Close ad
6-2-2021 | 10:52
الأهرام اليومي نقلاً عن

إيران بسياساتها الإقليمية ومشروعها التوسعى فى المنطقة, تظل إحدى المعضلات الرئيسية التى تهدد استقرار الشرق الأوسط, وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية القاسية التى فُرضت عليها فإنها لم تغير من سلوكها أو تُبدل أجندتها التى تبنتها منذ الثورة الخومينية, ثم جاءت نتائج الانتخابات الأخيرة فى الولايات المتحدة التى أوصلت الرئيس الديمقراطى جو بايدن خلفا لسلفه الجمهورى دونالد ترامب إلى سدة الحكم لتعتبرها انتصارا لها, يتيح لها مزيدا من حرية الحركة وربما فرض إرادتها على الإقليم والقوى الكبرى معا, على اعتبار أن تلك الإدارة الجديدة ستتبع نهجا انتقاميا تنقلب فيه على كل ما اتخذته سابقتها من سياسات, خاصة مع ما أبدته من مرونة ورغبة فى الرجوع إلى الاتفاق النووى معها الذى ألغاه ترامب من جانب واحد, ما يضعها على قائمة أولوياتها الفترة المقبلة, فهل تصح رهانات طهران وتكون هى الطرف الفائز فى معركتها الطويلة مع واشنطن؟.

اعتقاد النظام الإيرانى أنه يقف على أرض صلبة, وأن إدارة بايدن تستعجل الحل والتراجع عن موقفها, وأن ذلك يسمح له بإملاء شروطه, إلى الدرجة التى دعت المتحدث الرسمى باسم الحكومة على ربيعى للقول: إن فرصة عودة أمريكا للاتفاق النووى الموقع 2015 لن تكون مفتوحة إلى ما لانهاية, ويجب ألا تكون مشروطة على أساس أنها هى التى غادرته. بل وحذر من أن الاستمرار فى تعليق الاتفاق سيعطى بلاده الحق فى حظر التفتيش الدولى على منشآتها النووية, وهى تصريحات لم تخرج فى مضمونها عما أعلنه وزير الخارجية جواد ظريف, والأخطر من كل ماسبق كان استعراض إيران قوتها العسكرية بشنها سلسلة هجمات صاروخية طالت السعودية انطلاقا من الأراضى اليمنية, إضافة إلى استغلال وجودها المكثف فى كثير من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين (اعتمادا على حركة حماس) كأوراق للمساومة لتقوية وضعها التفاوضى فى أى محادثات محتملة, إذ تستطيع تفجير الأوضاع فى تلك الدول فى أى لحظة من خلال وكلائها المحليين من الميليشيات المسلحة وقوات حرسها الثورى.

أما من الناحية السياسية, فتراهن على وجود تيار داخل الإدارة الجديدة منحاز إلى سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما الذى وُقّع الاتفاق فى أثناء حكمه, بعد تعيين بايدن كثيرا من الشخصيات التى شغلت مناصب عديدة فى عهده, ناهيك عن كونه شخصيا كان نائبا له على مدى ثمانى سنوات, وربما زاد من هذا الرهان إرجاء إدراج جماعة الحوثيين (إحدى أهم وكلائها) على قائمة الإرهاب مثلما كانت تعتزم إدارة ترامب, فضلا عن تعليق صفقات السلاح الأمريكية لكل من السعودية التى تقود التحالف العربى فى حرب اليمن, والإمارات التى تعتبر ثانى أكبر قوة فيه وذلك بتجميد صفقة المقاتلات المتطورة إف 35, وهو ما تحسبه طهران أمرا يصب فى مصلحتها وينتقص من خصومها.

وبنفس المنطق تعتمد فى توجهها المتشدد على مساندة موسكو وبكين, وهما أكبر قوتين منافستين لواشنطن على الساحة الدولية, وقد كان لوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف تصريح داعم لها فيما يخص الاتفاق النووى, وكذلك على الموقف الأوروبى الذى تمسك بذات الاتفاق بعكس مثيله الأمريكى.

لكن وعلى الرغم من كل تلك الرهانات والافتراضات السياسية, فالصورة الواقعية تبدو مختلفة, لعدة أسباب, أولها أنها تتجاهل معاناتها من العقوبات التى دمرت اقتصادها وعزلتها دوليا , وأن روسيا والصين لم تنقذاها من هذا الوضع المتردى على مدى السنوات الماضية, كما أن موقف أوروبا اليوم قد يتغير عما كان عليه, بعدما أبدت إدارة بايدن اعتزامها استئناف تحالفها مع شركائها الأساسيين (الناتو والاتحاد الأوروبى), لذا فالمتوقع أن تتوافق سياساتها فى المرحلة المقبلة, وهو ما بدا من اتجاهات الدول الكبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا التى بدأت تُظهر تحفظها على دور إيران الإقليمى.

