لماذا يطلق المصريون على القاهرة اسم «مصر»؟!

12-2-2021 | 16:45
لماذا يطلق المصريون على القاهرة اسم «مصر؟ القاهرة
محمد هلال
الأهرام اليومي نقلاً عن

كثيرون غيرى طرقت أدمغتهم أسئلة ملغزة لم يظفروا لها بإجابات ربما لصعوبة الحصول على مصادر تاريخية فى هذا الجانب الذى يبدو غير مطروق وكذا خلو محركات البحث فى الشبكة العنكبوتية من إجابة شافية.. فتركوها فى ركن قصى بدهاليز أفكارهم ربما أجابت الصدفة عنها ذات يوم..

موضوعات مقترحة

من هذه الأسئلة، استئثار مدينة القاهرة وحدها باسم «مصر»..

فلا تجد قادما إليها من محافظات الوجه البحرى إلا ويقول: «أنا رايح مصر» وهو يقصد مدينة القاهرة! أما الوجه القبلى فيقولون: «أنا نازل مصر» وذلك يعود إلى ارتفاع أرض الصعيد الذى يسمى جغرافيًا «مصر العليا»، وعلى ذلك أهل سيناء.

وترى الجميع يقولون مثلًاــ:»أنا هقضى يومين فى مصر بعدين أروح اسكندرية».. أما إذا اردنا التعبير عن عموم البلاد فنقول: «مصر كلها» كذا وكذا.. أو عموم الجمهورية أو كل محافظات مصر بها كذا.

وجاءت الصدفة، التى قادتنا إلى كتاب الوثيقة الذى يتحدث عن محافظة مصر قبل أن يصبح اسمها القاهرة، وكما يقال: أول الغيث قطرة، مجرد ورقة «وثيقة» تحمل السعادة أقصد «دعوة لإتمام قران» أحد الوجهاء، ثم تبع ذلك كتاب حكومى كبير، لكنه لايتعرض لحوادث الدهر والتاريخ بشكلها التقليدى المعتاد وإنما لتسجيل القرارات الرسمية التى تنظم سير الحياة فى عموم بر مصر من فرض أنواع شتى من الضرائب بداية من المشروعات الكبيرة وحتى عربات الكارو وعربات اليد الخشبية والكلاب، ورسوم الملاهى والخمارات والأيام التى يحرم فيها بيع وتناول الخمور، وتغيير اسماء الشوارع، والأماكن المحرم دخولها على الباعة الجائلين.

الكتاب الضخم هذا الذى يقع فى 1352 صفحة صادر عن وزارة العدل للحكومة المصرية واسمه «مجموعة الوثائق الرسمية» كل ثلاثة أشهرفى فصل مستقل، كلها تحوى أحداث سنة 1946.. وقد نوهت الصفحة الأولى منه على أنه طُبع بالمطبعة الأميرية ببولاق القاهرة، سنة 1947.. أيضًا لم يغفل الكتاب أن نوه عن:»تباع مطبوعات الحكومة بصالة البيع بوزارة المالية.. ثمن النسخة 180 مليمًا.. الإشتراك السنوى 700 مليم داخل القطر، 17 شلنًا خارج القطر.

زواج ابنة وكيل مصر

الوثيقة الأولى هى تذكرة دعوة أنيقة الشكل؛ بشأن عقد قران لعريس وعروس من علية القوم وقتذاك رحم اللـه العريس والعروس والداعى والمدعوين وكل مخلوق شاهد زينة وبهجة هذا العرس الميمون، وغفر لهم جميعًا فقد حدث ذلك منذ 113 سنة، وتحديدًا كما تقول الدعوة فى يوم الإثنين 21 سبتمبر سنة 1908 الموافق 25 شعبان سنة 1326 الساعة الخامسة «أفرنكى» مساءً.. وفى أسفل الدعوة تنوية عن عنوان الحفل « المنزل شارع النزهة أمام سبيل الخازندار بالعباسية».

