Close ad
15-2-2021 | 15:38
الأهرام اليومي نقلاً عن

في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، جرى تحويل روايتي: «الحرب في بر مصر» إلى فيلم: «المواطن مصري» كان المرحوم المخرج صلاح أبوسيف قد اختار عنوان الفيلم وأصر عليه ورفض أي مناقشة في الأمر، رغم أن عنوان الرواية من وجهة نظري ربما كان أفضل، وقتها كانت سينما العالم تعرف فيلمًا حقق نجاحًا في كل مكان عُرِضَ فيه، عنوانه: "المواطن كين".

وأنا لا أكتب هذا الكلام بعد كل هذه السنوات من باب الغمز واللمز. فمن رحل له قدسية علينا ألا نذكره إلا بعد إثبات محاسنه أولا وقبل أي اعتبار آخر. وألا نذكر عيوبه إن كانت له عيوب مع أن البني آدم خطاء. يُخطئ ويُصيب.

عموما كنت وما زلت مسئولًا عن روايتي فقط. أما الفيلم فمسئوليته تقع على عاتق مخرجه من الألف إلى الياء. والعنوان جزء من هذا. كتب له السيناريو والحوار المرحوم محسن زايد. أفضل من حوَّل الروايات إلى أفلام سينمائية. له تجارب ناجحة في هذا الميدان.

وليس فى هذا تقليل من قدراته الإبداعية. ولكن تخصصه فى هذا اللون من الكتابة الدرامية للسينما مسألة مهمة. ودليلى على هذا ما حوَّله من أعمال نجيب محفوظ سواء إلى أفلام سينمائية أو للتليفزيون على شكل مسلسلات. لدرجة أن معالجاته أصبحت تنافس النصوص الأصلية للروايات التى يحولها إلى أشكال فنية أخرى.

صلاح أبوسيف هو الذى اختار عزت العلايلى لدور والد مصرى. وعندما كَتبتْ الرواية قبل نشرها لم يكن لأى بطل من أبطالها اسما سوى مصرى. وباقى أبطال العمل فوجودهم مرتبط بأدوارهم. واسم الدور الذى أدَّاه عزت العلايلى فى الفيلم كان فى الرواية والد مصرى. أما فى الفيلم فقد تغيرت أشياء كثيرة. أنا متأكد الآن، بعد كل هذه السنوات، أن صاحب اقتراح أداء عزت العلايلى لدور والد مصرى كان مخرج العمل صلاح أبوسيف.

كانت تجربتى الأولى فى تحويل إحدى رواياتى إلى فيلم سينمائى. ومنتج الفيلم: حسين القلا، قال إنه ما إن انتهى من قراءة الرواية عندما نُشِرت أولاً خارج مصر حتى قرر تحويلها لشريط سينمائى بمجرد أن يبدأ فى تحقيق حلمه.

وقتها كان الفيلم السينمائى يتنافس مع المسلسل التليفزيونى فى ميدان الأهمية. وجذب انتباه المشاهدين فى تحقيق أعلى نسبة مشاهدة. وكانت الدراما التليفزيونية قد حققت أهدافا مؤكدة فى هذا السباق وتلك المقارنة. وكان فى المقدمة منها أعمال أسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد، وغيرهما من آباء كتابة الدراما التليفزيونية الكبار.

حسم صلاح أبو سيف، وهذا حقه الأصيل دور والد مصرى لعزت العلايلى، الذى كان مشهورا فى ذلك الوقت بأنه البطل المفضل ليوسف شاهين، فى معظم أعماله التى كان لها رنين نقدى وجماهيرى وحضور عربى وعالمى أكثر من أى مخرج آخر سواه. أما عمر الشريف واختياره لدور العمدة، وهو دور مركزى وأساسى فى بناء الرواية وأجواء الفيلم كان صاحب الترشيح الأول هو صلاح أبو سيف نفسه.

وكانت هناك جلسات عمل تُناقش فيها كل الأفكار على شكل مائدة مستديرة. حضرتها بسبب الفضول الإنسانى لا غير. حيث إن حسم الآراء كان يدور بين المخرج والمنتج ونجوم الفيلم الكبار. كان عمر الشريف ـ العائد لتوه من هوليوود بعد أكثر من عمل له هناك تسبقها كلمة العالمية ورنينها الذهبى ـ مدرجاً على قوائم المقاطعة العربية التى كانت مصير كل من أيد الالتصاق المصرى الإسرائيلى. لم يكن قد زار العدو الإسرائيلى. ومع هذا أُدرج على قوائم المقاطعة. وكان فى اختياره قدر ما من المغامرة التى تحملها المنتج كاملة.

