Close ad

تغيير العالم وتناقضاته

1-2-2021 | 09:46
الأهرام اليومي نقلاً عن

تمثل العلاقات الروسية مع الغرب مفتاحا رئيسيا من بين مفاتيح أخرى لمعرفة كيف يتطور النظام العالمى.

بالطبع تلعب التغيرات فى رئاسة الولايات المتحدة دورا مهما فى تحديد الكثير من مسارات النظام الدولى على الأقل كل أربع سنوات. أما روسيا / بوتين فى العقدين الماضيين فقد استطاعات أن تؤثر فى العديد من الملفات الإقليمية والدولية الساخنة ولكن بدرجة أقل من التأثير الأمريكى، إذ تستطيع واشنطن على سبيل المثال أن تفرض عقوبات متنوعة وقاسية على كثير من حلفاء روسيا وحتى على روسيا ذاتها، فى الوقت الذى لا يمكن لموسكو أن تمنع العقوبات أو تعوضها إلا بصوة رمزية وفى حالات محدودة جدا.

هذا السياق العام يوضح أهمية قرار تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة، لمدة خمس سنوات أخرى تنتهى فى فبراير 2026، وهى المعاهدة التى تحدد سقفا لكل دولة لعدد الأسلحة النووية التى يمتلكها الطرفان، وتمنع سباق تسلح جديد.وقرار التمديد يعود بالدرجة الأولى إلى الرئيس بايدن الذى أنهى قرارا سابقا للرئيس ترامب بعدم تجديد تلك المعاهدة تحديدا ورغبته تطوير الأسلحة النووية الامريكية دون قيود. ومن شأن التمديد أن ينهى احتمالات الدخول فى سباق نووى جديد يرفع مستوى التوتر ليس فقط بين هذين القوتين النوويتين الكبيرتين، بل على مستوى العالم كله، ويوفر فرصة لكل دولة لديها إمكانات نووية محدودة أو فى بداية الطريق أن تتجه بقوة إلى امتلاك أكبر عدد ممكن من القنابل النووية بأحجامها المختلفة.

على هذا النحو يمكن تقدير تلك الخطوة الروسية الأمريكية باعتبارها تسهم ولو جزئيا فى خفض التوتر الدولى من جانب، وبالتالى التركيز على القضايا المُلحة العالمية والإقليمية التى تتطلب تعاونا دوليا وثيقا، لاسيما من القوى الكبرى لمواجهتها من جانب آخر. لكن هذه النظرة المثالية نسبيا تتطلب شروطا رئيسية، لعل أهمها وأولها بدورها التخلى عن أوهام الهيمنة المطلقة على شئون الآخرين، والعمل على تغيير أنظمة الحكم التى يعتبرها الغرب مناهضة لطموحاته. فمثل هذه السياسات التى ثبت فشلها وثبت أنها المدخل الذهبى للكثير من الأزمات فى بلدان عديدة حول العالم، بحاجة ملحة للتغيير الجذرى، والسعى نحو سياسات تقدر حرية المجتمعات فى اختيار مصائرها، وإن كان ثمة نصيحة تقدم لطرف أو آخر، فليكن ذلك بعيدا عن الضغوط والتهديدات، وفى إطار علاقات متوازنة واحترام مبادئ السيادة القومية وليس التجرؤ عليها.

ما يجرى الآن فى أروقة مجلس الأمن بشأن عقد جلسة غالبا غير رسمية لمناقشة موقف الحكومة الروسية من المعارض نافالنى الذى تم اعتقاله حين عودته قبل أسبوعين من ألمانيا، بعد علاجه من تسمم منسوب لبلاده يعطينا مثلا حيا حول تداخل وتعدد المعايير واختلاطها، والتى يُصنع على أساسها القرار الدولى، ويؤكد أيضا أن التخلى عن سياسات الهيمنة الغربية ليست مسألة سهلة، وسوف تحتاج عدة عقود، إلى أن تتغير هياكل القوة فى مجمل النظام الدولى، وينشأ نظام متعدد الأقطاب أكثر توازنا وأكثر عدالة فى الآن نفسه. وبالنسبة لدور لمجلس الأمن فهو أساسا يتعلق بمواجهة المخاطر والتهديدات التى تمس الأمن الدولى، ولذا فإن الجلسة المقترحة لمناقشة تطور جزئى وداخلى فى بلد ما، ينطبق عليها الشأن الداخلى بامتياز، هو موقف يتناقض تماما مع ميثاق الأمم المتحدة، ويعنى أن جهود هذه المنظمة الدولية مشتتة وبعيدة عن القضايا الرئيسية الكبرى التى تمس أمن العالم وأمانه واستقراره، وأنها تخضع كثيرا لمعايير غير منطقية، وتهدر موارد العالم فيما لا طائل منه. لاسيما وأن الجميع يعلم أن مجلس الأمن لن يستطيع أن يدين موسكو رسميا بحكم امتلاكها حق النقض.