بالعودة لصفحات التاريخ سنجد أن هذا الحدث السعيد وقع فى عهد سابع حاكم للبلاد من أسرة محـمد على باشا، خديو مصر الأخير عباس حلمى الثانى 1892 ــ 1914 الذى تولى حكم البلاد بفرمان من السلطان عبدالحميد خلفًا للخديو توفيق.

عقب عهد عباس الذى عزله الإنجليز بعد إعلان الحماية على مصر وتنصيب عمه حسين كامل؛ غادرت البلاد صفة الخديوية، وصار اسمها «السلطنة المصرية» وكان حسين هو أول سلطان يفرضه الإنجليز على الباب العالى العثمانى.

يعلو دعوة «عقد القران» صورة علم البلاد ذات الثلاث أهلة تتوسطها ثلاث نجوم يعلوها التاج الخديوى.. ثم تحت صورة العلم اسم الداعى عبداللطيف بك نجم الدين مزينًا بقوسين مزركشين.. مكتوب تحته: يتشرف بأن يدعو سيادتكم للإحتفال بتأهيل شقيقه عبدالحليم بك نجم الدين على ربة الصون والعفاف كريمة سعادة على بك صديق «وكيل محافظة مصر».

تلك هى المرة الأولى أو الصدفة الأولى التى تفك اللغز.. فقد كانت مدينة القاهرة التى بناها القائد الفاطمى جوهر الصقلى سنة 969 م واختار لها اسم المنصورية، حتى جاء الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وأطلق عليها اسم القاهرة تبركًا برؤيته للكوكب القاهر»المريخ» الذى ظهر فى السماء ليلتها، واتخذها مقرًا له وعاصمة لحكمه التفاصيل فى كتاب المقريزى.. وكان وصف مصر حتى هذه اللحظة يطلق على عموم البلاد.. أما التقسيمات الإدارية فحسب الكتاب كانت «مدريات».. مديرية أسيوط، مديرية سوهاج، مديرية الغربية، مديرية البحيرة..وهكذا فلم يكن مسمى «محافظة» قد انتشر بهذا الشكل المستقر حاليًا إلا «محافظة مصر».. وقليل من البلاد.. بينما كانت القاهرة تذكر مسبوقة بوصف مدينة.. أيضًا؛ كان التمدد الجفرافى لمحافظة مصر أشبه بما نسميه الآن «القاهرة الكبرى».

أسئلة كثيرة تتوالد؛ تُرى من الذى أطلق على مدينة القاهرة اسم مصر؟ ومتى حدث ذلك؟

تطالعك الصفحة رقم 118 من كتاب «مجموعة الوثائق الرسمية» بقرار صادر من المحافظ يقول: وقف أثر رخص بيع المشروبات الروحية أو المخمرة فى المحال المرخص لها بذلك فى مواسم معينة بدائرة محافظة مصر.

تحته الديباجة المعهودة حتى اليوم:» محافظ مصر؛ بعد الإطلاع على المادة 15 من القانون رقم 38 لسنة 1941 بشأن المحال العمومية؛ وبعد موافقة وزير الداخلية؛ قرر ماهو آت.. أما المواسم التى يتم فيها وقف بيع الخمور هى: رأس السنة الهجرية؛ من غروب الشمس فى آخر يوم من شهرذى الحجة الى وقت الغروب فى اليوم التالى.

جدير بالذكر أن ننوه بأن هذا القرار لايخص محافظة مصر فقط وإنما عموم القطر المصرى مديريات وأقسام ومراكز.. وبنفس الصيغة والكلمات، مع تعديل اسم المكان « مديرية كذا.. توقيع مدير كذا.

تؤكد لنا الصفحة رقم 759 فى كتاب الوثائق المصرية أن القاهرة كانت مجرد مدينة فى محافظة مصر، ومنها ماسيتم ذكره..

تحت عنوان: محافظة مصر، قرار بيان الشوارع والميادين التى لايجوز فيها للباعة المتجولين المرور أو الوقوف فيها بمدينة القاهرة.

ويذكر قرار التحريم هذا اسماء الشوارع والميادين ومنها شارع إبراهيم باشا «الجمهورية حاليًا» من ميدان باب الحديد إلى تقاطعه بشارع قصر النيل بما فيه ميدان إبراهيم باشا « الأوبرا» حاليًا.

