جاء إطلاق المرحلة الأولى من مشروع إحلال السيارات القديمة بأخرى جديدة تعمل بالوقود السائل والغاز الطبيعي ليعطي دليلًا واضحًا على منهج عمل مميز للحكومة بعدم الإعلان إلا على ما يمكن تنفيذه فعليًا، هذا المنهج يزيد من ثقة المواطن في الحكومة.. هذه الثقة التى تعرضت للتآكل خلال العقود الماضية، وحلت محلها ثقة في مقولة «يوم الحكومة بسنة».
مشروع إحلال السيارات الذى تتحمل الخزانة العامة للدولة نحو 7.1 مليار جنيه عبء تمويل الحافز للمرحلة الأولى منه التي تشمل 250 ألف سيارة مضى على تصنيعها أكثر من 20 عامًا في سبع محافظات، يحقق عوائد اقتصادية عديدة، يأتي على قمتها تخفيض معدلات تلوث البيئة وزيادة الطلب على السيارات ذات المكون المحلي مما يساعد الشركات الوطنية على التشغيل الاقتصادي لمصانعهم، هذه الفوائد الكثيرة يمكن أن تتعاظم وتعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بالتوسع في الاستفادة من موارده الطبيعية وترشيد الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة لآلاف الشباب، المرحلة الأولى دارت عجلتها وهي بداية مشجعة جدًا، ولكن المرحلة الثانية من هذا المشروع يمكن أن تكون نقطة انطلاق فارقة في صناعة السيارات بمصر، ومحاولة تحقيق حلم ظل يراود مخيلة المصريين على مدار أكثر من سبعة عقود وهو حلم صناعة سيارة مصرية.
الحلم الذي ظل يداعب مخيلتنا على مدار عقود مضت ولَم يخرج عن دائرة الأحلام كان مقترنًا دائمًا بالتصنيع الحكومي لهذه السيارة، وأعتقد أن هذا الاقتران كان السبب الرئيسي في عدم النجاح للقيود الشديدة التي تعوق الاستثمار التابع للحكومة أيًا كان القانون الذي تقع تحت مظلته الشركات سواء قطاعًا عامًا أو قطاع أعمال، حيث إن الاستثمار الناجح هو بالأساس يتضمن درجات متفاوتة من المخاطر، وهو ما لا يمكن قبوله بسهولة بالنسبة للمال العام.
أما بالنسبة للقطاع الخاص فكانت مبرراته في عدم المخاطرة لتحقيق حلم السيارة المصرية هي عدم ضمان تسويق إنتاجه بالقدر الذي يحقق الجدوى الاقتصادية للاستثمارات المطلوبة، المرحلة الأولى من مبادرة إحلال السيارات القديمة اعتمدت على مكون محلي 45% للسيارات الملاكي، و60% في سيارات الميكروباص، وبالتالي يأتي التساؤل حول مدى إمكانية استخدام نسبة مكون محلي أعلى يتم تحديدها بالتشاور بين الحكومة وأصحاب المصانع كشرط لاعتماد السيارات في المراحل التالية من المبادرة.
زيادة نسبة المكون المحلي ستكون حافزًا قويًا بالنسبة لمصانع إنتاج السيارات، وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون نقلة نوعية للمشروعات الصغيرة المغذية لها وهي كثيرة وتتوافر بمصر المواد الخام اللازمة لها، حيث تعتمد فى معظمها على صناعة البتروكيماويات ولدينا قاعدة معتبرة فيها.
الربط بين التوسع في استخدام الغاز الطبيعي محليًا مع تعميق التصنيع المحلي لمكونات السيارات سوف يجعل مخاوف القطاع الخاص لا محل لها، لأن المبادرة تضمن سوقًا مناسبة لاستيعاب ما يتم إنتاجه وبالتبعية يتحول الحلم الذي طال انتظاره إلى واقع ملموس خاصة مع ما تبديه الدولة من تسهيلات كبيرة تجعل المشروع مربحًا لكل أطرافه فهل يتحقق الحلم؟
وكيل الهيئة الوطنية للصحافة