وثانيها ما يتعلق بتصريحات الرئيس الأمريكى قبل وبعد انتخابه, حيث عرض صراحة فى مقال له نُشر على موقع الـسى إن إن وحديث آخر للنيويورك تايمز أجراه معه الصحفى المعروف توماس فريدمان, لموقفه المبدئى من رفع العقوبات عنها وربطها بامتثالها الكامل لبنود اتفاق (5+1) وتراجعها عن مخالفاتها له, بعدما رفعت من نسبة تخصيبها لليورانيوم إلى ما يقرب من 20% فى حين نص الاتفاق الأصلى على نسبة لا تتعدى الـ3%, مع إضافة ملحق له للحد من برنامجها الخاص بمنظومة الصواريخ الباليستية, وكذلك مراجعة سياساتها الإقليمية وتدخلها فى الشئون الداخلية للدول الأخرى.

باختصار المطلوب منها أن تتصرف فى حدود دولتها فقط وتتخلى عن نزعتها التوسعية وحروبها بالوكالة, وأن تتم المفاوضات بمشاركة جيرانها الخليجيين الذين استبعدهم الاتفاق المشار إليه, وكأن المطروح هو اتفاق جديد لا العودة التلقائية لما كان قائما, خاصة أن أسباب انتقاد بايدن لانسحاب الإدارة السابقة منه لا ترجع لتسليمه بأنه كان اتفاقا مثاليا, وإنما لأن الانسحاب أتاح لإيران التنصل من التزاماتها, بعبارة أخرى يريد أن يصل إلى ما كان يسعى إليه ترامب ولكن بأسلوب أكثر ذكاء من وجهة نظره.

لذا لم يكن غريبا أن يشير وزير الخارجية أنتونى بلينكن, فى كلمته أمام الكونجرس للتصديق على تسميته وزيرا, إلى أن بلاده لا تتعجل ولا تتوقع اتفاقا سريعا معها, فكل شىء مؤجل لحين تنفيذها ما طُلب منها وأضاف حرفيا إننا مازلنا بعيدين عن تلك النقطة.

وفى المقابل, جاء رد فعل فريق بايدن على استهدافها بعض المواقع السعودية مباشرا وفوريا, وملخصه عدم السماح بالمساس بحلفائها التقليديين لأنه يضر بمصالح الولايات المتحدة, واستتبعه تحريك قواتها تعزيزا لوجودها العسكرى فى الخليج تحسبا لهجوم إيرانى آخر, وبالنسبة لتعليق صفقات السلاح فقد أقر بلينكن بأنه إجراء روتينى مع تولى أى إدارة جديدة وسيتم الإفراج عنها فى النهاية, ولكن للدقة قد تكون هناك أهداف سياسية غير معلنة وراء قرار التعليق, كالضغط من أجل وقف الحرب اليمنية أو تحقيق نوع من توازن القوى بين الأطراف المتصارعة, ولكنه فى كل الأحوال لا يعكس تحيزا لإيران أو دعما لموقفها, فتاريخ الخصومة مع نظام الملالى ممتد بغض النظر عن طبيعة الإدارات المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية, ربما الاختلاف الوحيد هو فى الأسلوب وطريقة المواجهة.
إذن الأزمة لم تنفرج, فطهران تنتظر من واشنطن تقديم تنازلات, والأخيرة تتوقع منها الانصياع لمطالبها, ويبقى السؤال كيف يمكن أن تصل إلى غايتها دون استخدام القوة أو سلاح العقوبات؟ .

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
«عودة أمريكا»

عودة أمريكا هو العنوان الذى اختاره الرئيس الأمريكى جو بايدن لأول خطاب له بعد توليه المنصب، مثلما اختار أن يلقيه من مقر وزارة الخارجية وليس البيت الأبيض

بايدن و«تركة» ترامب

بايدن و«تركة» ترامب

أجندة بايدن

أجندة بايدن

الديمقراطية الأمريكية

الديمقراطية الأمريكية

بعد تصريحات ماكرون

جاء الحادث الإرهابى بذبح مدرس التاريخ الفرنسى على يد متطرف منتمٍ لتنظيم داعش يُدعى عبدالله أنذوروف، لا يزيد عمره على 18 عاما، وهو شيشانى من أصل روسى ويحمل

في السباق إلى البيت الأبيض

في السباق إلى البيت الأبيض

صراع المصالح في المتوسط

فى تصريحات شديدة اللهجة وعلى نحو غير مسبوق، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات لاذعة لسياسة تركيا فى الشرق الأوسط، ووصف سعيها للتنقيب عن النفط

بين بايدن وترامب

بدأ سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى ستجرى مطلع نوفمبر المقبل، واحتدمت المنافسة بين الرئيس الحالى دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى والطامح إلى ولاية

الصراع على ليبيا

لم يمنع الخوف الناجم عن انتشار فيروس كورونا، من استمرار الصراعات وتصاعدها عبر العالم وفى مقدمتها ما يجرى فى ليبيا الآن من احتدام المعارك بين قوات الجيش