جمال محمود صالح حمدان ولد في 4 فبراير 1918 في قرية ناي محافظة القليوبية، وهذه القرية تقع في بدايات طريق مصر - الإسكندرية الزراعي على طريق قليوب منشية القناطر، وهي تبعد عن العتبة بنحو 17 كيلومترًا فقط.
ومسكنه الذي نشأ به ما زال موجودًا للآن ويسكنه الورثة ومساحته حوالي قيراطين ونصف، ويتكون من طابقين ونتمنى أن يتحول إلى متحف للراحل الكبير قريبًا؛ لأن اسم جمال حمدان يجب أن يتحول إلى رمز للعلم والعلماء فهو القدوة والرمز للعالم الجليل للعديد من الأسباب منها بداية اختياره للمجال والتخصص الذي يهواه ويحبه؛ لأنه بالرغم من تفوق جمال حمدان في شهادة الثانوية العامة - وكان ترتيبه السادس على مستوى الجمهورية - إلا أنه التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا حبه الأول، ولم يفكر في دخول إحدى كليات القمة.
كما كان والده خريج الأزهر ويعمل في القضاء الشرعي، ومن هنا درس للجميع الدراسة والعمل تبعًا للاهتمام الشخصي، وليس سعيًا وراء مسميات، ثم استكمل دراسته بتفوق وسافر في منحة علمية إلى إنجلترا للحصول على الماجستير ثم الدكتوراه وتزامل مع باحثة إنجليزية، وكانت بينهما قصة حب كبيرة في حياة جمال حمدان، انتهت بالفشل؛ لأن حمدان رفض طلب زميلته بالزواج والاستقرار في لندن، وأصر على الزواج والاستقرار بمصر بلده، وبعد ذلك انتهت علاقته بحبه الوحيد، وعاد لمصر للعمل بجامعة القاهرة وتعرض لمشكلات عديدة بعمله؛ بداية من سرقة أبحاثه ومؤلفاته العلمية من بعض الزملاء، إلى أن تم تجاهله في الترقية إلى رتبة الأستاذية، وحصل عليها زميل آخر أقل كفاءة ومستوى.
وهنا قدم حمدان استقالته للجامعة وظلم مرة أخرى بتأخير الحصول على مستحقاته لأكثر من عام، وتفرغ للعلم رافضًا كل عروض التدريس أو العمل في الجامعات الأجنبية والعربية أو حتى الكتابة لـ"الأهرام".
ورغم تعرض حمدان للظلم في العصر الناصري، إلا أنه لم يسع أبدًا إلى تصفية حساباته أو الانتقام من النظام بعد رحيله، ولكنه كان أكبر المؤيدين لفكر وسياسات ناصر واصفًا ناصر بأنه أفضل من درس وفهم جغرافية وتاريخ مصر وأبعاد أمنها القومي وطبقها على الواقع، وهذا درس مهم للعلماء ألا يبيعوا علمهم ولا يخلطوا العلم بالسياسة، ثم بعد ذلك المعرفة العلمية الموسوعية للراحل الكبير فهو دارس متعمق لعدة علوم متكاملة منها جغرافيا وتاريخ مصر والأيكولوجيا البشرية، وعلم الاجتماع والنفس والاقتصاد والزراعة والأمن القومي؛ فهو بحق عالم موسوعي لا يوجد له شبيه على الإطلاق؛ ولذلك توصل إلى حقائق علمية ثابتة على مر العصور تصلح اليوم وغدًا.
فمثلًا عندما يلخص جغرافيا وتاريخ مصر في جملة واحدة وهي: "على مصر أن تخرج خارج حدودها لتكوين إمبراطورية دفاعية لحماية أمنها القومي أو تكون في مرحلة كمون داخلي وهي مرحلة التبعية أو المستعمرة".
كان هذا مجرد مثال، وتناول أيضًا مشكلة سد النهضة موضحًا بالأدلة عدم خطورته على مصر؛ لأنه سوف يردم بالطمي خلال سنوات قلائل تأمنها مياه بحيرة ناصر، وغيره كثير لا يمكن حصره؛ ولذلك مصر في أشد الحاجة لنشر وتكريم هذا العالم والنموذج؛ ليكون قدوة للشباب والعلماء.
وأقترح لتكريم هذه القامة الكبيرة والمفكر الإستراتيجي الأول لمصر المعاصرة أن يتم تدريس كتابه شخصية مصر الحجم الصغير، أو بعض فصول الكتاب الكبير كمقرر دراسات قومية على جميع طلاب مرحلة الثانوية العامة؛ لأننا في حاجة حقيقية لفهم خصائص ومشكلات البيئة المصرية وكتاب شخصية مصر أفضل كتاب؛ لذلك وهو في نفس الوقت أفضل كتاب لجغرافيا وتاريخ مصر ويدعم انتماء الشباب بوطنهم وهو ضرورة ومفيد لكافة مجالات العمل؛ سواء العمل العام أو السياسي أو على مستوى المحليات وكافة المستويات والتخصصات تقريبًا، وآن الأوان ليكون مقر إقامته متحف ورمز لتكريم مصر لابنها البار جمال حمدان.
والله ولي التوفيق