Close ad

أفغانستان .. خريطة طريق بديلة لـ "نكبة الدوحة"

8-3-2021 | 13:31

عقب نشر مقالي الأسبوع الماضي بعنوان "تركة ترامب الثقيلة في أفغانستان"، قرأت تصريحات منسوبة للسيد محمد يونس قانوني، النائب السابق للرئيس الأفغاني، تشير إلى جهود محلية وإقليمية ودولية محمومة لرسم خريطة طريق جديدة، بديلة لاتفاق الدوحة، لتحقيق السلام في أفغانستان برعاية الأمم المتحدة.

وفقًا للسيد قانوني، من المنتظر أن ترتكز الخريطة الجديدة على حماية المكتسبات الدستورية والمدنية، التي تحققت على الأرض، خلال العقدين الماضيين، وبالذات، حقوق الإنسان، وانعتاق المرأة الأفغانية من القهر، واستبعاد أية ترتيبات، أو تكتيكات، أو نيات لئيمة، لعودة الإمارة الإسلامية لحكم أفغانستان، بقيادة طالبان.

في الوقت نفسه، صرح مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب، أن كابول تدرس مجموعة واسعة من البدائل مطروحة للتداول، عقب المباحثات الأخيرة التي أجراها المبعوث الأمريكي، زلماي خليل زاد، مع الحكومة الأفغانية، مثل عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر بون، لبحث إمكانية تشكيل حكومة تشاركية تضم طالبان.

الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن أعلنت أنها تجري مراجعة شاملة للاتفاق، الموقع بين الرئيس ترامب وطالبان في 29 فبراير 2020، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وتقييم أداء ومدى التزام الحركة بتعهداتها في ضوء المحادثات التي جرت لاحقا في الدوحة، وتصحيح الأخطاء الفادحة في الصفقة.

مع ثبوت الضغوط التي مورست على المفاوضين الأمريكيين المشاركين بالصفقة، حيث كانوا مدفوعين- بشدة- لإنجازها بأي ثمن ارتباطًا بجدول الانتخابات الرئاسية، وعلى غير رغبة العسكريين وقوات التحالف، يمكن بلورة الموقف الراهن كالتالي:

- بدأت إدارة الرئيس بايدن، والدول المشاركة بتحالف الناتو، في مسعى للتملص من قرار سلفه، قبيل مغادرته منصبه، بتسريع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وخفضها إلى حدود 2500، فقط، من إجمالي 9600 جندي، بل وأعلنت أنها لن تكمل الانسحاب في الأول من مايو المقبل، وقد تعيد النظر في الاتفاق، برمته، مما سيضعها في الخانة نفسها من الخطيئة التي ارتكبها ترامب عند انسحابه من الاتفاق بين واشنطن وطهران.

- أعطت صفقة الدوحة الأولوية لحركة طالبان على حساب الحكومة الأفغانية المنتخبة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الهيكلي لنظام الرئيس أشرف غني، وقلب الموازين ضد كابول على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري، في ضوء موافقة إدارة ترامب على معظم مطالب طالبان، بما في ذلك إعطاء تعهدات نيابة عن الحكومة الأفغانية، إلى جانب إطلاق سراح 5 آلاف سجين، وقدمت جداول زمنية لخفض القوات الأجنبية وإزالة العقوبات الدولية ضد طالبان.

- عقب التوقيع على صفقة الدوحة، شاركت حركة طالبان في محادثات السلام للمرة الأولى وجها لوجه منذ إقصائها عن الحكم في عام 2001، واكتنف الغموض كل ممارساتها التفاوضية، باستثناء إصرارها على عودة الإمارة الإسلامية لحكم أفغانستان، فيما شهدت البلاد الكثير من المتغيرات الإيجابية خلال العقدين الماضيين باتجاه إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

- فسرت حركة طالبان بطريق الخطأ استقبال وفودها في عواصم أجنبية مختلفة على أنه قبول بشرعيتها مما دفعها إلى التشدد في مواقفها خلال المحادثات التالية لتوقيع صفقة الدوحة.