ولكى ندرك حجم ردود الأفعال على اختياره أقول إننى كنت وقتها فى بداية تعرفى على سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. ورغم أنها كانت زوجة سابقة لعمر الشريف من قبل لم تكن مستريحة لإسناد بطولة الفيلم له. لاحظت خلال البروفات والمشاهد التى عاصرت تصويرها على أداء عزت العلايلى أنه لم يكتف بقراءة السيناريو الجميل والذى ربما يتفوق على الرواية الأصلية الذى كتبه محسن زايد، إلا أن عزت بحث عن الرواية وأحضرتها له وقرأها. كانت الرواية قد مُنعت بعد صدورها فى بيروت. ورغم صدور طبعات منها فى بغداد والجزائر وسوريا، مُنِعت كل هذه الطبعات فى مصر. كانت لدىَّ نسخ تصلنى بطريقة أو بأخرى.

وعندما عرف عمر الشريف أن الرواية مترجمة إلى بعض لغات العالم خاصة الإنجليزية والفرنسية. غضب وطلب أن نبحث له عن نسخة مترجمة لأنه يمكن أن يقرأها أفضل من قراءة العربية. سمحوا لى بحضور بعض الجلسات التى يسمونها بلغة أهل السينما بروفات الترابيزة وكان الهدف قراءة نص السيناريو فقط. كان ذلك يتم فى حضور المخرج والمنتج. وقد سمحوا لى بحضور بعض الجلسات.

كان نص محسن زايد إبداعا خالصا وأعتقد أن عدم طباعة هذه السيناريوهات فى كتب أثناء أو بعد عرض الأفلام فيه خسارة كبيرة لمن يريدون دراسة تطور كتابة السيناريو فى مصر.

أعود إلى الفيلم الذى نُفِّذ بكل دقة عن السيناريو. وحاول مُخرجه ألا يبتعد عن أجواء الرواية. بل يستقطرها ويستحضرها. فبعد وصول جثمان مصرى الشهيد الحقيقى وليس ابن العمدة إلى القرية. وعندما كبُر الموضوع وبدأ التحقيق فى الأمر، جاءوا بوالد مصرى: عبد الموجود، لكى يرى جثة ابنه ويتسلمها كحق من حقوقه الشرعية. باعتباره والد الشهيد. هذا مشهد سيُخلد فى ذاكرة السينما المصرية والعربية وربما العالمية. تفوق عزت العلايلى على نفسه فى أدائه. وعندما شاهدنا نسخة العمل صفقنا جميعا له رغم حضورنا عملية التصوير لحظة بلحظة. كنا نصور بإحدى قرى الفيوم القريبة من القاهرة.

وقد أجاد عزت العلايلى أداء المشهد بصورة تصل إلى حدود الإعجاز. دموعه التى سالت على خديه لحظة رؤيته لوجه ابنه الشهيد الحقيقى، وليس ابن العمدة الذى ادعى الاستشهاد. وقد لعب دور الشهيد الفعلى الفنان الصاعد وقتها المرحوم عبد الله محمود.

برهة الرؤية تساوي عملًا فنيًا آخر من أول كلمة حتى الكلمة الأخيرة.
كانت أيامًا.
وكانت أفلامًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قريتنا بين الأصالة والمعاصرة

إن كنت من أهل الريف مثلى سابقا. ستدرك أهمية بل خطورة مشروع الرئيس عبدالفتاح السيسي، باني مصر الحديثة لتطوير القرية المصرية. وأخذها من أحضان العصور الوسطى

أدهم

فس طفولتي شغلتني كثيراً حكاية أدهم الشرقاوي. انتمى لقرية قريبة من قريتي. تتبعان مركز إيتاي البارود محافظة البحيرة. ومن شدة انشغالي بالموال وحرصي على الاستماع

المئوية الثانية لديستويفيسكي

قررت هيئة اليونسكو اعتبار عامنا المئوية الثانية لفيدور ديستويفيسكي 11 نوفمبر 1821 – 9 فبراير 1881 باحتفالات في العالم. وتقول اليونسكو في أسباب قرارها:

تركيا .. الحرب في كل الجبهات

تركيا.. الحرب في كل الجبهات