ليست هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي يمتشق فيها مذيع سيفًا خشبيًا يوجه به طعنات من الإهانات والسخرية والإساءات لفئة من الشعب، هو نفسه فعلها كثيرًا وآخرون مثله، وكما تسرع دون وعي بتلفيق التهم، تراجع دون منطق، ولم يستطع أن يكون مقنعًا في الحالتين.
للأسف، هناك توجه سائد ويتزايد، ألا وهو تحول أغلب برامج التوك شو إلى مساحة لاستعراض آراء وأفكار وعبقرية المذيع. لا تفرقة بين الخبر والتعليق. ما يقوله من إفيهات أو جمل قصيرة يعتقد أنها خلاصة الخلاصة، تصبح أخبارًا يرسلها فريق البرنامج للمواقع الإلكترونية لتتصدر أخبارها الرئيسية. العمومية القاتلة سمة هذه التعليقات. يبدو بعضهم كما لو أنهم فلاسفة يضعون القواعد العامة ليسير عليها الناس. ليست هناك تفاصيل بل كلمات يتم تحويلها إلى عبارات باللون الأحمر أسفل الشاشة. لو تم استضافة خبراء، فهم غالبًا يؤكدون كلام المقدم الذي لا مجال للنقاش أو الاعتراض عليه.
ليست هناك تفرقة بين مسئول أو برلماني من الضروري مساءلته وانتقاده، وبين مواطن لا يجب تحويله إلى لوحة لتصويب السهام تجاهها. لا يعني ذلك أن المواطن محصن من النقد لكن من الضروري التعرف على آرائه وليس اعتباره كمًا مهملًا مطلوبًا منه الاستماع للاتهامات وتحمل خفة دم السيد المذيع!.
الأخطر من ذلك، أن برامج التوك شوك، إلا ما ندر، لديها كراهية للمعلومة وللدراسات المحترمة. المذيع الذى اتهم أبناء الريف والصعيد بأنهم ينجبون أطفالًا للإنفاق عليهم ويشحنون البنات للعمل خادمات، لم يعتمد على معلومة أو دراسة. حسب اعتقاده، كلامه هو المعلومة. ثم إن النسبة الكاسحة من المقدمين لم يعملوا بالصحافة التليفزيونية التي يمكن من خلالها التعرف على الناس الذين يمارس التنظير عليهم بالأستوديو الفاخر الذي يقبع فيه.
قد تكون الضجة المثارة فرصة لإعادة التفكير في فكرة برامج التوك شو نفسها وآليات عملها والمواثيق الأخلاقية التى تحكمها ومؤهلات العاملين بها. أما إذا انتهت المسألة باعتذار وعقاب وقتي، فإن مقولة: لم نتعلم شيئًا ولم ننس شيئًا، ستبدو وكأنها ظهرت من أجلنا.