- خلال مشاركة طالبان في المحادثات الأفغانية- الأفغانية بالدوحة بدت مزهوة بفكرة تحقيق النصر، وبدت وكأنها تنتظر على أحر من الجمر حلول الأول من شهر مايو المقبل لتسلم السلطة الكاملة في كابول.

- تناست حركة طالبان أن إمارتها الإسلامية المزعومة في أفغانستان كانت منبوذة عالميًا على مدار السنوات الستة التي حكمت فيها(1996-2001) ولم تعترف بها في ذلك الوقت إلا 3 دول (باكستان والسعودية والإمارات) وفي حالة عودتها للحكم (لا قدر الله) لن تعترف بها أي من الدول الثلاث، بما فيها باكستان، نفسها، حيث نسب للجيش الباكستاني أنه ليس على استعداد لمساعدة طالبان في إقامة إمارة إسلامية منبوذة على حدوده، فيما تبنى الثلاثي الدولي المعني بالأزمة الأفغانية (أمريكا وروسيا والصين) الموقف ذاته بشكل لا لبس فيه، بأن إقامة إمارة إسلامية في أفغانستان غير مقبول.

- أصرت حركة طالبان على استبعاد الحكومة الأفغانية، المعترف بها دوليًا، من التوقيع على الصفقة باعتبارها دمية(!!)، وتأكدت من اعتبار الاتفاق مع الولايات المتحدة هو الأساس في المحادثات التالية، وبدءًا من 12 سبتمبر 2020، وعلى مدى 3 أشهر، اقتصر التفاوض بين فريقي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، في الدوحة، على بحث القواعد والإجراءات الشكلية، دون المضي قدمًا في مناقشة بنود جدول الأعمال.

- وصلت مستويات العنف إلى أعلى مستوياتها منذ توقيع اتفاق الدوحة، وواصلت حركة طالبان حملتها العسكرية على جميع المحاور في أفغانستان، لتشمل بلا رحمة الإعلاميين والمسئولين الحكوميين والنساء والأطفال والطلاب، مما مكنها، إلى حد ما، بوضع مقاتليها في مواقع إستراتيجية متقدمة على الأرض، فيما امتنعت عن مهاجمة القوات الأجنبية والناتو، ويتوقع الأفغان المزيد من تصعيد أعمال العنف في هجوم الربيع المرتقب.

- في الوقت الذي تعهدت فيه واشنطن، ضمن بنود صفقة الدوحة، بتخفيض الدعم العسكري الدولي للقوات النظامية الأفغانية، لم يجر فرض أي التزامات مماثلة على حركة طالبان، والحد من بنيتها الأساسية والعمق الإستراتيجي الداعم لها في باكستان، مما أحدث حالة من الجمود في ميدان القتال.

- وثقت تقارير الأمم المتحدة استمرار تعاون حركة طالبان مع التنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة وشبكة حقاني وداعش، بدلا من كبحها، بالرغم من ظهور بعض القشور الشكلية على ممارسات وسلوكيات قادتها الموفدين للتفاوض في الدوحة.

- في ضوء الرفض الدولي القاطع لعودة الإمارة الإسلامية في أفغانستان، والإبقاء على العقوبات المفروضة على طالبان، حتى لا تكافئ على ممارساتها الإجرامية، يجري تداول فكرة أن الحركة لم تف بالتزاماتها، وبالتالي، عقد مفاوضات جديدة وإضافة شروط، قد توافق عليها طالبان، أو لا توافق، وهنا سوف تقرر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخطوة التالية.

- أخيرًا، وفي تحذير مشئوم، أوضحت طالبان أنها ستواصل الجهاد حتى آخر رمق لطرد القوات الأجنبية، واستعادة حكم الإمارة الإسلامية في أفغانستان، هنا، تتحول "صفقة الدوحة"، الهادفة إلى إحلال السلام، في أفغانستان إلى "نكبة"، وتعود جميع الأطراف إلى المربع رقم واحد والمزيد من العنف.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة