شريحة كبيرة من أولياء الأمور؛ بل الأغلبية العظمى يسعدهم تأجيل الدراسة، ويبتهجون فرحًا لوقف الامتحانات، هؤلاء ينتظرون بشغف وسعادة قرار من الحكومة بتأجيل الامتحانات والدراسة.على غرار ما تم اليوم بمد أجازة نصف العام اسبوعا إضافيا.
هذه الظاهرة الاجتماعية يجب التوقف عندها، والبحث في جذورها والتنقيب عن أسبابها هم لا يفكرون في مستقبل العملية التعليمية بقدر ما يسعدهم عدم ذهاب أبنائهم إلى المدارس والجامعات.
ربما يقول البعض إن الفرحة مبعثها حماية الطلاب من الإصابة بكورونا؛ لكن وإن كان ذلك بالطبع صحيحًا؛ لكن لا يمكن إنكار أن الفرحة في جانب كبير منها مرجعها أعباء العملية التعليمية؛ فالذهاب إلى المدرسة لم يعد مريحًا، حتى وإن اتخذت الدولة كافة الإجراءات الاحترازية الصارمة التي تمنع انتشار الوباء.
أسئلة كثيرة وتساؤلات عديدة تمثل في مجملها حالة مصرية خاصة ترتبط بمستقبل هذا البلد، وتقدمه وتطوره، وبعيدًا عن أن يكون توقف الدراسة بسبب قهري - وهو فيروس كورونا - إلا أن رد الفعل الجماهيري هو الذي يجب التوقف عنده.. لماذا يفرحون؟!
لا شك أن التعليم في مصر يمثل أزمة كبرى تواجه المجتمع منذ عقود؛ بل إنه في تقديري أحد أخطر الأزمات التي تعوق تقدم هذا البلد، ففي تجارب الأمم التي حققت النهضة التنموية جاءت انطلاقتها من قاعات الدرس، ومن مراكز الأبحاث؛ فاليابان بنت نهضتها الصناعية على عقول طلاب الجامعات، وأمريكا وكندا.. وغيرها من الدول التي وجدت في تقدمها طريقًا يمر من المدارس والجامعات.
إلا إننا في مصر لا زلنا نبحث عن نظام تعليمي يتعاطى مع متطلبات العصر ويتعامل مع احتياجات الدولة المصرية التي تتلمس طريق التنمية بين الأمم، قدماء المصريين من الأجداد علموا العالم الكثير من الفنون والعلوم؛ بينما الأحفاد لا زالوا يبحثون عن طريق يهدي إلى العلم النافع.
المؤكد أن مرجع الفرحة وسبب البهجة لدى الطلاب وأولياء الأمور أن العملية التعليمية برمتها باتت مرهقة ماديًا ومؤذية معنويًا، المصريون ينفقون مليارات الجنيهات كل عام على الدروس الخصوصية دون جدوى، بعد أن خرجت المدرسة من الخدمة خصوصًا في الثانوي، وتحولت من مؤسسة تعليمية وتربوية إلى مجرد مبنى لتحصيل الرسوم وإثبات القيد، وأصبحت الدراسة في مراكز غير مشروعة لا تخضع لأي رقابة؛ بل إن من يقومون بالتدريس فيها من غير المؤهلين سواء في المدارس أو الجامعات.
الشيء الخطير أن الثانوية العامة - تلك المرحلة المصيرية الأهم - أصبحت بسنواتها الثلاث خارج ولاية الوزارة وباتت في عهدة مراكز الدروس الخصوصية، وأن كل ما يفعله وزير التربية والتعليم هو إعلان نتيجة طلاب لم يكن لوزارته دور في تعليمهم؛ بل المدهش أن الوزارة أيضًا من تقوم بوضع الامتحانات لهم دون أن تعرف مستواهم، وأصبح هذا الوضع الخاطئ طبيعيًا؛ بل مشروعًا في عرف الوزارة.
وبالتالي هناك حالة من عدم الثقة في العملية التعليمية وجدواها، ناهيك عن أزمة البطالة وطوابير الخريجين الذين لم يجدوا عملًا بعدد كل سنوات العناء؛ سواء لندرة فرص العمل أو لضعف مستواهم التعليمي؛ مما جعل القاعدة الجماهيرية العريضة تنظر إلى التعليم بغير اهتمام أو ذي جدوى.
المؤكد أن العلاقة بين الطلاب والمدرسة أو الجامعة في حاجة إلى مراجعة أمينة تضمن وجود مؤسسة تعليمية حاضنة للطلاب، وتشكل في وجدانهم أسس علاقة حب وارتباط وثيق ينتج عنه حالة تعليمية تعيد الطلاب إلى قاعات العلم، وتعيد المدرسة أو الجامعة إلى قلب الطلاب.
وهذا لن يتأتى إلا من خلال منظومة تعليمية متكاملة تأخذ بأسباب العلم الحديث ومعطيات العصر ومتطلبات التنمية المنشودة في مصر، وللإنصاف فإن هناك محاولات جادة من الحكومة في هذا الاتجاه، وإن كانت ما زالت في حاجة إلى جهد وعمل كثير، وقبل كل ذلك وجود قناعة مجتمعية بما يحدث من تطوير.
حين يتحقق ذلك تتحول الفرحة إلى صدمة برغم أنف كورونا.
Alymahmoud26@yahoo.com