Close ad
19-2-2021 | 14:51
الأهرام اليومي نقلاً عن

يبدأ النصف الأول من رواية إيزابيل الليندى ابنة الحظ بحلم الحب وينتهى بحلم الذهب. وفى النصف الثانى نشهد الإفاقة التدريجية من الحلمين معا- ذكرى الحب الأول ووهم الثراء السهل - على حقيقة أن بحر الذهب قابل للنفاد إذا تكالب عليه ملايين الغارفين، وأن الشطار استعبدوا الضعفاء ليستولوا عليه, أما الحب الأول، فإنه، مثل بحر الذهب، قابل للتبخر، ولأن يهزمه حب سنين النضج القائم على العشرة والكفاح المشترك والتضحية المتبادلة.

هكذا وُلد الحب الثانى ونما بين اثنين غارقين فى وهم الحب أو ذكراه: تاو تشين، الطبيب الصينى الذى يشاء القدر أو الصدفة أن يعمل طباخاً فى سفينة تجوب البحار، قبطانها جون سومرز، الذى ستكشف لنا الرواية فى قسمها الثانى أنه الوالد الحقيقى لإلزا ربيبة أخته روز, والثانية إلزا ابنة الحظ التى لم تعرف أبويها، وطالما حلمت أنها ابنة البحر، وأن موجه الأزرق الغامض هو من وضع السلة أو الصندوق الذى نامت فيه وهى رضيعة عند أعتاب بيت روز.

هذا البحر نفسه نادى إلزا وجذبها إلى سفينة مسافرة إلى كاليفورنيا، حيث بحر الذهب وحلمه، هاربة خلف حبيبها الأول خواكين أنديتيا الذى اختطفه حلم الثراء السريع. هنا يتقاطع مسار الاثنين: إلزا التى تحمل فى بطنها ثمرة حبها الأول وتريد الرحيل من ميناء بالباراسو فراراً من الفضيحة على أمل العثور على خواكين, وتاو تشين الطباخ الطبيب البحار الذى ترك سفينة القبطان جون سومرز لتوه ليعمل على سفينة أخرى ذاهبة إلى كاليفورنيا، فرقّ قلبه للفتاة وخبأها فى صندوق نقله الحمالون من الميناء إلى بطن السفينة، وفى ذلك القاع المظلم ينقذ تاو الطبيب حياة إلزا حين تنزف جنينها المجهض، وعند الوصول إلى سان فرانسيسكو تقنعه إلزا بالبقاء معها فى أرض الأحلام وعدم الإبحار مجددا مع سفينته.

وفى كاليفورنيا يمارس تاو تشين مهنته الحقيقية التى خُلق لها وهى الطب، وتبدأ إلزا رحلة البحث عن حبيبها خواكين، لتكتشف بالتدريج أنه ليس أكثر من صورة شعرية مغرقة فى الرومانسية، وأن حبيبها الحقيقى هو تاو تشين الطبيب الصينى المجرد من هالات السحر والشعر، الذى لم يلمسها لكنه فعل كل شيء من أجلها. نفس الشىء يحدث لتاو تشين الذى يتحرر شيئاً فشيئاً من ذكرى زوجته الراحلة، وطيفها الذى تهزمه حقيقة إلزا وجسمها الدافئ وروحها الحية المعطاءة.

فى النهاية تتزوج إلزا الشيلية بتاو تشين الصينى فى أرض الفرصة الثانية؛ فرصة التحقق, حين يستغل الفرد قدراته الحقيقية: مثل موهبة الطهو الاستثنائية لدى إلزا وعبقرية تاو الطبية, وحتى جاكوب تود الذى فر من شيلى بعد أن دمرت سمعته فضيحة مالية وجد نفسه فى أمريكا, فصار صحفياً لامعاً, مستغلاً قدرته على التعاطف مع الناس والانتصار للحق, فنُسيت وغُفرت خطاياه فى ميلاده الثاني. ابنة الحظ رسالة حب لوطن الكاتبة الثانى كاليفورنيا الأمريكية حيث تعيش منذ أربعة عقود أو أكثر, لكنه حب مفتوح العينين, بريء من الغفلة, ومُدرِك جيداً لحقائق الحياة المُرة فى كل أرض.

وهى قصيدة حنين لوطنها الأم شيلى، حيث عاشت النصف الأول من عمرها، لكنه ليس حنيناً تجميلياً لواقع ذلك الماضى وتضاريسه الجارحة . فإن كان حلم الذهب العنصر الجاذب للخروج من تلك الأرض الأم، فهناك أيضاً عناصر أصيلة طاردة، من تزمُّت وعدم تسامح وفقر وقسوة، خاصة فى زمن الأحداث: النصف الأول من القرن التاسع عشر. لكن العمل، رغم ما يتضمنه من مأساوية وحقائق خشنة، مكتوب كله بكثير من الحب والفهم والتعاطف الإنسانىّ.. وببساطة النثر حين تكون شعراً عميقاً رقيقاً خالصاً.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
المغترب.. وشقشقات العش

فى كتابه الصغير الجميل, رأيتُ رام الله، يقول مريد البرغوثى، الراحل الفلسطينى الكبير المغترب، الذى أخيرا وجد وطنه السمائى النهائى، بعد شتات فى البلاد وطوا

ابنة الحظ

الكاتبة الشيلية إيزابيل الليندى يقال عنها - ضمن ما يقال - إنها أكثر من كتب بالإسبانية رواجاً بين القراء. وبصرف النظر عن مدى دقة هذه المقولة، فإن روايات

رعشات الجنوب «3»

ختمنا المقالة السابقة عن رعشات الجنوب للروائى السودانى أمير تاج السر، والتى استغرقت منا حتى الآن مقالتين وهذه الثالثة، بهذه الجملة: مازال لدينا الكثير

طبيب أرياف

طبيب أرياف

دراما الحياة

تحتار فيها: هل هى ملحمة بطولية أم مأساة أم ملهاة أم مهزلة؟ الحياة فيها من البطولة قدر ما فيها من المساخر، والنهايات السعيدة والمفجعة؛ فيها من قصص الحب

الشتاء الثاني

الشتاء الثاني

الأكثر قراءة