الفنان السوري أيمن زيدان أحد النجوم القلائل في العالم العربي ممن عرفوا بثقافتهم الواسعة، وهو نوع من الممثلين الحريصين على خوض كل التجارب التي تسهم في صناعة فنان برؤى مختلفة، لم يكتف بكونه "ممثل تليفزيوني"، أو "سينمائي"، أو حتى "مسرحي"، بل خاض كل هذه التجارب وبنجاح، ومعها التقديم التليفزيوني.
وكان من حسن حظي أن حضرت إحدى تجاربه المسرحية في دمشق منذ عامين "ثلاث حكايا"، وآخر أفلامه السينمائية مخرجًا، وليس ممثلًا فيلم "غيوم داكنة"، وقبله أفلام "أمينة" و"الأب" ومؤخرًا كانت تجربته الرائعة ليس في مجال التمثيل ولا الإخراج، ولكن على المستوى الأدبي، مجموعته القصصية "وجوه" التي تتكون من 38 قصة قصيرة منها ما يحكيه في سطرين فقط وفيهما يقول: "لم يبق من الستائر وأكياس الرمل الخشنة سوى رسالة الجندي الأخيرة إلى أمه العجوز.. سبقتك يا أماه إلى عالم أكثر نبلا".
والمتأمل لكل أعمال أيمن زيدان، الفنية أو الأدبية، حيث له إنتاجات كثيرة في كل المجالات، يكتشف أنه يكتب ويمثل ويعيش من أجل قضية واحدة "الوطن" يمثل ويخرج أعمالًا كل همه فيها بقاء تماسك الوطن.
فما عانته سوريا منذ بداية حربها قد لا يتحمله شعب آخر، وإن مررت في شوارع دمشق تشم رائحة البارود، وإن قادتك قدماك لتمر على نهر دجلة متأملا البيوت، والميادين، والمساجد حتى المسجد الأموي، والأسواق، تتنفس عبق تاريخ هذا الوطن الذي يكتب ويمثل عنه "أيمن زيدان" هو يحاول أن ينقل للناس صورًا مؤلمة عن وطن لا يستحق كل هذه الآلام وهذه المعاناة التي عاشها شعبه، لكنه يتفاءل في كل مرة، يقول لنا إن من يحب وطنه يبقى فيه يناضل من أجل أن تبقى جدرانه متماسكة.
في مجموعته القصصية التي لا يعنون أي منها، بل تركها وكأنها سرد لفيلم سينمائي، كل ألم يمتطي ألمًا، لتتفاعل مع أحداثها حتى آخر سطر، يبدأها بحكاية "أم يوسف" جارته التي تعلم منها كيف تكون الأم تمتلك قوة سحرية لإعادة عالم قاس عاشته.
ويمتعنا "زيدان" بتجواله في حكايات وطن.. عن الضيق والفرج، عن المشاعر المحطمة،عن الأمل، عن التفاؤل أيضًا، وقد يكون له عذره في أن تكون كل حكاياته معجونة بالألم، فهو منذ سنوات وهو يواجه في حكاياته انكسارات، منذ رحيل ابنه "نوار" وانكساره في الحرب على وطن بدون ذنب، لكنه لم يهدأ، لم يتراجع، لم يترك الوجع يحطم قلمه أو فنه، يحاول أن يشارك جمهوره تلك الانكسارات التي لا يتحملها أحد، فالوطن إن تألم تألم معه الجميع.
يمتعنا كثيرًا في أعماله التي يخرجها، هو ممثل من سلالة نور الشريف، ومحمود ياسين، يمتلك ثقافة أهلته لأن يصبح ممثلًا قديرًا في لغته، في إجادته لفن التمثيل بالفصحى، للأعمال التاريخية، للمسرح.
وأيمن زيدان هو الوحيد من عائلته، احترف الفن على غير رغبتهم، عمل ملقنا وعمره 16 عامًا بغرفة جاره الفنان نزار فؤاد، وعمل في الميكانيكا، وفي المطاعم، ولأنه أدرك قيمة رسالة الفن، تحولت أسرته إلى فرقة الأخوة والأبناء، يعملون في التمثيل، عرفه الجمهور المصري من أعمال كثيرة أهمها "باب الحارة" و"حاميها حراميها" و"إمام الفقهاء".. وعشرات الأعمال التي اقترب بها من الجمهور العربي، ولعل مجموعته القصصية "وجوه" تتحول يومًا ما إلى حلقات أو عمل فني يجد طريقه إلى الشاشة.