لا أحد يوافق على اعتقال معارضين سياسيين سلميين يطمحون فى تغيير بلادهم، أو طرح وجهات نظر أخرى، ما دام الأمر يتم فى إطار الضوابط القانونية للبلد ولا يستدعى تدخلا خارجيا، وربما ينال نافالنى تعاطف كثيرين حول العالم، ولكن تدخل الدول الغربية بهذا الشكل يفسد قضيته ولا يفيدها، ويجعلها فى إطار الشد والجذب بين روسيا والمنافسين لها، وبالتالى تخرج من إطارها الوطنى، الذى يمكن أن يقود الى تغيير محسوب ومطلوب. ولعل الأفيد أن يراجع الغرب سياساته فى هذا الشأن، كما تراجع موسكو مواقفها نحو المعارضين الوطنيين بما لا يُخل بسيادتها، وبما لا يقيد أى معارضة وطنية فى إطار القانون العام.

تأييد المعارضات فى أى بلد كوسيلة للتدخل والتغيير القسرى يؤدى إلى نهايات أليمة للشعوب، وحالات فنزويلا وفلسطين وإيران والعراق واليمن وسوريا وليبيا والأرمن فى أذربيجان، أمثلة شاهدة على النتائج الدامية التى تفوق فى جسامتها وفداحتها أى شىء آخر. والمفارقة الأكبر أن يتجاهل المسببون فى تلك الأزمات ونتائجها الأليمة البحث عن مخارج عادلة لها، وأن يسعوا إلى ترسيخ أدوارهم السلبية المناهضة لحقوق الإنسان ولميثاق الأمم المتحدة، وبما يزيد آلام الشعوب ويفقدها الثقة فى كل من يدعى الحرص على حقوق الإنسان. إصلاح النظام العالمى يتطلب الكثير من الجهد، ويتطلب تحالف كل القوى والدول المستهدفة بالتدخلات الغربية لفرض تغييرات حقيقية تعيد الاعتبار لمبادئ العدالة والمساواة والتوازن فى الالتزامات. العالم بحاجة الى أن تمارس المنظمات الدولية أدوارها المحددة، لا أن تتخلى عنها عمدا.

أين مجلس الأمن من قضايا عدالة توزيع لقاحات كوفيد ـ 19، ومن حماية ودعم اللاجئين فى إفريقيا، ومن انتهاكات إثيوبيا ضد شعبها فى تيجراى، ومن ضغوطها لاحتلال أراض سودانية لا نزاع بشأنها، ومن سلوكها المنفرد لحرمان شعبى مصر والسودان من حقهم الانسانى والتاريخى فى مياه النيل، ومن احتلال إسرائيل وانتهاكاتها ضد الفلسطينيين، ومن تدخلات تركيا فى ليبيا، ومن دعم قطر للإرهاب، ومن مأساة الروهينجا فى ماينمار والمصير المظلم للإيغور فى الصين، وغير ذلك كثير. قائمة طويلة من القضايا والأزمات التى تتطلب تحركا حالا واستباقيا، لكن تعدد المعايير والنظر بعين واحدة يضع العالم دائما على شفا حفرة من نار.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
نحو قانون يحمي المجتمع ولا يهدمه

منذ أن تعلمنا على أيدى أساتذة عظام فى القانون، عرفنا أن القاعدة القانونية تتسم بعدة سمات، أهمها الدقة فى الصياغة والوضوح فى المعنى، وعدم التضارب مع قواعد

أوهام خريطة التمدد التركي

فى عام 2009، أى قبل 11 عامًا كاملة نشر مركز ستراتفور للأبحاث الأمريكى، والذى يُنظر إليه كتابع للاستخبارات الأمريكية، كتابًا لجورج فريدمان مؤسس المركز بعنوان

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها