الخطبة فرصة لا تعوض لمعرفة كيف "ستسير" الحياة بين الزوجين مستقبلًا؛ ومن يتجاهل هذه الحقيقة - من الجنسين - يدفع الثمن غاليًا؛ فيحكم على نفسه بالعيش بزواج تغيب عنه الفرحة أو يضطر للطلاق لإنقاذ عمره من الضياع بمناكافات ومنغصات..
المؤكد أن فسخ الخطبة أقل إيلامًا وأقل كلفة نفسية ومادية من الطلاق قبل الزفاف وهو بدوره أقل وجعًا من الطلاق بعد إتمام الزواج والذي تقل خسائر الطلاق قبل الإنجاب منها بعد الإنجاب وتقل الخسائر بالطلاق بعد إنجاب طفل واحد وليس بعد إنجاب الكثير من الأطفال..
لا نحرض على فسخ الخطبة لأتفه الأسباب أو عند أي اختلاف في الآراء أو في الرغبات، ونشجع دومًا على السعي للتقريب بين الآراء والرغبات والمرونة المتبادلة بين الخطيبين وبين الزوجين دون أي شعور بالتنازلات؛ فهذا الشعور يرسخ المرارة "الخفية" بقلب وعقل من يشعر به ويجعله يثور لأتفه سبب وكأنه يقول لنفسه: الطرف الآخر جاحد ولا يقدر تنازلي أو تضحيتي من أجله؛ والأذكى أن يقول لنفسه تعاملت بمرونة لإسعاد نفسي ولأنه لا أحد يحصل على "كافة" ما يرغب فيه بعلاقاته..
نوصي بعدم تعجل إعلان الخطبة بعد الاتفاق عليها من الأسرتين؛ وأن يقضي الشاب والفتاة بعض الوقت يتواصلان بمعرفة الأسرتين لتعارف أفضل وللتأكد من حسن الاختيار ومن اقتناع كل طرف بالآخر ورؤية عيوبه "وتقبلها" مقابل الفرح بمزاياه وألا يتجاهل أحدهما أو كلاهما "العلامات" التي تؤكد أن الأمور لا تسير جيدًا ووجود عيوب قاتلة بالطرف الآخر كالخيانة والطمع المادي وتعمد الإهانة له والتقليل من أسرته وسوء الطباع والتراجع عن الاتفاقات المادية بدون عذر قهري؛ فكل ذلك مؤشرات من يرفض الانتباه إليها يخسر كثيرًا إذا أتم الزواج ولم يسارع بفسخ الخطبة..
من أسباب التجاهل الرغبة بالاستمتاع "بحالة" التدليل العاطفي في الخطبة وتعجل الزواج "والخوف" من العودة مجددًا للبحث عن شريك الحياة وانتظاره والعيش ثانية بالفراغ العاطفي؛ ويجب التنبه لذلك ومواجهة النفس بأمانة وتذكر أن الطرف الآخر – من الجنسين - سيتمادى فيما تكره منه بعد الزواج؛ ليس لأنه سيء ولكن لاعتياده وقبلت أنت بذلك منه بالخطبة وليس من العدل مطالبته بتغييره بعد الزواج ولا "توقع" أن يتغير من تلقاء نفسه..
ونتذكر شابة توجهت قبل أيام من الزفاف لبيت الزوجية لوضع حاجياتها وفوجئت بسيراميك المطبخ وقد تغير!!
كانت حماتها لم يعجبها السيراميك الذي اختارته العروس "بالاتفاق" مع العريس وطلبت تغييره؛ فرفضت العروس فمن حقها اختيار ما يعجبها في بيتها؛ ولم تقبل الحماة وقامت بتغييره في تحدٍ غير مبرر.. لم تفكر العروس طويلًا وسارعت بطلب الطلاق وحصلت عليه بعد مفاوضات ومنازعات.
ونرى أنها محقة؛ فهذه البداية لا تبشر بالخير وإن كانت هناك مؤشرات أخرى لسوء تدخل الحماة قد سبقت ذلك وتجاهلتها العروس، ولا نحرض بالطبع على أهل الزوج أو أهل الزوجة؛ ومن واجب العروسين احترام أهل الطرف الآخر والقبول بالنصائح في اختيار أثاث المنزل أو غير ذلك على أن يكون الرأي الأخير لهما سويًا؛ فهما من سيفرحان إن أحسنا الاختيار أو العكس إن أساءا الاختيار ومن العدل تركهما يختاران بعد توضيحٍ "كافٍ" لهما لمكاسب وخسائر كل اختيار بلا كلمات مستفزة مثل أنتما بلا خبرات أوما شابه؛ التي قد تدفع للعناد ولا نبرره ولكن نغلق الأبواب التي قد تؤدي إليه..
ومؤخرًا كلمتني شابة وهي تصرخ وتتهم خطيبها بكل السوء؛ وهدأتها لأستطيع الفهم..
قالت: فسخت الخطبة بلا ندم وأكدت لخطيبي أنه لا يستحقني ووووووو
تشاجرت مع خطيبها لأنها "فوجئت" بأهله وقد قاموا بإهدائه الأجهزة الكهربائية "تعاطفًا" معه لمروره بضائقة مالية كبيرة استنفدت مدخراته بالإضافة لأعباء القروض التي يتحملها لشراء بيت الزوجية..
صرخت البنت وقالت: لم تعجبني بعض الأجهزة وقلت لخطيبي سنغيرها بأقرب وقت فرد بأن ذلك لن يحدث وأنه مثقل بالديون..
بذلت جهدًا كبيرًا لأقنعها بأنها لم تكن موفقة "بتوقيت" ولا بأسلوب الكلام وكان الأفضل والأجمل بل والأذكى إن قال لها خطيبها أي اعتراض على الأجهزة أن تقول له إنها جيدة جدًا وستقوم بالغرض والأهم أنهم "فكروا" في إسعاده وأنها سعيدة لأنهم فعلوا ذلك وقللوا من حدة الضغوط المادية عليه وأنها ترحب بكل ما يساعده..
المؤلم أنها شكت لي أنه لم يتقدم أحد مناسب لخطبتها بعد تركها له..
وهو ما يقودنا لأهمية التفكير الهادئ قبل فسخ الخطبة والابتعاد تمامًا عن المحرضين؛ وما أكثرهم، وكتابة مزايا وعيوب الطرف الآخر في ورقتين منفصلتين ثم قراءتهما بهدوء ومنح النفس الوقت الكافي للتفكير بلا ضغوط سواء التي تدفع للفسخ أو للزواج؛ فهذا قرار مصيري لابد أن يكون نابعًا من الإنسان وحده مع الاستفادة من الآراء المخلصة، ومهم فعل ذلك أيضًا قبل عقد القران مع الاعتدال بالرغبات والتوقعات وزرع الرغبة بالعقل وبالقلب بإنجاح الزواج؛ فهو ليس مغامرة أو مقامرة بل حياة مشتركة لابد أن تقوم بموافقة العقل والقلب معًا.