززه وتشدد عليه.

المبررات لها صلة وثيقة بأداء وفكر الرئيس التركي طيب أردوغان، فهو معروف ومشهور باتباعه سياسة "تبريد الملفات الساخنة"، عندما تشتد من حوله الضغوط، لا سيما مع تولي إدارة جو بايدن الحكم بالولايات المتحدة قبل نحو شهرين.

ومنذ اليوم الأول أوضح حاكم البيت الأبيض الجديد ومعه الكونجرس موقفهما من أردوغان ونظامه، حيث انتقدا بشدة سجله بحقوق الإنسان، وحرية التعبير، والتنكيل بمعارضيه ووسائل الإعلام، وإصراره على لعب دور "الفتى المشاغب" بتدخله في دول الجوار، وإثارته التوترات مع قوى إقليمية ودولية، وأعلن الطرفان دعمهما المعارضة التركية.

وحتى يهرب، أو يقاوم أردوغان الضغط الأمريكي المكثف والمبكر، ويحمي نفسه ونظامه من اللهب الصادر من واشنطن، لحين مرور العاصفة، فإنه يرتدي قناع المسئول الرزين الحريص والساعي لنزع فتيل الأزمات، ورأب الصدع مع الدول التي تناصبها أنقرة العداء السافر بدون وجه حق، ومنها مصر، التي يعلم القاصي والداني أن موقفها القوي في خلافها مع تركيا، مبني على حيثيات لا يقدر أحد على التقليل من وجاهتها، أو مطالبتها بإبداء المرونة حيالها الآن، أو مستقبلا لا من قريب ولا من بعيد، خصوصًا وأنها تتعلق بدفاعها المشروع عن أمنها القومي، ومحاربة الإرهاب، الذي تقوده جماعة الإخوان الإرهابية، التي تستضيف السلطات التركية قياداتها، وتمنحهم بأريحية جنسيتها وحرية الحركة على أرضها، وتزودهم بمنابر إعلامية شيطانية يحرضون عبرها ليل نهار ضد الدولة المصرية وجيشها وشرطتها المدنية، وقيادتها السياسية.

فوق هذا فإن سمعة أردوغان تسبقه في المراوغة، والالتفاف، والحنث بما يقطعه من وعود وتعهدات، ويُضاف لذلك التناقض وعدم الالتزام بما يعلنه، وله سوابق كثيرة تؤكد ذلك في تصرفاته مع الغرب وأيضًا مع مصر.

وفي كل الأحوال، فإن التقارب المصري التركي لن يتحقق بالكلام المعسول، ودفعات التصريحات الإعلامية المتفائلة، وسيبقى مرهونًا بشروط يجب على أنقرة القبول بها وتنفيذها دون إبطاء أو مراوغة، هي:

أولا: التوقف الفوري عن دس أردوغان أنفه في الشأن الداخلي المصري بشكل يتجاوز كل الأعراف والتقاليد المتبعة في العلاقات الدولية، وأن يتخلى عن عقلية التوسع المسيطرة عليه، والركض خلف وهم استعادة أمجاد الدولة العثمانية الغابرة، وعليه إدراك أن عقارب الساعة لا تعود للوراء.

ثانيًا: الكف عن شن حرب إعلامية حقيرة وقذرة تستهدف مصر وقياداتها، والتحريض ضدها في المحافل الإقليمية والعالمية.

ثالثًا: رفع غطاء الحماية عن القيادات الإخوانية التي تؤويها أنقرة، وتسليم المطلوبين منهم علي ذمة قضايا العنف والإرهاب.

رابعًا: إنهاء المحاولات المتواصلة للإضرار بالأمن القومي المصري والمصالح العليا للدولة المصرية، وبالذات في ليبيا التي حولتها تركيا لمركز للمرتزقة الذين جلبتهم من سوريا وغيرها من البلدان، وتعديها على مناطق التنقيب عن البترول في شرق البحر المتوسط، واحترام الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة بين مصر واليونان وقبرص بهذا الصدد.

ما سبق أسس وقواعد، إن تحققت، سيكون من اليسير الحديث عن تقارب مصري - تركي، وعودة المياه إلى مجاريها، وإزالة أسباب الجفاء والتوتر بين الجانبين.

ختامًا، أحيلكم لتصريح مهم لوزير الخارجية سامح شكري، الشهر الماضي ردًا علي تصريحات مماثلة من مسئولين أتراك قال فيه: "إن جميع ما يحدث لا يقود إلى حوار أو تفاهم لبدء صفحة جديدة، مؤكدًا أن الأمر ليس بما يُصرح به، وإنما بأفعال وسياسات تعزز من الاستقرار وتتسق مع العلاقات والشرعية الدولية، وهذا ما يهمنا في تلك المرحلة"، وأظن أن تصريح شكري لا يلزمه أي تفسير أو شرح، ورسالته جلية لمَنْ يعي ويفهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: