جلس الشيخ الكبير وسط أبنائه - وعددهم ثلاثة أولاد وفتاتان - وكان يبدو على وجهه علامات الأسي، وحدثهم بنبرة هادئة في طياتها عطف وشفقة، وأخبرهم عن حزنه لتكرار فشلهم في بدء مشوار حياتهم.
واستطرد حديثه قائلًا: إنه يمثل أيضًا حال بعض شباب هذا العصر، وسألهم عن السبب فيما أصاب شباب اليوم من إحباط؟ فأجابوه بقولهم: لمواجهتنا تعقيدات كثيرة، وكلما نؤسس مشروعًا صغيرًا، يصادفنا منافس يسبقنا بسنوات في السوق، ويحاربنا بكل ما لديه، وما يلبث أن تلحقنا الخسارة.
ورد الشيخ عليهم بابتسامة ليعطي لهم شيئًا من التفاؤل وقال: لأنكم تفتقدون الصبر والمثابرة، فشقيقتكم الصغرى هجرت بيتها وطلقها زوجها بعد مرور عام واحد من زواجها، نتيجة رفضها شظف العيش في بداية حياتها الأسرية، وكذلك نفس سمة عدد من الأزواج الشباب حاليًا، لأن قواهم تخور فور تحملهم أدنى مسئولية.
ورد عليه أحد أبنائه قائلًا: إن العقبات التي تواجهنا فوق طاقة أي بشر، فأجابه: هذا ظنك، فلا تقلل من قدراتك، ولا تصغر من شأنك، وأعلم أن الله فضلك بميزة غير موجودة في أي شخص آخر، وعليك اكتشافها، وحينها ستشعر بحياتك، وهي الخطوة الأولى في طريق السعادة.
وصمت دقيقة وقال: خلق الله الإنسان ليعمر الأرض، ولن ينال ثمرة جهده مهما كانت صغيرة أو كبيرة، إلا بمثابرة منه وقدرته على تخطي الصعاب، ولابد أن يؤمن بأن الناجحين والمنتصرين على مر التاريخ، قد استطاعوا بناء سلم على الصخور لكي يصعدوا وبداخلهم عزيمة الوصول إلى تحقيق أهدافهم.
ونصيحتي لكم يا أبنائي حتى تفوزوا بحصد الأرباح، أن تحددوا أولًا هدفًا لكم، ويجب مراعاة أن يكون هدفكم واقعيًا وليس خياليًا، وثانيًا أن يحمل في داخله الخير لمن حولكم، وثالثًا لا تصغوا إلى أقوال وأفعال الحاقدين، وانهضوا واقفين بسرعة عقب السقوط، وفي كل سقطة لكم ابحثوا عن الخطأ الذي أدى إليها، وتمسكوا بالفأل الحسن، وتذكروا أوقاتكم السعيدة، وانبذوا من عقولكم الأيام السيئة.
وقالوا: يا أبانا أذكر لنا نماذج من الحياة انتصرت على الحاقدين؟
وضرب لهم مثالا: أن لهم في قدوتهم الحسنة المثل الأسمى في الفتح الكبير لرسولنا ودخوله مكة منتصرًا على جميع أعدائه، ورفعه راية الحق فوق كل رايات الباطل.
واستكمل بعرض أمثلة أخرى وقال: إخوة يوسف فشلوا في كل خطوة، ولم يجنوا سوى الحسرة، والدكتور أحمد زويل تعثر في بدء حياته العلمية بالبيروقراطية بعد تعيينه معيدًا، ووضع له عدد من رؤسائه الحاقدين الأشواك أمامه، وكانت هي نقطة انطلاقه، وسافر إلى أمريكا، وحصد الكثير من الجوائز العلمية الدولية، وتوجها بفوزه بجائزة نوبل للكيمياء، وكان المصري العربي الوحيد الحاصل عليها، ومسيرة العالِم زويل زاخرة بمعاني الإرادة والمثابرة.
وأعطى لهم نموذجًا أخيرًا في عبرة مشوار قطز خلال تتبع التتار له هو وشقيقته وبيعهما في أسواق العبيد، حتى جلوسه على كرسي حكم مصر وهزيمته للتتار أشرس أعداء المسلمين في هذا الوقت.
واختتم حديثه بإلقاء حكمة تقول: إن بناء الحاقد كمن يشيد بيتًا فوق مستنقع.
Email:khuissen@yahoo.com