الكتاب الذى بين أيدينا « مجموعة الوثائق الرسمية» مليء بالشواهد التى تفوح بعبق ورائحة الماضى وتفاصيل حياة الناس فى عموم القطر المصرى، مايستحق منا الحديث الطويل الملىء باللطائف والطرائف والشجى والشجن أيضًا، لكن قصر المهمة على تأصيل استئثار القاهرة دون جميع المحافظات باسم «مصر» هو مهمتنا.

القاهرة.. ضبطية مصر

فى موسوعة «القاموس الجغرافى للبلاد المصرية»، الواقعة فى خمسة أجزاء من القطع الكبير، من قدماء المصريين إلى سنة 1945 وهو العام الذى توفى فيه العالم الكبير واضع الموسوعة ومحققها محمـد رمزى المفتش الأسبق بوزارة المالية حسب تزييل عبدالحميد نديم رئيس المطبعة بدار الكتب المصرية عام 1955.. الطبعة التى بين أيدينا تعود لعام 1994 الهيئة المصرية العامة للكتاب.

تقول الموسوعة فى الجزء الأول من القسم الثاني: التقسيم الجغرافى الإدارى من عهد محمـد على باشا إلى اليوم «1945».. لما ولى محمـد على باشا حكم مصر فى سنة 1220هـ 1805م كان القطر المصرى حسب تقسيم الحملة الفرنسية يتكون من 13 ولاية هى الجيزة، القليوبية، الشرقية، المنوفية، الغربية، الدقهلية.. أما ولايات الوجه القبلى فهى أطفيح «أحد مراكز الجيزة الآن»، الفيوم، البهنساوية، الأشمونين، المنفلوطية، جرجا.

كان يدير الولاية فى الوجه البحرى موظف يسمى «الكاشف» وفى الوجه القبلى يسمى «المتصرف».. وإلى جوار هذه الولايات ست محافظات هى الأسكندرية، رشيد، دمياط، العريش، السويس، القصير.

فى سنة 1241 هـ أبطل محمـد على اسم ولاية واستبدله باسم مأمورية.. ثم فى سنة 1249 هـ استبدل اسم مأمورية باسم مديرية. وإذا كان الشىء بالشىء يُذكرفمن طرائف التقسيم القديم الذى يؤكد أن «المحليات» بها مابها منذ القدم حكاية «مديرية الجيزة».

ففى القاموس الجغرافى للبلاد المصرية، كانت الجيزة فى عهد الفراعنة والبطالسة والرومان ثلاثة أقسام منفصلة، إلى أن استولت الدولة الفاطمية على مصر، فجعلت قسمى أوسيم ومنف قسمًا واحدًابإسم الجيزية،وبقاء أطفيح قسمًا قائمًا بذاته.. فى عهد محمـد على سميت ولاية الجيزة، ثم استبدلت باسم مديرية الجيزة.. فى رجب 1252 هـ صدر الأمر بالغاء مديرية الجيزة وضمها إلى مديرية أطفيح.. فى 1257 هـ تقررإعادة تكوين الجيزة كما كانت سابقًا وتسميتها مديرية الجيزة وأطفيح.. ثم صدر قرار بحذف كلمة أطفيح والاكتفاء بتسميها مديرية الجيزة.. الآن مدينة أطفيح أحد مراكز محافظة الجيزة.

أما القاهرة فقد كانت تحت إدارة أكبر موظف فى مصر بعد الوالى وهو شيخ البلد، يعاونه أغا المستحفظان والمحتسب، وكانت تابعة لديوان محمـد على باشا مباشرة، ثم فُصلت بعد عهده باسم «ضبطية مصر» فى أول المحرم سنة1257 هـ.. ثم بعد وفاة محمـد على، وتحديدًا فى ربيع الأول 1278 هـ 1862 م تم استبدال كلمة «ضبطية مصر» إلى «محافظة مصر» فى عهد محمـد سعيد باشا الإبن الرابع فى سلالة الأسرة العلوية، تحت الحكم العثمانى.. وظل الاسم حتى قيام ثورة يوليو 1952.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: